رشيد نيني
مع شعوره ببداية انطلاق العد العكسي لنزوله من سفينة وزارة العدل وما تبقى من حريات، بعدما أوشك على إنهاء مهمة تفكيكها التي جاء من أجلها، اكتشف المصطفى الرميد بشكل متأخر وهو يخاطب السادة العدول في ندوة نظموها لبحث سبل الارتقاء بمهنتهم ومحاولة الدفاع عن حقوقهم، أنه «موحالش يبقى ليه شي صديق ملّي يخرج من الوزارة».
ونحن نقول من جهتنا للسيد الوزير إن من يجب أن تتأسف على فقدان صداقتهم هم أولئك الذين تخليت عنهم خلال فترة استوزارك، أما الذين سيتخلون عن صداقتك بعد انتهاء فترة استوزارك فلا يحزنك أمرهم، لأنهم إنما صاحبوك لصفتك الوزارية فقط، مثلما صاحبوا من قبلك من هم في عداد أهل القبور، وسيصاحبون من بعدك، وعلى رأي المثل المغربي «الله ينصر من صبح»، أو كما قال إبراهيم الفقي: «عندما ترتفع سيعرف أصدقاؤك من أنت، ولكن عندما تسقط ستعرف أنت من هم أصدقاؤك».
وللسيد الوزير أن يتساءل مع نفسه لماذا سينفض أصدقاؤه الحقيقيون من حوله، وهو الذي أراد أن يقود لوحده من أجلهم معارك إصلاح منظومة العدالة التي لا نهاية لها، فإذا به يفلح في إصلاح منظومة الأكل الخاص به وبضيوف الوزارة، هل لأنهم كانوا كلهم أنانيين وانتهازيين ولا يراعون إلا مصالحهم الذاتية الضيقة، ولا يرون فيه إلا صاحب سلطة قد يستقوون بها على الضعفاء، وقد يستغلونها من أجل الإفلات من العقاب، أو من أجل تحقيق مكاسب غير مشروعة.
أم له أن يتساءل أنه ربما يكون هو من أساء الظن بهم، حين دوخته نشوة السلطة وسكر بها، وتخلى عنهم في وقت كانوا يحتاجون فيه إلى قليل من عدله وإنصافه، وينتظرون منه الانتصار لهم ضد من ظلمهم وأخذ أرزاقهم أو مس حرياتهم.
فربما نسي سيادته في غمرة الاستوزار والجلابيب المطرزة بالذهب، أن الله سبحانه وتعالى خاطب رسوله الكريم وهو خير الخلق أجمعين، بقوله جل من قائل: «وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ».
ولا شك أن المصطفى الرميد كان فظا غليظ القلب في العديد من المناسبات، أليس هو من هاجم نقباء المحامين وهو في ضيافتهم، ودفع آلاف المحامين إلى الاحتجاج ضده أمام مقر البرلمان، وهو الذي هاجم القضاة، ودفعهم للاحتجاج ببذلهم أمام محكمة النقض، واستمر في مهاجمتهم ناعتا إياهم بشعب الله المختار ومحاولة تكميم أفواههم وكسر شوكتهم إلى اليوم، والتي كانت آخرها متابعة القاضية أمال حماني بسبب تدوينة لها على الفيسبوك، ليضرب الرقم القياسي في متابعة القضاة على آرائهم، ثم بعدها متابعة القاضي الهيني أمام المجلس الأعلى للقضاء.
والسيد الرميد هو الذي هاجم كتاب الضبط وكسر ضلوعهم بعدما كسر إضراباتهم واقتطع من رواتبهم، وهو الذي جر الصحافيين إلى ساحة القضاء وسلط عليهم الغرامات الثقيلة، وخاض ضدهم المعارك الطاحنة إما بالأصالة وإما بالوكالة، وحرض عليهم أتباعه وخدامه ليمارسوا ضدهم السب والقذف المتخفي في جبة «الرأي» والرأي منهم براء، فنصب نفسه خصما لهم بعدما كانوا يعتبرونه الصديق الحميم والمدافع الأمين.
وهو الذي هاجم العدول والموثقين ودفعهم إلى اليأس والخروج إلى الشارع للاحتجاج، وهو الذي هاجم الحركة الحقوقية الوطنية والدولية بعدما كان يعتبر جزءا منها، وأعاد الإكراه البدني من النافذة ليكون وسيلة فعالة في خدمة شركات القروض للزج بأصحاب الديون في السجون المكتظة أصلا بالسجناء ونصفهم من المعتقلين الاحتياطيين، وتغاضى عن متابعة الفاسدين وناهبي المال العام، وتابع فاضحي الفساد بعدما كان يشارك في المظاهرات ضدهم، ويرفع اليافطات التي تطالب بمحاكمتهم، وهو الذي تخلى عن متهمين أبرياء بمن فيهم أعضاء من حزبه في محنهم أمام المحاكم حتى لا يقال بأنه يحابيهم، وشارك في التشهير بالبعض منهم ضدا على القانون، وقبل أن يقول القضاء كلمته، ثم سكت عندما برأ القضاء ساحتهم.
إن ما يتعين على السيد الرميد أن يخاف منه، ليس هو فقدان الأصدقاء، بل هو الإكثار من الأعداء بمواقفه المتشنجة، أو كما قال الإمام علي كرم الله وجهه:
«وليس كثيراً ألفُ خِلٍ وصاحبٍ// وإِن عدواً واحداً لكثيرُ».
فهل يكون كل هؤلاء القضاة والصحافيين والمحامين والموثقين والعدول وأطر كتابة الضبط على خطأ، لمجرد أنهم لا يوافقون سيادته الرأي أو ينتقدون مواقفه؟
وهل يكون سيادته وحده على صواب؟
إذا كان السيد الوزير يعتقد أنه دائما على صواب فيما الآخرون على خطأ، فإنه سيفقد ما تبقى له من أصدقاء حتى قبل أن يسلم مفاتيح الوزارة، وسيحيط نفسه بأشباه الأصدقاء من المتملقين الذين قال عنهم الشاعر: «فإذا الصديقُ رأيتَهُ متملقا// فهو العدوُّ وحقُّه يُتَجنب».