بقلم : المختار الغزيوي
ولهاته العودة نحو اليسار وتذكره، بعض المعنى وكثير المغازي.
في اللحظة التي تقرر فيها للمغاربة ألا خيار يجب أن يعلو على خيار العودتين إلى الوراء: إما العودة القديمة أو العودة الأقل عتاقة، تذكروا أن لديهم اليسار، أو للحقيقة تذكروا – ولنكن صرحاء مع بعضنا البعض كالعادة – ماتبقى من هذا اليسار…
تذكروا الفكرة أولا وقبل كل شيء ثم هاهم يحاولون التدقيق في ملامح حامليها.
هم أيضا يحاولون التوقف عند الأقل كذبا منهم، لا البحث عن الأكثر صدقا، والرهان على القادمات لأجل نسيان الخيبات السابقة..
ولا ضير في المسألة ولا ظلم ولا تجني، فقد خرج من هذا اليسار على امتداد كل هاته السنوات من جعلنا نخلط الفكرة بحامليها ونكفر تمام الكفر بالمبدأ ككل، ونقول إنه لن يصدر من هذا المكان إلا كثير الريح الذي يزكم الأنوف.
تذكرنا من توقفت مسيرة نضالهم لأجل الفكرة اليسارية عند حدود غضبهم مما وقع لهم هم شخصيا، فقرروا أن الوطن لا يستحق كل هذا العناء، وأن سيادتهم وفخامتهم ومعاليهم سيغادرون وسيكتفون بالفرجة إلى آخر الأيام…
تذكرنا من توقف طموحه عند حدود التقاعد النضالي المريح له، وللأبناء، وللسيدة “المدام” حتى وإن تحولت أرملة بعده وبعد طويل العمر إن شاء الله.
تذكرنا من اكتشفو أن سنوات عمرهم الأولى التي صنعت منهم ماهم عليه كانت خطأ كبيرا بالنسبة إليهم اليوم، وأن الانتماء لليسار مضيعة وقت كبيرة، وأنه من الأفيد للصحة وللجسم وللعقل ولبقية الأعضاء الحياتية أن ينخرط الإنسان في الردة المجتمعية وليذهب المستقبل كله إلى الفناء.
تذكرنا من أصبحوا يكتبون المؤلفات الأكاديمية، ويقيمون الموائد المستديرة والمستطيلة والمربعة والبيضاوية والحلزونية وأيام التشاور حول أغرب الأفكار وأبعدها عن اهتمام الناس، المهم أن يجدوا التمويل من أي مكان للاستمرار على قيد الحياة.
تذكرنا من دخلوا باسم اليسار الوزارات، لكنهم للمفارقة خرجوا من اليسار وبقوا في الوزارات، والآخرين الذين اعتلوا الدواوين والجهة الثالثة التي ترى أنه يحق لها أن تأخذ أتعاب نضالها وكفى، والجهة الرابعة التي تربت على ريع انتظار مقابل ما لم تقم به أبدا من عمل، وتذكرنا العديدين
لكننا ووسط غمة الانتشاء بهذا الدمار تذكرنا أن اليسار ليس أشخاصا وليس أحزابا، وأنه فكرة، وأن الفكرة أبدا لا تموت..
قد يطبقها العديدون بشكل سيء، قد يسيئون لها، قد يحولونها عن مجراها الطبيعي ويلقون بها في سدود وبحار الرداءة، لكنها أبدا لا تمس..
تظل على جوهرها الأول منتمية لأول وافد، وإن كان من مواليد اليوم يعتنقها عن براءة، ويسعى لتطبيق بعض منها إذا لم يستطع تطبيق الكل بكل صدق.
لذلك عادت بقوة هاته الأيام. ولذلك استكان الناس للمثالية القابعة فيها وتفادوا ذكر الأسماء، واكتفوا بالتنويه بالفكرة وبقائها لئلا يقنعوا أنفسهم ألا أمل، وأن اليأس محيط بالمكان، وأن القدر هو أن نعيد نفس الخطأ الجسيم خمسة سنوات إضافية أخرى بمبرر الخوف مما لا نعرفه من مجهول هو الذي نحياه الآن.
قال لي شاب في العشرين منذ يومين “سأصوت لفدرالية اليسار”. سألته “شكون كتعرف فرموز اليسار؟”. حملق جيدا في ملامحي وقال لي “سؤالك قديم بحال الجيل ديالك”.
لعلنا لم نفلح في تعلم لغة العصر التي يتحدث بها الوافدون علينا، لعلنا لم نفطن إلى أن لهم هم أيضا قدرة الانبهار بما انبهرنا به نحن أيضا منذ عشرين سن ونكصنا عن إكمال الطريق، فيما هم يتصورون أنهم قادرون على الإتيان بالعكس
من يدري؟
هذا السؤال لوحده بوابة أمل حقيقية. أتشبث به لآخر الأيام، قبل 7 أكتوبر وبعدها بزمن طويل