بقلم : المختار الغزيوي
سنتذكر لنيكولا ساركوزي، رئيس فرنسا السابق خروجه الأخير يوم الأحد من البوابة الصغرى للانتخابات التمهيدية لليمين التي حل فيها ثالثا، متفهما عدم رغبة الفرنسيين في رؤيته مجددا رئيسا لبلادهم، لكننا سنتذكر أيضا لساركوزي ما فعله في ليبيا طويلا يوم كان سيد الإليزيه.
ولعلها الصدفة وحدها التي جعلت القناة الفرنسية m6 تبث ليلة الأحد، مباشرة بعد نتائج انتخابات الدور الأول لتمهيديات اليمين والوسط، حلقة مثيرة من حلقات “enquete exclusive” عن الوضع في القطر الليبي بعد معمر القذافي، وهي الحلقة التي صاح خلالها أحد المشاركين في القتال الضاري بين الليبيين «أين ساركوزي لكي يأتي ليقصف الدواعش بالطائرات مثلما كان يفعل مع جنود العقيد القذافي؟».
أيامها كان يقال لنا عبر برنار هنري ليفي إن الأمر يتعلق بقنابل قد تقتل نعم، لكنها ستحمل لليبيين الديمقراطية.
كان يقال لنا أيامها أيضا عبر القناة القطرية “الجزيرة” إن أدعية القرضاوي ستصل إلى السماء، وأنها بعد أن تحرر ليبيا من بطش وجبروت العقيد القاتل، ستحمل لذلك المكان كثيرا من الأريحية والحياة الرحبة وغير قليل من الرفاه.
لا نستطيع اليوم أن نقول إن شيئا، من كل الذي وعد به ساركوزي والقرضاوي الليبيين منذ خمس سنوات، قد تحقق. القطر يتمزق يوميا رغم كل محاولات لم شمله. الدواعش فيه ينتعشون قتلا وتقتيلا، وغدا أو بعد غد إذا ماتم طردهم منه لا أحد يدري أين ستكون وجهتهم الموالية، لكن تونس خائفة من هذا المصير بشدة، وتعتقد أنها ستكون الأكثر تضررا، هي التي أصبحت حدودها مستباحة من طرفهم منذ مدة. بترول الليبيين ضاع سواده بين القبائل، والوضعية الإنسانية هناك غير قابلة إلا للشفقة والكثير من الرثاء، تقريبا مثل سوريا أو أسوأ، أو لعلهما معا سيئتان أو لا ندري.
المهم هو أننا سنتذكر للسيد ساركوزي، الذي قالت له رفيقته في الحياة المغنية كارلا بروني بعد خسارة الأحد المدوية إن «الأفاضل قد ينهزمون أحيانا»، أنه كان عرابا من عرابي هاته (الديمقراطية) وذلك (الربيع) اللذين أتيا إلى بلدان قريبة منا أو شبيهة بنا على متن دم كثير، وقنابل أكثر وجثث لا حصر لها، ودمار ابتدأ ولا أحد يعرف له طريقة كتابة لنقطة النهاية.
سنتذكر له أيضا ماقاله عنه تقي الدين منذ أيام. حين اتهمه أنه تسلم من الليبيين أيام القذافي شيئا ما خلال حملته. وسنتذكر له أنه كان واحدا من أسباب تأرجح فرنسا بشكل شبه نهائي نحو يمين اليمين، هو الذي لم يتردد في اللجوء، كلما أعوزته الحجة السياسية إلى خطاب الهجرة والهوية الوطنية والأمن، لكي يستميل الأصوات التي لم يكن يعتقد أنها ستذهب في ختام الختام إلى من هي أكثر يمينية منه، أي إلى المتربصة اليوم بخالتنا فرنسا مارين لوبين.
شيء ما يقول لنا إن فرنسا لم تختر فيون مرشحا لليمين الأحد، بل اختارت من الآن مارين لوبين رئيسة لها في ماي 2017 سيرا على خطى أمريكا، وتبشيرا لنا أو إنذارا – الأمر سيان – بأن القادمات لن تكون إلا أصعب، وأن صوت اليمين المتطرف وحده قادر على الصدح بكل هاته القوة أينما ولت صناديق الاقتراع وجهها في هذا العالم الفسيح..
ذلك هو درس نيكولا الأخير.