يجهد الحزبي نفسه، لكي يقنعنا أن وجوده وحده يعني الديمقراطية في الوطن، ويستكثر علينا أن نقول له اليوم إن الوطن أهم من الحكومة، وإن المغرب أهم من الجميع.
يقول لنا الحزبي من أعلى شرنقته الحزبية “أنتم تقنوقراطيون ماضويون تريدون العودة بنا إلى سنوات الرصاص والتحكم، وتريدون قتل الديمقراطية التي نحملها لكم نحن أهل الأحزاب”.
يبتسم المغرب كله، بل يغالب الضحك، ويتأمل وجوه الزعامات الحزبية فالحواريين، يقول لنفسه “الله يلعن الشيطان”، ويحاول إقناع الحزبي أولا بالديمقراطية وأهميتها.
يشرح له بالخشيبات أن الديمقراطية الحقة ليست أمرا نطالب به الآخرين، وننسى منه أنفسنا. الديمقراطية تبدأ من انتخاب المكاتب الجهوية الصغيرة في أقصى دشر أو قصر أو دوار أو مدينة.
الديمقراطية تبدأ من انتخاب من يصعد إلى الأجهزة القيادية ثم تتواصل بعد ذلك إلى أن تصل إلى الإسم الأول في الحزب، ثم إلى الحواريين المحيطين به.
الديمقراطية ليست مقالا مرتكبا على عجل وبعصبية لأن الحكومة تأخر تشكيلها، ولأن الإنسان يمني النفسي بما لن تجر به الرياح، ولم تسر به السفن.
الديمقراطية هي أن يتأمل المغربي الزعامات الحزبية أولا فيحس بالأمن والأمان على سياسته، وأن يقول لنفسه “أنا في الأيادي الأمينة، ولدي هذا الاختيار الشاسع بين كل هؤلاء الواضحين والواضحات الذين يقترحون علي مختلف القراءات والحلول السياسية والتدبيرية لمشاكلي”.
المشكلة البسيطة لدينا في المغرب هي أننا جميعا نطالب الآخر لوحده بأن ينزل لنا هاته الديمقراطية العجيبة، لكننا ننسى أنفسنا منها. وحين الجد، أو حين الحزم، أو حين البلوكاج أو حين وقوع الفأس في الرأس لا نتذكر أننا سبب أساسي من أسباب الإشكال، بل نلقي به في الضفة الأخرى، ونصبح جميعا حالمين بالمدينة الفاضلة التي لم نؤسسها لكننا نريد أن نسكنها، ونريد أن نكون “السانديك” الأول لكل ساكنتها.
عذرا، المسألة لا تستقيم هكذا، ومطلب المغاربة من حكومتهم المقبلة بعد أن تتشكل، ولا أحد يدري متى ستتشكل – لكن المأثور علمنا أنه “لا زربة على إصلاح” في كل الأحوال – هو أن تكون حكومة حقيقية، قادرة على تدبير شأن الناس العام، وقادرة على الإتيان بإجابات فعلية وناجعة لكل مشاكلنا.
لا نريد حكومة عاجزة عن كل شيء تتذكر أن لديها لسانا فقط في الحملات الانتخابية. لا نريد وزراء جربناهم غير مامرة ورأينا الفشل يحيط بهم من كل جانب يعودون إلينا هاته المرة لكي يتسولوا منا فرصة أخرى للفشل.
لانريد ترضية خواطر، ولا وضع زعماء أحزاب الله وحده يعلم كيف وصلوا إلى تلك الزعامات – غالبا بالزعامة – على رأس حقائب لكي يتقاعدوا بمال شعبنا الفقير، ولكي يملؤوا دواوينهم بالحواريين، وأنصار من أصبح، والمهاجرين من كل الضفاف إلى كل الضفاف.
المغاربة لم يعد يغريهم هذا العرض الحزبي البئيس.
نريد تلك الكلمة السحرية التي لطالما قالها لنا ابن كيران في حكومته الأولى، ولا زلنا نبحث عن تجسيد فعلي لها على أرض الواقع : المعقول.
نسأل نحن المغاربة، دون أن يفرض علينا أحد شيئا، ودون أن نكون مضطرين لترديد الأسطوانات المشروخة بكل غباء : واش كاين شي معقول ولا نديروه؟
فقط لا غير. بقية الإنشاءات لا تعني الشعب في شيء، لأنه فعلا “عارفها باش مسقية”.
إنتهى الكلام سيدي.
المصدر : صحيفة أحداث أنفو