بقلم : المختار الغزيوي
هكذا أتى الخبر : “ابن كيران يرفض دعوة الحضور إلى الميدكوب، و لن يحضر هاته التظاهرة في طنجة التي تحظى بالرعاية الملكية، والتي رأس افتتاحها فعليا مولاي رشيد، فقط لأن هاته التظاهرة العالمية الكبرى التي تأتي استقبالا لكوب 22 أي لقمة المناخ العالمي تنظم من طرف جهة طنجة أي الجهة التي يرأسها إلياس العماري “.
عوض ذلك ذهب ابن كيران إلى مكناس لمواساة النقيب عبد الواحد الأنصاري الذي فقد نجله زكريا الذي يبلغ بالكاد الواحدة والعشرين. مصاب أليم فعلا وحدث جسيم لكن تقديم واجب العزاء كان من الممكن أن ينتظر حضور الجلسة الافتاحية للميد كوب ثم التحول من طنجة إلى مكناس، لكن ابن كيران قرر القطع مع شعرة إلياس هاته “واللي ليها ليها”. كيف ذلك؟
منذ أشهر عديدة والكل يتحدث عن منطق الحملة الانتخابية الذي لم يستطع إبن كيران أن يخرج منه منذ صعوده إلى منصب رئاسة الحكومة، ومنذ أسابيع قليلة خلت أصبحت نبرة الصوت لدى الرجل أشرس، وأعلى، وأقوى وأكثر عدوانية تجاه عديد الأشياء .
ومنذ أسابيع أيضا خلت وصلت إلى الجميع الرسالة التي قالها إبن كيران: إما أنا مجددا أو الطوفان. وكل هذا يبدو مقبولا إلى حد ما أو على الأقل مفهوما في ظل حمى الانتخابات والصراع على المقاعد ومايرتبط بهذا الكلام
لكن أكثر المتشائمين من حال ابن كيران لم يكن يتصور أنه من الممكن أن يغلب منطق الحزبية منطق الدولة، وأن يرفض عبد الإله ابن كيران الدعوة الرسمية التي وجهت له باعتباره رئيس حكومة المملكة المغربية وليس أمين عام حزب العدالة والتنمية، وأن يقرر مقاطعة نشاط فيه مصلحة البلد فقط لأن خصما سياسيا له هو الذي يستقبل ذلك النشاط في جهته، مع أن النشاط ينظمه المغرب وليس الجهة التي يعاديها ابن كيران اليوم.
هذا المشهد السوريالي العجيب الذي نحياه بتفاصيل يومية باعثة على كثير من الأسى المضحك يسائل نخبنا الحزبية، ويسائل مدى ارتباطها بمفهوم الدولة، ومدى إيمانها بأن هناك مشروعا مجتمعيا تشتغل دولة المغرب على الوصول إليه.
“في أوربا والدول المتقدمة” مثلما تقول اللازمة الشهيرة في الفيلم الأشهر، عندما يصعد أمين عام حزب ما إلى رئاسة الحكومة يتخلى عن قبعته الحزبية، يتركها لآخر لئلا تختلط الأوراق لديه يوما، أو في حال التمسك بزعامة الحزب، يختار قياديا آخر لتولي عمل الحكومة.
في المغرب لم يستطع إبن كيران رغم كل محاولات الإقناع الداخلية في حزبه، والخارجية من لدن من تعامل معهم في الاقتناع أنه ملزم بإزالة تلك القبعة الانتخبية التي تروقه، والتي يصعد بموجبها يوميا إلى منصة ما أو إلى بلاتو ما أو إلى جريدة ما أو إلى مكان خطابة ما لكي يقول ويقول ويقول.
أحيانا لا يقول الرجل شيئا، لكنه يتحدث ساعات طوال، وتأخذ عنه الصحافة ماقاله وإن كان ماقاله غير مهم، بل مجرد دردشة يختمها بالقهقهة الشهيرة وكفى. وأحيانا أخرى كان ابن كيران يقول أشياء خطيرة إذا ماتم التركيز معها أكثر من الحد التوافقي المعمول به في المغرب قد لا نتحرك قيد أنملة، وقد نوقف بيضتنا الشهيرة في طاسنا الأشهر، وقد نعود ليس إلى الربيع العربي الذي يهدد به ابن كيران المغرب اليوم، بل إلى سنوات رصاص كان هو فيها مختفيا تماما عن الأنظار…
اليوم قرر ابن كيران مقاطعة جهة بأكملها لأن من يرأس تلك الجهة غريم سياسي له، يعتبر إزالته شرطا أساسيا من أجل بقائه هو.
أين سيقف الرئيس بنا جميعا؟
ذلك هو السؤال المغربي اليوم