اتضح اليوم أن المغاربة ليسوا محتاجين إلى حكومة لتصريف الأعمال بل إلى حكومة لتسريح «القوادس».
فيوم واحد من التساقطات المطرية كان كافيا لكي يفضح البنيات التحتية المغشوشة للرباط عاصمة الأنوار وسلا قلعة بنكيران الانتخابية.
فقد غرقت بيوت الناس وقطعت الطرق وتوقفت حركة القطارات واضطر سكان سلا الذين يشتغلون في العاصمة للمبيت في الرباط بسبب الطوابير الطويلة في القناطر القليلة التي تربط العدوتين.
وإذا كان هناك من بلوكاج حقيقي في هذه البلاد فهو ذلك الذي تسببت فيه البنية التحتية المهترئة للمواطنين، بحيث ضاعت مصالحهم بسبب تقاعس رئيس الجهة المنصرف كليا للسفريات وعمدة سلا «جامع» المناصب، أما البلوكاج الحكومي فهو بلوكاج مربح لأن أصحابه يتقاضون عنه رواتبهم كاملة.
لكن مستشاري سلا، وعلى رأسهم العمدة جامع المعتصم، لا يشغل بالهم ما يعيشه السلاويون بسبب الفيضان بل تبادل المنافع والمقاعد، وبمناسبة الحديث عن الريع السياسي وفي إطار توزيع كعكة المسؤوليات والمناصب المدرة للريع السياسي فوت عمدة سلا، جامع المعتصم، منصبه النيابي بالبرلمان إلى الذي يليه عزيز بنبراهيم رئيس مقاطعة المريسة بعد تقديم استقالته من مجلس النواب، بسبب حالة التنافي بين عضويته في المجلس وعضويته في المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أما مقعد بنكيران بسلا الذي كان وكيلا لنفس اللائحة، فسيذهب إلى محمد الزويتن، عضو الأمانة العامة، بسبب حالة التنافي بين العضوية في البرلمان ورئاسة الحكومة. والشيء نفسه وقع في الولاية السابقة، حيث حصل الزويتن على مقعد بنكيران بعد تعيين هذا الأخير رئيسا للحكومة، واعتاد بنكيران أن يسلك نفس المسلك رغم علمه مسبقا بحالة التنافي في حالة تعيينه رئيسا للحكومة وبالتالي تفويت المقعد البرلماني المضمون إلى الذي يليه في اللائحة، وبهذا الأسلوب الاحتيالي يكون مرشحو لائحة «البيجيدي» بدائرة سلا المدينة، قد فازوا جميعا بتلك الطريقة التي تشبه أرانب السباق في ألعاب القوى، والمصيبة أنهم نجحوا بفضل شعارات تدغدغ عواطف سكان سلا الذين اكتشفوا اليوم أن كل ما يقترحه عليهم مرشحوهم وعمدتهم هو التواصل وتقديم النصائح، «واحد غارق فطوموبيلتو وواحد باغي يعتقو بالنصائح، النصائح زيدهم فيك» .
أما إسراع العمدة جامع المعتصم بوضع رسالة استقالته على مكتب الحبيب المالكي في اليوم الموالي لانتخابه رئيسا لمجلس النواب، ففيه نوع من الاحتيال لكي يحافظ على عضويته بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي بالإضافة إلى رئاسته للمجلس الجماعي لسلا وكذلك رئاسته لمجموعة التعاون بالعاصمة التي تدبر قطاعي النقل والنظافة، والتي تعتبر بمثابة جماعة ترابية.
لكن حسب القانون، فإن حالة التنافي تقتضي منه تقديم استقالته من مناصبه السابقة وليس المنصب الحالي، لأنه عندما ترشح للعضوية في مجلس النواب خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة، كان يعلم أنه في حالة فوزه بالمقعد البرلماني سيكون بقوة القانون في حالة التنافي، وهو اعتراف ضمني برغبته في الحصول على المنصب البرلماني وتخليه عن مناصبه السابقة.
كما أن المادة 13 من القانون التنظيمي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، واضحة في هذا الباب ولا تقبل أي تأويل، فهي تنص على حالة التنافي بين العضوية في المجلس والعضوية في مجلس النواب، ويعتبر مستقيلا من عضوية المجلس العضو الذي أصبح في حالة التنافي، وفي هذه الحالة كان المعتصم عضوا بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي عندما أصبح في حالة التنافي بحصوله على العضوية في مجلس النواب، وبالتالي يعتبر مستقيلا من عضوية المجلس السابق، وكذلك المادة 13 من القانون التنظيمي لمجلس النواب، التي تنص على تنافي العضوية في مجلس النواب مع صفة عضو في المحكمة الدستورية أو في المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وبالتالي فنحن أمام تحايل قانوني وتحايل على سكان مدينة سلا الذين صوتوا له، لأن المعتصم ترشح لاستغلال صفته كرئيس للجماعة لجلب أكبر عدد من الأصوات للائحة بنكيران التي كان فيها ثانيا.
