طبول الحرب 32

طبول الحرب (3/2)

المغرب اليوم -

طبول الحرب 32

رشيد نيني

انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة العربية ليس كليا وآنيا، بل إنه سيستمر في التراجع، وذلك لخدمة الأولويات الاستراتيجية في أماكن أخرى.
الحد من دور واشنطن العسكري في المنطقة العربية يعني أن حلفاءها سيمارسون استقلالية أكبر في «المغامرات» العسكرية الخاصة بهم.
وحسب كيسنجر فإن «الدب الروسي وحامل المنجل الصيني سينهضان من هجعتهما، في الوقت الذي يتعين فيه على إسرائيل أن تقاتل العرب، بكل إمكاناتها، وتقتل منهم بقدر ما تستطيع، والأمل أن يسير كل شيء كما هو مخطط له، وأن يصبح نصف الشرق الأوسط إسرائيلياً».
هكذا عندما تضع الحرب العالمية الثالثة أوزارها يكون بوسع الأمريكيين، كما هو مدون في توقعات كيسنجر، «بناء مجتمع جديد يؤسسون فيه لنظام عالمي جديد، تكون فيه أمريكا القوة العظمى الوحيدة التي لها السلطة المطلقة على العالم».
ويضيف كيسنجر «لا تنسوا أننا نملك أفضل السلاح، وفي حوزتنا موارد ومواد خام لا تملكها دولة أخرى، وسوف نقدم كل هذا إلى العالم، عندما يحين الوقت المناسب».
ولتحقيق هذا الهدف تم زرع مسخ اسمه الدولة الإسلامية في العراق والشام، وإسناد خلافتها لخريج سجن أمريكي بالعراق يفرض شريعته بحد السيف ويتاجر في البترول والقطن مع تركيا ويشتري السلاح بالأطنان من الدول التي تصنعه وتبكي على ضحاياه.
لقد جاء التقدم المذهل للدولة الإسلامية، منذ سنة 2014، لتحطيم البنية الجيوسياسية الإقليمية للشرق الأوسط من خلال مراجعة سياسية وإيديولوجية عميقة في ما يخص حدود دول المنطقة ما بعد الاستعمار، وخاصة تلك التي تقع بين العراق وسوريا، والتي وُرثت من خلال اتفاقيات «سايكس بيكو» عام 1916 التي تمت بين فرنسا والمملكة المتحدة، والتي أنشأت لمدة قرن تقريبا الحدود الحالية في الشرق الأوسط انطلاقا من الأراضي المنهوبة للإمبراطورية العثمانية السابقة. على الرغم من أن حدود الدول المجاورة لا تزال تقاوم إلى حد ما، المملكة العربية السعودية، الأردن، لبنان، فهي تخشى من انتشار عدوى «داعش»، خصوصا أن الدولة الإسلامية، ولتبرير تمددها، تلعب على الخيال الجماعي للمسلمين بالإشارة إلى العصر الذهبي للإسلام الذي تمدد جغرافيا عبر ثلاث قارات، والذي تم توقيفه بناء على اتفاقيات «سايكس بيكو» ووعد بلفور سنة 1917، والتي من خلالها تم إنشاء إسرائيل.
والواقع أن الحدود التي نتجت عن هذه الانقسامات المتتالية قامت على اعتبارات تتعلق بتوزيع موارد الطاقة في المنطقة، وهذا يعتبر جانبا أساسيا بالنسبة للبريطانيين.
هذا أيضا هو سبب إصرار لندن على إحكام قبضتها خلال غزو حلفاء أمريكا للعراق على المقاطعة العثمانية السابقة التي هي الموصل الغنية بالمواد الهيدروكربونية، والتي ليس من قبيل الصدفة أن تكون حاليا تحت سيطرة «داعش».
عندما نتأمل طريقة غرس «داعش» في خصر المنطقة العربية، نجد أنها مشابهة جدا لتلك التي تم بها غرس إسرائيل سنة 1948.
يتم في الأول فرض اسم مستعار لـ «دولة» في الشرق الأوسط، بحجة إنهاء الحدود الاستعمارية لتحقيق الوحدة العربية الإسلامية، ولكن هذا الكيان، في الواقع، يلعب لعبة القوى الاستعمارية برئاسة فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة.
داعش هي «الفزاعة» التي من خلالها يتم ضرب عدة عصافير بحجر واحد: أولا تهديد شرعية المملكة العربية السعودية، ثانيا فرض الاحترام تجاه إيران، وثالثا فرص السيطرة الدائمة على محور بغداد ودمشق لوقت أطول خارج النفوذ الغربي الذي كان سائدا في عهد صدام حسين وحافظ الأسد.
