رشيد نيني
بدأت سنة 2016 أكثر سخونة مما كان متوقعا، فالجوار ملتهب، والداخل ملتهب، والنار أصبحت أكثر قربا من الحطب من أي وقت آخر.
ليبيا خزان سلاح ولا دولة هناك، تونس تعود إلى عهد الفوضى السياسية والأمنية، والجزائر على مشارف أزمة اقتصادية بسبب انهيار أسعار النفط.
في الداخل كل أسباب الاحتقان مجتمعة، ومن أجل إطفاء الحرائق الاجتماعية قررت الحكومة الدوس على الدستور وخرق الحق في التنقل عندما منعت حافلات الأساتذة المتدربين من الوصول إلى الرباط.
فبعدما توعدت الحكومة الأساتذة المتدربين بسنة بيضاء وبعدما توعدوها بسنة سوداء، ها هي الأمور تسير نحو حل متوافق عليه، رغم قسم بنكيران على عدم التراجع.
ملف الأساتذة المتدربين مفتوح على التصعيد، وربما كانت هذه الجمرة الحارقة هي التي ستسقط بنكيران، فالموجة التي أتت به هي نفسها التي قد تذهب به. ورئيس الحكومة كان مخطئا عندما أقسم على عدم التنازل وتغيير المرسوم، فقد نسي أن الدستور نفسه تم تغييره «بقا عاد المرسوم ديالك». إن أمور الدولة لا تدار بالقسم والأيمان المغلظة، لأن رئيس الحكومة سيجد نفسه في موقع حرج إذا ما قرر هؤلاء الأساتذة اللجوء إلى القضاء الإداري وحكمت المحكمة لصالحهم، مثلما صنعت الصحافية فاطمة الحساني التي طردها خليل الهاشمي الإدريسي من وكالته للأنباء فحكمت المحكمة لصالح عودتها للعمل، وانتهى خليل الهاشمي ممنوعا من دخول الضريح أثناء الترحم على روح الحسن الثاني.
لذلك فاللجوء إلى استعمال القسم والأيمان لإدارة شؤون الدولة يضع بنكيران في دائرة من قال فيهم تعالى «ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم».
أما الذين حاولوا الركوب على ملف الأساتذة المتدربين من سياسيين وحزبيين فلا تجب مؤاخذتهم على ركوبهم على مآسي الناس، فتلك عادتهم، بل يجب لوم الذين يوفرون لهم هذه المآسي لكي يركبوا عليها للوصول إلى أهدافهم.
وعلينا أن نتذكر أن الذي تسبب في منح كالفان العفو هو الذي منح هؤلاء السياسيين والناشطين قبل سنتين فرصة الركوب على الحدث واستغلاله لإضرام الحرائق في الشوارع.
والذي تسبب في سلخ الأساتذة هو الذي منحهم فرصة الظهور في الشارع من جديد للاحتجاج.
لذلك لا تطلبوا من هواة ركوب الأمواج أن يكفوا عن ممارسة هوايتهم كلما ارتفع علو الأمواج وهاج البحر، فهذا دأبهم الذي لن يفلح أحد في جعلهم يقلعون عنه، والحل الوحيد هو حرمانهم من ظروف ممارسة رياضة ركوب الأمواج، أي تفادي خلق مد بحري ينتج عنه علو الموج.
والدولة يجب أن تعرف أن هناك فاعلين سياسيين ينتظرون على أحر من الجمر أن تقع في خطأ استعمال العنف المفرط ضد ذوي المطالب، لكي يركبوا على موج الإدانة ويحشدوا الشارع خلفهم.
ولذلك عوض البحث عن أنصاف الحلول لتأجيل المشاكل والاحتقانات، مثل من يكنس بساط الصالون ويدس الغبار تحت البساط عوض رميه في القمامة، على الحكومة أن تكون جادة في حل مشكل الأساتذة المتدربين.
والحلول موجودة، لدينا حوالي 110 آلاف موظف سيذهبون إلى التقاعد في أفق 2019 يجب تعويضهم، وفي سنة 2016 وحدها سيغادر 17 ألف موظف، يجب تعويضهم.
ولعلكم تتذكرون عندما قال بوليف، وزير حوادث السير، إن عدد الموظفين الأشباح ما بين 70 و90 ألف شبح بالمغرب.
أليس من الأولى توقيف رواتب هؤلاء الموظفين الأشباح الذين يمتلك وزير الوظيفة العمومية وبنكيران لوائحهم الكاملة، واستغلال هذه المناصب المالية لتوظيف هؤلاء الأساتذة؟
ثم ألم يكن على بنكيران أن يعطي المثال ويخفض من راتبه ورواتب وزرائه لكي يعطي الدليل على أنه متضامن مع الشعب، عوض أن يكتفي بالاقتطاع من رواتب الأطباء والأساتذة المتدربين؟
أما البرلمان المفروض فيه الدفاع عن مصالح الشعب، فأعضاؤه وفرقه منشغلون بالدفاع عن تقاعدهم المريح وامتيازاتهم.