ولضمان نجاح بنكيران والمعتصم ليتركا مكانيهما للزويتن وبنبراهيم، أبرمت صفقة مع نبيل بنعبد الله، لا يعلم إلا الله مقابلها، تم بموجبها انسحاب وكيل لائحة حزب التقدم والاشتراكية بدائرة سلا المدينة، الذي ليس سوى المنعش العقاري «الكبير» محمد عواد الصديق «الحميم» للمعتصم الذي دخل رفقته إلى السجن سنة 2011، في قضية التلاعبات في ملفات العقار والرشوة والارتشاء، بعدما «تبرع» عواد بشقتين على المعتصم في إطار تبادل المصالح بينهما، تم إدماجهما وسكن فيهما مباشرة، مساحة الأولى 86 مترا مربعا والثانية 91 مترا مربعا، وتقعان بالطابق الأول بنفس العمارة، مقابل مصادقته على تصميم الإقامة التي تتواجد بها العمارة، وبلغ عدد المتابعين في جرائم التعمير آنذاك 31 متهما، منهم 16 توبعوا في حالة اعتقال، قبل إطلاق سراحهم، وخلال الانتخابات الجماعية الأخيرة، نجح المعتصم في الحصول على منصب عمدة المدينة بدعم قوي من عواد الذي حصل مقابل ذلك على منصب نائب العمدة، وتوسيع أنشطته العقارية فوق أراضي سلا تحت حماية الحاج نبيل بنعبد الله، بصفته وزيرا للسكنى والتعمير.
ومسار المعتصم عمدة سلا المنكوبة يستحق دراسة معمقة، فهذا الرجل كان معتقلا في سجن الزاكي بتهمة تدخل في نطاق جرائم الأموال، وبمجرد خروجه في إطار صفقة غامضة بالتزامن مع حراك الشارع، ألحقه بنكيران بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي ثم عينه مديرا بديوانه، بحيث حطم المعتصم الرقم القياسي في الجمع بين المناصب والتعويضات التي يفوق مجموعها 12 مليونا شهريا، رغم أن بنكيران ضرب به المثل في شظف العيش، فهو يتقاضى 3 ملايين سنتيم عن منصب عمدة المدينة، وهو نائب برلماني نجح في لائحة بنكيران في سلا المدينة بتعويض شهري قدره 3 ملايين و6 آلاف درهم شهريا، ويشغل في الوقت نفسه منصب مدير ديوان رئيس الحكومة بتعويض شهري بـ3 ملايين بالإضافة إلى التعويضات عن التنقل و«البريمات» السخية المخصصة لأعضاء دواوين الوزراء والسيارات، وهو عضو بالأمانة العامة للحزب، وكان يترأس المجلس الوطني لنقابة الحزب، وحصل على العضوية بالمجلس الإداري للصندوق المغربي للتقاعد.
وسعادة العمدة عضو بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي رغم وجوده في حالة التنافي مع المنصب البرلماني مازال لم يقدم استقالته من أحد المجلسين، حيث يتقاضى أعضاء المجلس تعويضا عن حضور أشغال الجمعية العامة للمجلس مبلغ 12900 درهم يؤدى مرة في كل شهر، والتعويض الجزافي الخاص بأعضاء المكتب ورؤساء اللجان بمبلغ 3600 درهم عن كل يوم عمل، والتعويض الممنوح لمقرري اللجان ونواب رؤساء اللجان ومنسقي اللجان المؤقتة ومجموعات العمل الخاصة بمبلغ 2900 درهم عن كل يوم عمل، والتعويض عن المساهمة في أشغال اللجان الدائمة والمؤقتة ومجموعات العمل يحدد مقداره في 2200 درهم شهريا، ويمكن أداء هذه التعويضات مرتين في الأسبوع.
ويبدو أن المعتصم يستحق فعلا لقب المعتصم جامع المناصب، ما يضعه في تناقض مع الموقف الذي أعلنه سابقا، عندما قدم استقالته من مجلس مدينة سلا، ومن رئاسة مقاطعة «تابريكت» بنفس المدينة، وبرر ذلك بعدم قدرته على الجمع بين المهام، وذلك بعد تعيينه مديرا لديوان رئيس الحكومة، لكن هذه الاستقالة أثارت الكثير من الشكوك، لكونها تزامنت مع زيارة كان يقوم بها قضاة المجلس الأعلى للحسابات لافتحاص ملفات تتعلق بخروقات قطاع التعمير الذي كان يشرف عليه.
فهل سيدرك سكان سلا، الغارقون اليوم في الوحل، أنهم صوتوا على أشخاص لا يجيدون سوى الجمع بين المناصب والتعويضات، على أشخاص بارعين في توزيع الوعود المعسولة التي تتبخر مع أول الزخات المطرية؟