قضية سعد لمجرد تستحق وقفة تأمل، بعيدا عن تهليل البعض فرحا بمغادرته السجن، وبعيدا عن مطالبة البعض الآخر بإعادته إلى زنزانته.
ولعل المفارقة الغريبة هي مسارعة بعض المشاهير في الوسط الفني لأخذ الطائرة نحو باريس للاحتفال بإطلاق سراح لمجرد وتضامنا معه في «محنته»، في الوقت الذي لم نر فنانا واحدا يسافر إلى تنغير لكي يشارك أهل الطفلة التي ماتت بسبب تعذر علاجها مأساتهم.
وهنا نلمس الفرق بين الفنانين المشاهير الغربيين الذين يستغلون شهرتهم لدعم القضايا الإنسانية العادلة وتخصيص قسط من ثرواتهم للتبرع للمؤسسات التي تهتم بالفقراء والمهمشين، وبين الفنانين المشاهير المغاربة الذين كل همهم هو استغلال شهرتهم لمراكمة الثروات والابتعاد أكبر قدر ممكن من اعتناق المبادئ السياسية كالمطالبة بالعدالة أو الإنسانية كالدفاع عن الكرامة.
فهم يفضلون أن يتضامنوا مع متهم بالاغتصاب على أن يتضامنوا مع طفلة بريئة سرقت من عائلتها عنوة.
الجميع متفق على أن لمجرد يستحق كغيره من المتهمين محاكمة عادلة، ومن حقه أن يستفيد من السراح المؤقت، لكن كثيرين استغربوا تلك الحركات التي قام بها لمجرد في شوارع باريس بمجرد مغادرته لزنزانته.
فقد شاهدناه يرقص ويغني ويقفز فرحا كما لو أنه نال البراءة، والحال أنه لازال متهما ومتابعا في ملف قد يكلفه سنوات محترمة من السجن في حالة ثبوت التهم الموجهة إليه.
لقد كان على لمجرد أن يلتزم الهدوء والرزانة وأن يتفرغ مع محاميه لإعداد دفاعه لا أن يعد ألبوما غنائيا جديدا، فمحاكمته ليست سهلة والتهم الموجهة إليه «يغرق فيها جمل» كما يقول المغاربة.
إن الحفاوة المبالغ فيها التي تم بها استقبال خبر إطلاق سراح لمجرد تكشف أننا كشعب لازلنا متسامحين مع جرائم مثل الاغتصاب، وشخصيا كنت سأتقبل هذه الحفاوة الحارة لو أن لمجرد نال حكما نهائيا بالبراءة، أما وأنه متابع في حالة سراح ومتهم لم تثبت بعد براءته، فإنني أجد هذه الحفاوة ضربا من النفاق وحالة من الغيبوبة الجماعية عن الوعي التي يجب أن نستفيق منها.
إن سعد لمجرد الذي يتم استقباله استقبال الأبطال العائدين من انتصار لم يكن معتقلا لأنه كان يدافع عن حرية التعبير أو لأنه كان يناضل من أجل العدالة الاجتماعية، بل إنه كان معتقلا قبل أن يتابع في حالة سراح بجرائم أخلاقية ثقيلة، ولسنا نحن من سنقول بأن محاكمته مفبركة وأنه مظلوم بل إن القضاء من عليه أن يقول ذلك، ولو لم يكن للقضاء الفرنسي ما يكفي من الدلائل على التهم الموجهة إليه لما كان قرر متابعته جنائيا.
إن الدرس الذي يجب أن نستخلصه نحن في المغرب هو أن القضاء فوق الجميع، سواء كنت ثريا أو وزيرا أو نجما فإن سيف العدالة يمكن أن يطولك.
وما حدث في شوارع الرباط عندما نزل ابن عائلة ثرية وذات نفوذ بسيارته الفيراري يسوقها وهو يشرب قناني الشامبانيا كما لو كان يشرب «بومس» قبل أن يتسبب في حادثة سير، يعطينا فكرة عن قضائنا المعطوب.
فالشاب لم يكتف بتصوير عربدته في العلبة الليلية وداخل سيارته، بل خرج من سيارته بعدما أرسل أصحاب سيارات أخرى إلى الإسعافات وشرع في تصوير عناصر الشرطة الذين حضروا لمكان الحادث لكي ينجزوا محضر المعاينة.
وقد سمع وشاهد كل من وصله الشريط الشاب يتحدث بوقاحة إلى عناصر الأمن ساخرا من عملهم، والغريب أنه كان يصور بحرية رغم أنه كان في حالة سكر طافح، ولم يكتف بذلك بل أشعل سيجارة في سيارة الإسعاف التي نقلته إلى المستشفى.
كل من شاهد هذا الشريط شعر بالتقزز، لأن أمثال هذا الشاب المدلل هم الذين يطحنون أبناء المغاربة في الطرقات ويخرجون منها كما تخرج الشعرة من العجين.
فهناك من يركب سيارته لكي يذهب إلى العمل ليضمن خبز أبنائه، وهناك من يركب سيارته التي اشتراها له أبواه ويفرغ في جوفه قناني الشامبانيا ويطحن كل من يأتي في طريقه.
وقد شاهدنا ما فعلته فيراري الشاب المدلل بسيارة داسيا التي يعلم الله مصير صاحبها، وهي صورة تعكس بحق اختلال الموازين في هذا البلد بسبب تعطيل القوانين وعدم سريانها على الجميع.
ولو قدر لهذا الشاب المدلل أن يقترف بباريس ما اقترفه في الرباط لوجد نفسه في نفس الزنزانة التي كان فيها لمجرد، لأنهم هناك لا يقبلون «ضسارة ولاد الفشوش»، بل إنهم يعطون بهم المثل ليكونوا عبرة لغيرهم.
ولذلك فقد كان قرار المدير العام للإدارة العامة للأمن الوطني بتوقيف رجل الأمن الذي حرر محضر الواقعة في محله، لأن عنصر الأمن تقاعس عن القيام بواجبه الذي كان يفترض أن يضع القيد في يدي الشاب السكران، حماية لنفسه وللآخرين، وأن يقوم باعتقاله وأخذه لمقر الأمن، فالسياقة في حالة سكر تصل عقوبتها لثلاث سنوات سجنا.
لكن وفي تصوري الخاص فالطريقة الباردة التي كان يتصرف بها الشرطي في مسرح الحادثة تبعث على الشك في كون مسؤول مباشر أعلى منه مرتبة أمره بالوقوف على الحياد، وهذا مجرد تخمين، والبحث الذي أمرت به الإدارة العامة حول ملابسات الحادث هو الوحيد القادر على أن يؤكد هذا الشك أو ينفيه.
وفي حالة ثبوته يجب أن يطول العقاب ليس الشرطي بل الجهة التي أصدرت الأمر بعدم إعمال القانون في حق هذا الشاب «الضاصر»، الذي عوض أن يتم اعتقاله أحضروا له كندورة السعودية بيضاء لكي يغير بها قميصه قبل الصعود إلى سيارة الإسعاف والانتشاء بسيجارة.
ولنا في حالة بدر هاري خير مثال، فالرجل ظل يسلخ المغاربة إخوانه وفي كل مرة يتم التغاضي عنه إلى أن بسل أكثر من اللازم فتم توقيفه من طرف الشرطة في مراكش، لكنه غادر الكوميسارية دون أن تتم متابعته، أما عندما اعتدى على مواطن هولندي في أمستردام فقد تمت متابعته بتهمة ثقيلة هي محاولة القتل، وصدر حكم بسجنه واضطر إلى الذهاب إلى هولندا لتسليم نفسه وقضاء مدة الحبس، ليس حبا في القضاء الهولندي ولكن خوفا منه، فهو يعرف أن عدم امتثاله للحكم يعني تجريده من جنسيته الهولندية ومتابعته بالحكم مدى الحياة