رشيد نيني
بعض الجرائد والمواقع اختارت أن تشارك في النقاش العمومي الدائر حول مطلب إلغاء معاشات البرلمانيين والوزراء من موقع «تقويم التشوهات والاعوجاجات» عوض القيام بدورها الإعلامي المتمثل في الدفاع عن المال العام.
وهكذا وجدنا جرائد ومواقع فتحت عيادات تجميل وبدأت تتسابق من أجل مسح أحذية الوزيرة شرفات أفيلال وتقديمها كوزيرة مناضلة صاعدة من رحم الطبقة الشعبية، مع أن دافعي الضرائب لا يهمهم أصل وفصل الوزيرة بقدر ما يهمهم حماية أموالهم العمومية، «جي حتى من المريخ ماشي غي من الطبقات الشعبية»، المهم هو «ما تقيسش فلوسي».
ولعله من حسنات إثارة هذا النقاش العمومي هو أن أربعة برلمانيين هم عبد العزيز أفتاتي وخديجة بلاضي وعبد الله بنحمو وياسين الراضي أبدوا استعدادهم للتنازل عن معاشاتهم البرلمانية. واللائحة مفتوحة على متطوعين آخرين قد ينضمون لهؤلاء البرلمانيين الذين ضربتهم النفس ورفضوا أكل أموال الناس بالباطل.
وهناك من اجتهد لكي يستخف بالنقاش الدائر حول إلغاء معاشات البرلمانيين والوزراء، في وقت يبحث فيه رئيس الحكومة عن إجماع في البرلمان حول مقترحه حول ملف التقاعد.
وهكذا نرى كيف فرض رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، منطقه في إصلاح صناديق التقاعد المهددة بالإفلاس، على بعد أقل من سنة على انتهاء ولايته الحكومية، عبر تنزيل إجراءات الإصلاح، رغم تحفظ المركزيات النقابية على هذه الإجراءات، التي تروم الزيادة في سن التقاعد، والزيادة في الانخراط مع تقليص احتساب نسبة العمل، ثم احتساب معدل أجر ثماني سنوات الأخيرة، بدل الأجر الأخير.
وعوض البحث عن مكامن الخلل والثقوب التي تستنزف أموال صناديق التقاعد واقتياد من نهبوا هذه الصناديق إلى المحكمة، اختار الطريق الأسهل، مطبقا شعار «عفا الله عما سلف»، باستهداف الموظفين والمتقاعدين البسطاء الذين أفنوا عمرهم بالوظيفة العمومية، من خلال رفع نسبة الاقتطاع من الأجور لتمويل صندوق التقاعد بـ4 في المائة لتصل إلى 14 في المائة بدل 10 في المائة حاليا، مع مساهمة مماثلة للدولة، وتقليص مقدار معاش التقاعد، باحتسابه على قاعدة معدل الأجرة للسنوات الثماني الأخيرة بدل آخر أجرة حاليا، واستبدال نسبة 2.5 في المائة من الأجرة عن كل سنة من العمل بنسبة 2 في المائة فقط.
ويشكل معدل الاقتطاع الإضافي عند إضافة 4 في المائة، 300 درهم للسلم التاسع، و400 درهم للسلم العاشر، و600 درهم للسلم 11، و800 درهم لخارج السلم.
قانون بنكيران يتعامل مع أجور المتقاعدين باحتساب 2 في المائة من معدل الأجر خلال 10 سنوات بدل الأجرة الأخيرة، إضافة إلى الرفع من سن التقاعد ليصبح 63 سنة، وإعادة النظر في طريقة احتساب المعاش الذي اعتمدته الحكومة نهجا للإصلاح.
هذه الإجراءات تعتبر إجراءات تفقيرية للمتقاعدين، تهدف إلى تخفيض مبلغ المعاشات بنسبة 20 في المائة، في حين أن أي وزير يقضي في منصبه الحكومي ستة أشهر سيحصل في تقاعده على مبلغ يقارب 4 ملايين سنتيم شهريا، وهو ما لا يمكن لموظف حاصل على شهادات عليا الحصول عليه لمدة أربعين سنة من الخدمة المتواصلة.
وإذا استعملنا «حساب الشارفات»، أو ما يسميه البدو «حساب البيض»، فإن مبلغ المعاش السنوي سيساوي الأجرة النظامية مضروب في عدد الأقساط السنوية القابلة للتصفية، مضروب في 2.5، حيث يتم احتساب معاش التقاعد على الأجور النظامية الخاضعة للاقتطاع والمطابقة للوضعية الإدارية للمنخرط في سلكه الأصلي عند تاريخ حذفه من الأسلاك.