ومع تزايد الحملة الشعبية المطالبة بإلغاء تقاعد الوزراء والبرلمانيين، ظهرت مزايدات سياسية بين الفرق البرلمانية للركوب على هذه الموجة ومحاولة تبني هذا المطلب الشعبي، كما ظهرت معها موضة في صفوف البرلمانيين بخصوص التنازل عن معاشاتهم بعد مغادرتهم للقبة.
وبالبحث عن خلفية هذه الخرجات نكتشف أن هدفها هو تلميع الصورة لا أقل ولا أكثر، لأن معاشات البرلمانيين هي إجبارية ومنظمة بموجب قانون، والتنازل عنها يقتضي تغيير القانون عوض إعلان ذلك على صفحات «الفايسبوك»، ببساطة لأنه لا يمكن، لا قانونيا ولا عمليا، للخزينة العامة التي تصرف هذه المعاشات أن «توقفها» لمجرد أن البرلماني قرر التنازل عنها في لحظة نشوة نضالية، طالما أن القانون الذي ينظمها سيبقى معمولا به، ولن يطوله تعديل.
وفي كل الأحوال سيكون من حق البرلماني عدم سحب تقاعده من حسابه البنكي، لكن مبالغه ستحول إلى حسابه طالما أن القانون ينص على ذلك.
هذه الموضة ظهرت لأول مرة في صفوف حزب العدالة والتنمية، عندما سارع البرلماني عمر بنطيوا إلى الإعلان عن تنازله عن معاشه بحضور رئيس الحكومة في ملتقى وطني لشبيبة الحزب بنواحي مراكش، ثم تلتها تصريحات من هنا وهناك، يعلن من خلالها برلمانيون عن تنازلهم عن معاشاتهم، عبد العزيز أفتاتي من حزب العدالة والتنمية، وياسين الراضي، ابن البرلماني إدريس الراضي من حزب الاتحاد الدستوري، ثم خديجة الرويسي، برلمانية حزب الأصالة والمعاصرة، التي أثارت حنق رفيقها في الحزب حكيم بنشماش، رئيس مجلس المستشارين، الذي قال عن «تنازلات» هؤلاء البرلمانيين بأنها مزايدات شعبوية وأصحاب هذه الدعوات يبيعون الوهم ويضحكون على الذقون.
وعوض أن يتنافس البرلمانيون في إعلان التخلي عن تقاعدهم يجب أن يقوموا بدورهم التشريعي، أي الجلوس فوق المكاتب والقيام بمبادرات تشريعية من أجل تعديل القانون المنظم لمعاشات البرلمانيين، لجعلها اختيارية مثلا، أو لتحديد سن الاستفادة منها على غرار الوظيفة العمومية، أو بحذف مساهمة الدولة التي تعتبر «ريعا» في هذه المعاشات، وفي حالة عدم تعديل القانون كان الأجدر بهم الالتزام بتفويت هذه المعاشات في شكل تبرعات إلى جمعيات خيرية.
أما بعض البرلمانيين المجتهدين في «تخراج العينين» فقد خرجوا لإعطاء الدروس للمواطنين والصحافة، وصلت إلى حد التشكيك في وطنية الصحافيين، كما جاء على لسان برلمان «جوج ريال»، المسمى الحو المربوح، الذي قضى حياته كلها متنقلا بين الأحزاب السياسية، فبعد فوزه في الولاية السابقة باسم التجمع الوطني للأحرار، رحل في الولاية الحالية إلى حزب «البام»، ويعتبر من أكثر البرلمانيين غيابا عن الجلسات، ولم يسجل له التاريخ تدخلا تحت قبة البرلمان للدفاع عن مصالح المواطنين، وحضر في اليوم الدراسي الذي نظمه بنشماش حول تقاعد البرلمانيين فقط للدفاع عن تقاعده الذي اعتبره مجرد «جوج ريال»، رغم أنه يعتبر من «مليارديرات» تافيلالت.
أما أحمد التويزي، الذي «ناضل» بكافة الوسائل للحصول على العضوية بمكتب مجلس النواب ليحصل على تعويض إضافي قدره 7 آلاف درهم، بعدما فقد رئاسة جهة مراكش، فقد هاجم المطالبين بإلغاء معاشات البرلمانيين، واتهمهم بترويج المغالطات، وهو البرلماني المصاب بلوثة الترحال والذي كان في الاتحاد الدستوري وانتقل إلى حزب علي بلحاج وانتهى في صفوف «البام».