بقلم : المختار الغزيوي
نكاد ننسى بوركون ورمضان وسقوط الطوابق على الناس ساعة الفجر، وانتشال الموتى بعد الموتى، فيأتينا شارع الشجر في قلب عطلة الصيف حاملا معه نبأ أليما آخر: عمارة أخرى تسقط، وكلام آخر يلوك نفسه يشبه الكلام السابق: من المسؤول؟ لماذا إغماض العين؟ من مات؟ ومن بقي حيا؟ ومن سيتم اعتقاله؟ ومن سيحاسب؟ ومن سيهرب بجلده؟ ومن ستبقى الفاجعة بالنسبة إليه مجرد ذكرى أليمة تصفعه، تقتله، كلما تأمل صورة عزيز أو عزيزة فقدهما في الحادث الأليم؟
وماذا بعد؟
لا شيء.
عيب فعلا أن يموت الناس تحت أنقاض عمارة تهوي دون زلزال، دون تدمير، دون رياح هوجاء، دون أي كارثة طبيعية مما يمكن قبوله واعتباره قضاء وقدرا لا بد من التسليم به وكفى.
عيب أن يقول وزير القطاع “لو اقتضى الأمر سأقطع عطلتي وسأعود إلى المغرب”.
عيب أن يصعد كل مسؤولي الدار البيضاء إلى سباتة، تلك التي يسميها الكازاويون “الزيرو كاط” فقط لكي يظهروا في الصور وفي الفيديوهات وهم يتابعون أشغال انتشال الجثث من تحت الأنقاض..
عيب أن نقول لأنفسنا جميعا إننا فوجئنا لما حدث، لأن ماحدث مؤهل للتكرار يوميا طالما ألا أحد يشغل باله بالمراقبة الفعلية لمخابئ الناس ومكان دفنهم أحياء مما يسمونه “قبور الدنيا”.
في البيضاء، هاته المدينة التي أعيش فيها منذ بداية الألفين، يقول لك سكان المدينة القديمة يوميا إنهم مستعدون للموت كلما أمطرت، وكلما تحركت الأرض قليلا وإن بهزة بسيطة، وكلما استجد في تكتونيات الأرض أي مستجد. يعلمون أنهم يعيشون في حالة سراح مؤقت وأن موعدا مضروبا لهم في غفلة من الوقت مع الموت سيأتي عليهم إن آجلا أم عاجلا.
في النواحي البعيدة المحيطة بالمدينة التي أطلق فيها يد العقار الشره المتوحش، لكي يجمع مالا كثيرا دون اكتراث بما يبيعه للناس، المسألة تشبه مسألة المدينة القديمة، ويكفي القفز قليلا على الواجهات، والالتفات إلى عمق المساكن التي يقتينها الناس ويختبئون فيها، ويكفي التنقل إلى هناك في غير مواعد الكوارث أي في الأيام العادية، حيث البناء وإعادة البناء واستمرار البناء عشوائيا وغير عشوائي لا يتوقف، وحيث تجارة أخرى موازية تسير يوميا وتجد أسباب انتعاشها في تواطؤ بين أطراف عديدة: بين المواطن الذي يرى أنه لكي يسلم من مشقة روتين الأوراق الإدارية قد يدفع رشوة صغيرة أو كبيرة ويتوكل على الله في البدء بالأشغال، وبين الموظف البسيط في الإدارة الذي يرى أنها فرصة للاستزادة من أجل النفخ في الراتب الضئيل وبين عون السلطة الذي يرى ولا يرى.
ثم تكبر الكرة وتمتد إلى من هم فوق، والذين يعرفون أن المساكن العشوائية التي تنبت – طوابق كانت أم غرفا في الأسطح أم تنويعات عقارية أخرى – هي أمور ضد القانون لكنهم يتغافلون لسبب لانستطيع الجزم به، لكننا نحسه ونرى آثاره على أي مسؤول فاسد استطاع في ظرف قليل أن ينتقل من حال إلى حال، وأن يكبر حمه مثلما كبر حجم الحي التابع لسلطته، دون مبرر منطقي أو موضوعي.
سيقول القائل “وهل تريدن من المسؤولين أن يراقبوا المغرب كله ؟” سنجيب “نعم، ولذلك هم مسؤولون”.
ذلك أن مهمتهم الأولى هي تجنيب بلادهم والعباد الساكنين في بلادهم مثل هاته الكوارث التي لا معنى لها ولا يجب أن تقع، لو احترم كل مسؤول مسؤوليته حقا وأداها وفق مايمليه عليه ضمير نقي لا الضمير المستتر الذي لايرى الكوارث إلا بعد وقوعها، فيأتي إلى التلفزيون لكي يذرف دموع التماسيح ثم يختفي.
للأسف بعد بوركون شارع الشجر، وأكيد ستتكرر مثل هاته الفواجعع، مادمنا نتصور أن النسيان وحده قد يحلها لا الحزم واحترام المسؤولية فعلا
رحم الله من ماتوا، والعزاء لمن فقدوا أقاربهم، والشفاء للمصابين، وكثير من التأمل في سحنات المسؤولين اللامسؤولين، فهم دروس حقا في انعدام الحياء..