وتشتمل الأجرة النظامية على الراتب الأساسي زائد التعويض عن الإقامة المخصصة للمنطقة «ج» (10 في المائة من الراتب الأساسي)، زائد مجموع التعويضات القارة والدائمة.
أما بالنسبة للأقساط السنوية القابلة للتصفية، فتعتبر كل سنة من الخدمة الفعلية بمثابة قسط سنوي قابل للتصفية، ويساوي كل قسط سنوي 2.5 في المائة من الأجرة النظامية، غير أن النسبة المذكورة تحدد في 2 في المائة في ما يخص التقاعد بناء على طلب التقاعد النسبي.
ولكي نوضح أكثر يمكننا إعطاء أمثلة توضيحية حول كيفية احتساب المعاش، مثلا بالنسبة لعون خدمة في السلم 1، الرتبة 10، الرقم الاستدلالي 128، له أقدمية 35 سنة من الخدمة، فعناصر الأجرة مبلغها السنوي الإجمالي هو الراتب الأساسي 12114.36 درهما، والتعويض عن الإقامة، هو 1211.44 درهما، والتعويض عن التسلسل الإداري، هو 3660 درهما، والتعويض عن الأعباء، هو 3660 درهما، فإننا نجد أن المجموع هو 20645.80 درهما، ونسبة المعاش هي 35 سنة مضروب في 2.5 يساوي 87.5 في المائة، وسنحصل في النهاية على المعاش السنوي الإجمالي بضرب 20645.80 في 87.5 في المائة وسنجد أن الحاصل هو 18065.075 درهما، وإذا قسمنا هذا المبلغ على 12 شهرا، نحصل على المعاش الشهري الإجمالي بمبلغ 1505.42 درهما.
أما رجل تعليم مصنف في السلم 8، الرتبة 9، الرقم الاستدلالي 353، له أقدمية 27 سنة من الخدمة، بأجرة مبلغها السنوي الإجمالي هو 39943.04 درهما، يتكون من الراتب الأساسي، بمبلغ 24202.76 درهما، والتعويض عن الإقامة، بمبلغ 2420.28 درهما، والتعويض عن التسلسل الإداري، بمبلغ 9660.00 درهما، والتعويض عن الأعباء، بمبلغ 3660.00 درهما، فستكون نسبة المعاش هي 27 سنة مضروب في 2.5% تساوي 67.5%، وسيكون المعاش السنوي الإجمالي، هو 39943.04 مضروب في 67.5% يساوي 26961.55 درهما، أما المعاش الشهري فسيكون هو 26961.55 مقسوم على 12 شهرا، لنحصل على 2246.80 درهما شهريا.
وإذا كان الموظف متصرفا في السلم 11، الرتبة 10، الرقم الاستدلالي 639، قضى 35 سنة من الأقدمية في الخدمة، فتكون عناصر الأجرة مبلغها السنوي الإجمالي بالدرهم، والمكونة من الراتب الأساسي، والتعويض عن الإقامة، والتعويض عن التسلسل الإداري، والتعويض عن الأعباء، والتعويض عن التأطير، هي على التوالي، 38765.88 درهما، و3876.59 درهما، و30000.00 درهم، و12000.00 درهم، و43200.00 درهم، وسيكون مجموع الأجرة السنوية هو 127842.47 درهما، وستكون نسبة المعاش هي 35 سنة مضروبة في 2.5%، هي 87.5%، وبنفس طريقة الحساب السابقة سيكون المعاش السنوي الإجمالي هو 111862.16 درهما، والمعاش الشهري هو 9321.85 درهما.
من هذه الأمثلة التبسيطية نستخلص أن موظفا اشتغل متصرفا، وهي درجة عليا في الوظيفة العامة، قضى في العمل 35 سنة متواصلة، لا يصل معاشه لثلث ما يتوصل به وزير قضى بضعة أشهر في منصبه، بل إن عائلته من بعده تتوصل بضعفي هذا المبلغ بالرغم من قضائه هذه المدة القصيرة جدا.
والسؤال هو: أليس هذا هو الفساد الذي تكلم عنه رئيس الحكومة وعجز عن محاربته فأصبح عندما قننه شريكا فيه؟