بقلم رشيد نيني
لحسن الحظ أن عمدة عاصمة المملكة خرج عبر بعض المكلفين بأكل الثوم مكانه، لكي يوضح للرأي العام أنه لا يعاني من خلل عقلي. فقد أوضح المفوض بأكل الثوم مكان العمدة أن هذا الأخير غادر شركة «ريضال» بعدما وضع ملفا صحيا يثبت عجزه الكلي عن العمل، وأن هذا العجز بدني وليس عقليا.
هذا التوضيح، وإن كان يطمئن سكان العاصمة حول الصحة العقلية لعمدة مدينتهم، فإنه يميط اللثام حول فضيحة تزوير كبيرة يجب على وزارة الداخلية والمجلس الأعلى للحسابات الانكباب على البحث فيها.
فقد بدا واضحا الآن أن السبعين موظفا الذين وضعوا لدى قسم الموارد البشرية ملفات طبية لإثبات عجزهم البدني وأخذ تعويض المغادرة، وبينهم سعادة العمدة، لم يكونوا جميعهم عاجزين، ما يعني أن الشهادات الطبية التي تقدموا بها كانت مزورة، وأن إدارة الشركة تواطأت معهم، والدليل أنها لم تقم بإجراء خبرة مضادة قبل منحهم «اللعاقة».
والدليل على ذلك أن موظفين على الأقل، هما الصديقي ومصطفى بابا، مستشار وزير التجهيز، تسلما منصبيهما في وزارة التجهيز مباشرة بعد مغادرتهما «ريضال» بتعويض سمين لكل واحد منهما.
ويجب أيضا فتح تحقيق مع الطبيب الذي سلمهما شهادات العجز الطبي، والتي تثبت عدم قدرتهما على العمل، لأنه يظهر أن الأخوين يتمتعان بصحة جيدة، والدليل أنهما يشتغلان بحيوية ونشاط.
من يكون إذن عمدة عاصمة المملكة الذي «صيد» شركة «ريضال» في 100 مليون وغادر نحو وزارة التجهيز، تاركا «ريضال» تشحط المواطنين بفواتيرها الباهظة؟
وكيف يمكن لعمدة سبق له أن استفاد من سخاء شركة «ريضال» المبالغ فيه، أن يفرض رقابة على هذه الشركة من أجل حماية زبائنها من الجشع؟
محمد الصديقي، عمدة مدينة الرباط والقيادي بحزب العدالة والتنمية، من مواليد سنة 1960، وهو مهندس متخصص في الهندسة المدنية، كان يشتغل إطارا بالشركة الفرنسية «ريضال» المكلفة بتدبير توزيع الماء والكهرباء والتطهير السائل بالعاصمة الرباط التي يترأس مجلسها البلدي حاليا، بعد انتخابات الرابع من شتنبر الماضي. وكان الصديقي مكلفا بالإشراف على مستودعات التخزين والتجهيزات والأوراش بالشركة.
غادر شركة «ريضال»، في يونيو سنة 2012، أي بعد 6 أشهر من تشكيل الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية، وذلك بعدما وضع ملفا طبيا يتضمن شهادات طبية حول إصابته بعجز بدني، وحصل بموجبه على تعويض قدره 100 مليون سنتيم.
واستفاد الصديقي إلى جانب أطر سابقة بشركة «ريضال»، ومنهم زميله في الحزب، مصطفى بابا، مستشار وزير التجهيز عزيز رباح، بتقديم ملفات طبية تتضمن معلومات غير حقيقية حول إصابتهم بعجز بدني كامل يمنعهم من العمل، وذلك بتواطؤ مع إدارة الشركة للتغطية على الاختلالات التي عرفتها هذه الأخيرة بخصوص الاقتطاعات المخصصة للمساهمة في صندوق التقاعد.
ومباشرة بعد حصوله على مبلغ التعويض من شركة «ريضال» بناء على الملف الطبي، التحق الصديقي ليشغل منصب مدير ديوان عزيز رباح، وزير التجهيز والنقل، إلى جانب مصطفى بابا، الذي غادر «ريضال» بدوره بتعويض عن العجز، ليلتحق بديوان رباح كمستشار.