طبعا تشارك الأطراف الإقليمية، مثل إيران والمملكة العربية السعودية، بشكل أساسي في إعادة الهيكلة الحالية للمنطقة، لكنها مُضعفة بسبب تنامي مبدأ «الاستقلال»، للمناطق الإقليمية والانفصالية ومُشجعة ومُمولة من لدُن الغربيين.
لقد مضى الوقت حيث كانت فرنسا، على سبيل المثال، تسمح بتشكيل نزعة عروبية، كما في عهد الجنرال دوغول الذي اختار الاصطفاف بجنب المصالح العربية، إلى درجة أنه غادر حلف شمال الأطلسي بينما كانت فرنسا دولة مؤسسة لهذا الحلف.
على الفرنسيين المكتوين اليوم بنار الإرهاب، والذين سلموا مصيرهم وأعناقهم للسياسة الأمريكية الخارجية، أن يتذكروا أحد أيام مارس من سنة 1966، عندما أرسل الجنرال دوغول رسالة تاريخية إلى رئيس الولايات المتحدة ليندون جونسون، يوضح له من خلالها أن فرنسا قررت استعادة السيادة الكاملة الإقليمية والعسكرية التي تمت إعاقتها بسبب استمرار وجود عناصر عسكرية حليفة تستغل أجواءها.
وقد ختم الجنرال الشجاع رسالته بعبارة قاتلة عندما قال: «لقد قررت عدم وضع القوات تحت أمر حلف شمال الأطلسي».
الجواب على هذا التحدي الدوغولي جاءه بعد عامين، عندما استغل اليسار الشيوعي المخترق بالصهيونية الإسرائيلية السخط الشعبي لإطلاق أحداث ماي 1968، التي أضعفت سلطة الجنرال دوغول.
لقد كان المحرض على هذه الأحداث هو ببساطة القوة العميقة التي أصبحت تحكم مفاصل الدولة في فرنسا، أي النواة الصلبة التي تحمي المصالح الإسرائيلية الصهيونية، أولئك الذين لم يقبلوا يوما «السياسات العربية» للجنرال شارل دوغول، والذين يؤثرون اليوم على الرئيس فرانسوا هولاند لكي يطبق قوانين الحرب خارج الاتفاقيات الأوربية حول حقوق الإنسان، ويشرع في عملية طرد مدروسة وطويلة المدى للعرب والمسلمين من جمهورية الحرية والأخوة والمساواة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طبول الحرب 32 طبول الحرب 32



GMT 21:28 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

«هي لأ مش هي»!

GMT 21:25 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

الفعل السياسي الأكثر إثارة

GMT 21:22 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

سألوا الناخب.. فقال

GMT 21:20 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

ديمقراطية على المحك!

GMT 21:18 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترامب!

GMT 06:10 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الجزائري خارج الجزائر

GMT 06:07 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الجديد... أي أميركا ننتظر؟

GMT 05:06 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

نصيحة السيستاني الذهبية

نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 08:38 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

ميلانيا ترامب تظهر بإطلالة بارزة ليلة فوز زوجها
المغرب اليوم - ميلانيا ترامب تظهر بإطلالة بارزة ليلة فوز زوجها

GMT 17:36 2012 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

مجموعة للعناية بالشعر وتقويته

GMT 12:24 2018 الأربعاء ,25 إبريل / نيسان

أولمبيك آسفي يخطط لضم 4 لاعبين في الميركاتو

GMT 17:23 2016 الثلاثاء ,12 إبريل / نيسان

مشوار المنتخب السعودي في تصفيات كأس العالم 2018

GMT 02:35 2018 الإثنين ,05 شباط / فبراير

عفاف شعيب سيدة شعبية في مسلسل "فوق السحاب"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib