بقلم : رشيد نيني
يتبجح حزب العدالة والتنمية كثيرا بمواجهته لما يسميه «التحكم» والذي يلخصه في حزب الأصالة والمعاصرة، الذي يصفه بـ «الأصل التجاري الفاسد» وبأن ولادته لم تكن طبيعية ويحمل جينات الخطيئة، وما إلى ذلك، وبالعودة إلى التاريخ فإننا نتعرف على كيفية ولادة حزب العدالة والتنمية، وهل فعلا خرج من رحم الشعب أم من رحم المخزن، ومن دهاليز وكواليس وزارة الداخلية ومختبرات الأجهزة الاستخباراتية التي تنبأت مسبقا بـ «الحكومة الملتحية» كما ألف فصولها العلوي المدغري في كتابه، بعدما خضعت لعمليات التهجين والتلقيح والاستنساخ البيولوجي والإيديولوجي.
تزامنت عملية «تهجين» بنكيران وإخوانه منذ بداية التسعينات من القرن الماضي، مع بروز قوة جبهة الإنقاذ الإسلامية وهيمنتها على الساحة السياسية انتخابيا بالجزائر، ما أدى إلى تدهور الأوضاع الأمنية واندلاع عمليات مسلحة، وهنا في المغرب كان بنكيران منهمكا في جمع شتات ما تبقى من التنظيمات المتفرعة عن الشبيبة الإسلامية، وكان ذلك تحت الإشراف المباشر للعميد الخلطي، ضابط الاستخبارات المكلف بملف التيارات الإسلامية، والذي يعتبر بمثابة الذراع اليمنى لوزير الداخلية إدريس البصري.
بعدما أسس بنكيران جمعية «الجماعة الإسلامية» بدأ في إقناع إخوانه بخيار المشاركة السياسية داخل المؤسسات، لكن وزارة الداخلية رفضت ذلك في البداية، قبل أن يتلقى الضوء الأخضر، لجمع جل التنظيمات المتفرعة عن الشبيبة الإسلامية، وهو ما توج بتأسيس حركة التوحيد والإصلاح، سنة 1996، بدمج حركة الإصلاح والتجديد ورابطة المستقبل الإسلامي، وبدأت المفاوضات لدمج إسلاميي حركة التوحيد والإصلاح في العمل السياسي، لمواجهة أحزاب الاتحاد الاشتراكي والاستقلال والتقدم والاشتراكية ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي التي تجمعت تحت لواء الكتلة الديمقراطية.
وقبل إدماج الحركة بكل قادتها داخل المؤسسات السياسية، تم إخضاع البعض منهم للاختبار، بالسماح لهم بالترشح تحت لون حزب الشورى والاستقلال، أو كمستقلين في الانتخابات التي جرت سنة 1997، أي قبل اندماجهم في حزب الحركة الشعبية الدستورية، وفي الوقت الذي كان البصري يشرف على «تطويع» الإخوان سياسيا وتنظيميا، تكلف عبد الكبير العلوي المدغري، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية بالجانب الإيديولوجي والديني والفكري، وفتحت وزارة الداخلية اتصالاتها مع جماعة بنكيران، فيما تكلفت وزارة الأوقاف بجمعية رابطة المستقبل الإسلامي بقيادة الفقيه أحمد الريسوني، الذي سيترأس لأول مرة حركة التوحيد والإصلاح بعد دمج الجماعتين، وكانت جماعة الريسوني تضم الدكتور عبد السلام الهراس، والدكتور الشاهد البوشيخي وهما من الأصدقاء الحميمين للدكتور العلوي المدغري وزير الأوقاف بصفتهما زميلين له كأستاذين في جامعة فاس، وتربطهما به قرابة عائلية، مما سهل عملية الدمج والاحتضان، لتحصل التوحيد والإصلاح على الترخيص القانوني على غير ما جرت به العادة في التعامل مع الحركات والجماعات الإسلامية بالمغرب.
من جهة أخرى، كان الدكتور الخطيب يشرف على دمج إخوان بنكيران والريسوني في جمعيات موازية، قبل القبول باحتضانهم داخل حزبه، ولذلك أسس بدعم من أم الوزارات، جمعية مساندة الجهاد الأفغاني، وجمعية مساندة البوسنة والهرسك، والتي تكلفت بجمع الأموال والتبرعات لإرسالها إلى «المجاهدين» ضد التوسع السوفياتي، كما شرع الخطيب في إدماج قياديين بجماعتي بنكيران والريسوني داخل نقابته الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، ومنها بدؤوا في تذوق حلاوة الريع والامتيازات.
قادة جماعة الإصلاح والتجديد التي كان يتزعمها بنكيران، كانت لهم اتصالات مع جهات عليا في الدولة، لأنهم كانوا يرغبون في تأسيس حزب سياسي، لكن الدولة كانت تتحفظ على ذلك، وكان بنكيران في اتصال دائم مع وزير الداخلية، وكان له اتصال مع وزير الأوقاف السابق، أحمد المدغري، لتسهيل دخولهم إلى العمل السياسي، والمخطط الذي كان مطروحا هو تسهيل التحاقهم بحزب الاستقلال، لكن في الأخير تقرر إلحاقهم بحزب الحركة الشعبية الدستورية، لأنه قبل الاتصال بالخطيب، كانت اتصالات مع حزب الاستقلال لإدماج جماعة بنكيران في العمل السياسي، لكن محمد الدويري فرض عليهم الدخول إلى الحزب كأفراد وطلب منهم «يشدو الصف»، والالتحاق بالحزب من نقطة الصفر، أي الانخراط في الفروع المحلية على غرار باقي المنخرطين، قبل وصولهم إلى القيادة، لكن بنكيران وإخوانه كانوا يريدون اختصار المسافة للوصول إلى القيادة بسرعة، لذلك اعتبروا حزب الحركة الشعبية هو الحزب الذي سيمكنهم من الوصول إلى القيادة بسهولة، وبعد قوة نفوذ اليسار في أوساط المجتمع، كانت جهات بالدولة تبحث عن خلق التوازن، ولذلك كان ضروريا الرهان على الإسلاميين لإدماجهم في العمل السياسي، وكانت هناك دوافع لتسهيل التحاقهم بحزب الخطيب.
والبقية تعرفونها طبعا، دخل الحزب إلى البرلمان وبدأ اكتساحه للمشهد مستعملا المظاهر الخارجية للتدين، واستطاع قياديوه بفضل قدراتهم الخطابية وأساليبهم في التلاعب بعقول أراذل القوم أن يكونوا قاعدة شعبية، خصوصا في الأحياء الهامشية ووسط الطبقات الشعبية المهمشة، وحولوها إلى آلة انتخابية جبارة.
ورغم كل الخطابات الثورية والشعارات الرنانة التي يرفعها قادة الحزب فإن حزبهم يبقى حزبا خارجا من رحم المخزن وليس من رحم الشعب، ولذلك فعندما تشتد الأزمة بينه وبين المخزن فإنه ينكمش ويعود إلى أصله متحججا بالمصلحة الوطنية والحس البراغماتي لتدبير الأزمة، أي في النهاية مجرد حزب كأيتها أحزاب