رشيد نيني
بالإضافة إلى تعويضات وتقاعد الوزراء والبرلمانيين، هناك مؤسسات استشارية، يستفيد أعضاؤها من تعويضات «خيالية» تتجاوز في بعض الأحيان أجور البرلمانيين والوزراء ورئيس الحكومة نفسه.
ويحصل مثلا أعضاء المجلس الوطني لحقوق الإنسان على تعويض قار قدره 16 ألف درهم شهريا، بالإضافة إلى تعويض عن كل اجتماع قدره 2000 درهم، بمعدل 10 اجتماعات في الشهر، وبذلك يحصل كل عضو شهريا على 20 ألف درهم تعويضا عن حضور الاجتماعات، أما إذا كان العضو أستاذا جامعيا، فإنه يستفيد من أجرته في حدود 20 ألف درهم، ويكون مجموع ما يحصل عليه هو مبلغ 56 ألف درهم في الشهر، وهو ما يعادل أجرة وزير في الحكومة.
أما بالنسبة لرئيس اللجنة الجهوية، فيحصل على تعويض قدره 20 ألف درهم باعتباره رئيسا، و10 آلاف درهم باعتباره عضوا في المجلس، بالإضافة إلى تعويض ألفي درهم عن كل اجتماع، وإذا كان أستاذا جامعيا، مع الاحتفاظ بأجرته، يحصل رئيس اللجنة على 60 ألف درهم، وهو ما يعادل تقريبا أجرة رئيس الحكومة.
أما أعضاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي فيحصلون على تعويضات قد تصل إلى ثلاثة ملايين شهريا، ويستفيد منها كل الأعضاء، حيث يتقاضى أعضاء المجلس تعويضا عن حضور أشغال الجمعية العامة للمجلس بمبلغ 12900 درهم يؤدى مرة في كل شهر، والتعويض الجزافي الخاص بأعضاء المكتب ورؤساء اللجان بمبلغ 3600 درهم عن كل يوم عمل، والتعويض الممنوح لمقرري اللجان ونواب رؤساء اللجان ومقرريها ومنسقي اللجان المؤقتة ومجموعات العمل الخاصة بمبلغ 2900 درهم عن كل يوم عمل، والتعويض عن المساهمة في أشغال اللجان الدائمة والمؤقتة ومجموعات العمل يحدد مقداره في 2200 درهم شهريا، ويمكن أداء هذه التعويضات مرتين في الأسبوع.
وخلال الولاية الحكومية الحالية، وقع رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، على مرسوم يتضمن تعويضات «سمينة» لأعضاء المجلس الأعلى للتربية والتعليم والبحث العلمي، رغم أن أغلب الأعضاء يتقاضون أجورا من مناصب أخرى، ومنهم أعضاء بغرفتي البرلمان، وتقارب هذه التعويضات مبلغ 6 ملايين سنتيم لكل عضو بالمجلس مقابل إنجاز بعض المهام المنوطة بهم، بمعدل 3500 درهم عن كل يوم عمل.
ويستفيد أعضاء المجلس من التعويض الجزافي الخام الخاص بأعضاء المكتب، يحدد مقداره في 7142 درهما شهريا، مستحقة عن الاجتماعات التي يحضرونها، وسيستفيد رؤساء اللجان الدائمة، واللجان المؤقتة، ومجموعات العمل الخاصة، من تعويض جزافي قدره 3571 درهما عن كل يوم عمل، بالإضافة إلى التعويض الجزافي الخام الممنوح لمقرري اللجان الدائمة واللجان المؤقتة ومجموعات العمل الخاصة، والذي حدد المرسوم مقداره في 2857 درهما عن كل يوم عمل، والتعويض الجزافي الخام الممنوح لفائدة أعضاء اللجان المؤقتة، ومجموعات العمل الخاصة، في 2142 درهما عن كل يوم عمل.
وخصص رئيس الحكومة تعويضات كبيرة لأعضاء المجلس مقابل الحضور في اجتماعات المجلس واللجان الدائمة وإنجاز التقارير، بحيث سيمنح تعويض جزافي خام، خاص بإنجاز التقارير التي يعدها أحد أعضاء المجلس، مقداره ما بين 14 ألفا و285 درهما، كحد أدنى، و57 ألفا و142 درهما، كحد أقصى، كما يستفيد أعضاء المجلس أثناء سفرهم في مأمورية خارج الوطن من تعويض يومي قدره 2500 درهم، و1000 درهم بالنسبة للمهام داخل المغرب. وتتحمل ميزانية المجلس مصاريف الإقامة بالنسبة للأعضاء الذين تبعد إقامتهم الرئيسية عن الرباط بأكثر من 50 كيلومترا، بمناسبة حضورهم أشغال المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، بمن فيهم الأعضاء المقيمون بالخارج، ويستفيدون كذلك من تحمل ميزانية المجلس لمصاريف التنقل، أو من التعويضات الكيلومترية، كما يستفيدون من النقل الجوي داخل المغرب أو خارجه.
لكل هذه الأسباب فإن إصلاح صناديق التقاعد يجب أن يكون شاملا وأن لا يأخذ بعين الاعتبار فقط معاشات الموظفين الصغار، بل أيضا معاشات الوزراء وكتاب الدولة والوزراء المنتدبين والنواب البرلمانيين والولاة والعمال وأصحاب التقاعد الاستثنائي الذين يعدون بالآلاف، وهم متقاعدون يستفيدون من معاشات تتراوح ما بين 30 ألفا و50 ألف درهم دون أن يكونوا قد ساهموا بدرهم واحد في صناديق التقاعد.
إن إفلاس الصندوق المغربي للتقاعد لا يتحمل مسؤوليته الموظفون، فهؤلاء كانت إداراتهم تقتطع مساهمات الصندوق من رواتبهم، لكن بعض هذه الإدارات لم تكن تدفع هذه المساهمات للصندوق، بمعنى أنها كانت تذهب في اتجاهات أخرى يعرفها بنكيران جيدا، ولهذا قال إدريس جطو، رئيس المجلس الأعلى للحسابات، إن صناديق التقاعد كانت سخية، وهو يعرف طبعا عن أي سخاء يتحدث، لكنه أجبن من أن يسميه.
اليوم انتهى عهد السخاء، ولم يعد هناك مجال للاستمرار في التصرف خارج المساطر القانونية، سواء في التقاعد أو في أشياء أخرى، والناس عليهم أن يفهموا أن الأمور يجب أن تتغير وأن عهد «عطيني بقعة أو مانضة أو كريمة حيت أنا فلان أو فرتلان» انتهى.
فما نعيشه اليوم من إفلاس هو نتيجة مباشرة لسنوات طويلة من الريع الذي تعود عليه المغاربة إلى درجة أنهم أصبحوا يعتبرونه حقا مكتسبا.
هؤلاء جميعهم يجب أن يعرفوا أن الحق المكتسب الوحيد هو العمل والمساهمة في حماية مستقبل أبنائنا عبر حماية تقاعدنا من الإفلاس.
على السيد بنكيران أن يلتفت إلى أصحاب الامتيازات والعقود والمقاولات والمرخص لهم بنهب خيرات هذا الوطن، الذين «يتغذون» في لندن و«يتعشون» في باريس ويفطرون على شواطئ جزر هاواي ولا يقضون عطلهم إلا في ماربيا وجزر هنولولو، حيث يملكون إقامات خاصة، والذين لا يؤدون للدولة سنتيما واحدا، بل ويهضمون حقوق «العبيد مشرطين الحناك» المسخرين لخدمتهم.
الحكومة عاجزة عن محاربة التهرب الضريبي وعن ضمان حقوق مواطنيها من تسلط وشطط «الأسياد». ولكنها بالمقابل «حاذقة» في الإجهاز على حقوق السواد الأعظم من الموظفين الفقراء والمطالبين بتحمل فاتورة الإفلاس، وتجميد أجورهم المثقلة بالضرائب، والتي لا ترقى إلى ما ينفقه بعضهم شهريا على طعام وتطبيب قططهم وكلابهم المدللة.