واستفاد الصديقي من سكن وظيفي بشقة في ملكية «ريضال» تقع بالعمارة رقم 2، شارع ابن سينا بحي أكدال وسط العاصمة الرباط، وقام بتجهيز الشقة على حساب الشركة في إطار تعويضات حصل عليها قبل مغادرته للشركة، كما يملك شقة أخرى مناصفة مع زوجته بحي الرياض الراقي بالعاصمة.
منذ سنة 2009، حصل الصديقي على العضوية بمجلس مدينة الرباط، وشارك في تسيير المجلس إلى جانب العمدة الاتحادي السابق، فتح الله ولعلو، ويشغل حاليا عضوا بالمجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، ورئيس جمعية مهندسي الحزب، ورئيس جمعية «النور» السكنية، ونائب الكاتب العام لجمعية «التضامن» السكنية، ونائب رئيس جمعية «النرجس» السكنية.
بعد انتخابه رئيسا للمجلس الجماعي، عقب الانتخابات التي جرت يوم 4 شتنبر الماضي، وباعتباره رئيسا للمجلس الإداري لشركة التدبير المفوض «ريضال»، اقترح الصديقي يوم 30 دجنبر الماضي، على مدير الشركة اتخاذ قرار من جانب واحد، بتعيين المهندس نعمان الخليل في منصب مدير قسم مراقبة وتدبير وتطوير الخدمات المفوضة في قطاع توزيع الماء والكهرباء بالرباط، خلفا للمهندس منصف بربيش الذي شغل المنصب بقرار لوزير الداخلية بتاريخ 7 أبريل 2014، وبدعم من والي جهة الرباط سلا زمور زعير.
الخلفيات التي تحكمت في هذا التعيين، هي التستر على فضائح «ريضال» وحصول بعض أطرها السابقين على تعويضات مقابل مغادرتهم للشركة، بناء على ملفات طبية مشكوك في صحتها تشير إلى إصابتهم بعجز بدني يمنعهم من العمل. لذلك سارع إلى طلب إعفاء المهندس بربيش، لكون هذا الأخير وجه مراسلة إلى الصديقي يطلب منه توجيهها إلى المجلس الأعلى للحسابات تتضمن معطيات تفضح تلاعبات في العديد من الملفات، وعوض التوقيع على المراسلة الموجهة إلى جطو، طلب الصديقي إعفاءه من منصبه، واقترح تعيين صديقه خليل نعمان، وكلاهما استفاد من مغادرة الشركة والحصول على تعويضات مالية، حيث غادر هذا الأخير عمله بالشركة، يوم 31 دجنبر 2013، أي يوما واحدا قبل دخول العمل بنظام جديد للتقاعد، حيث حصل على تعويضات المساهمة في التقاعد، بعد انتقال الشركة للانخراط في النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، والذي دخل حيز التنفيذ يوم فاتح يناير 2014.
وبدوره كان صديق الصديقي يتوفر على سكن وظيفي بحي النهضة، مجهز على حساب شركة «ريضال» ما بين سنتي 2012 و2014.
لذلك بدا محمد الصديقي، رئيس مجلس مدينة الرباط، والقيادي في حزب العدالة والتنمية، خلال الجلسة الأولى لدورة فبراير لمجلس مدينة الرباط، مرتبكاً جداً، لما حاصره عدد من المستشارين، الذين طالبوه بمنحهم فرصة للتدخل، في إطار نقطة نظام، وأقسموا ألا يسحب منهم «الميكروفون» إلى أن يفسر لهم سعادة العمدة، السبب الحقيقي الذي جعله يغادر شركة «ريضال» سنة 2012، ويستفيد من تعويض سخي بلغ أزيد من 100 مليون سنتيم، ويشرح لهم طبيعة العجز الصحي الذي يعانيه، والذي بناء عليه قررت «ريضال» السماح له بالمغادرة.
ولم يكد ينتهي المستشار في مجلس مدينة الرباط، ورئيس مقاطعة حسان سابقاً، من إتمام كلمته، حتى احمرت وجنتا الصديقي السمينتان بمجرد اعتلائه كرسي رئاسة مجلس العاصمة الرباط، من فرط حضوره الولائم وتنقله بين الدول، وآخرها سفره إلى بيروت ثم بلجيكا، قبل أن يحزم حقيبته مسافراً إلى دبي.