شعب اليسار..
تحية وسلاما وبعد..
يحاولون إقناعك أنك لم تعد موجودا..
يحاولون اليوم قسرا أن يدخلوا إلى ذهنك أن لديك خيارا واحدا: أن تصوت على الإسلام السياسي لكي لاتخرج أبدا من جنة الحكومة، أو أن تختفي في تلابيب من بيدهم بعض الحل وبعض العقد لئلا “تضربك الجايحة” النهائية وتختفي من الوجود..
يقنعونك بالوسائل كلها، أغباها وأكثرها عقلا ومنطقا ثم أكثرها حمقا وبلاهة – أنك انتهيت، أنك جثة، أن فكرتك لا تعني شيئا وإن كانت الحلم كله وأن آخر خطوة لك قبل الوفاة النهائية والدفن هي كتابة الوصية وتوزيع الإرث عليهم والاختفاء..
وجب التذكير هنا أن الكل تكالب عليك منذ سنوات وسنوات وسنوات..
فعلوا فيك الأفاعيل..
سلطوا عليك الأباطيل..
هندسوا لك المخططات كلها. أفرغوك من روح الفكرة الأولى. أمطروك بكل راغب في الاقتيات على ظهرك. حاربوك في البدء مباشرة، بالمنافي، بالسجون، بالمعتقلات، بالقتل، بالتعذيب، بالطرد، بالتشريد.
حينها كان الإسلام السياسي يقرأ الورد في المسجد، ويصلي كثيرا من النوافل، ويتصل بعد الشفع والوتر بادريس البصري – رحم الله كل الموتى – لكي يسأله “واش راضي نعاماس عليا؟”
كنت تقول لنفسك “إنه المسار وإنه الوطن، أن يكون لديك المهدي وعمر وبقية من قتلوا ومن ماتوا، وأن يكون لدى الآخرين باعة ضمائرهم والأوطان”.
بعد ذلك تكالبنا عليك نحن في الإعلام. تصيدنا لك المرة بعد الأخرى الخطأ تلو الخطأ، وضخمنا وبالغنا والتجأنا إلى الكاريكاتير نصفي به حسابنا مع أنفسنا دون أن ندري إلى أن انتهينا منك، ثم التفتنا فلم نجد أمامنا إلا الفراغ..
السياسي الممسك بالأشياء هو الآخر يعترف بها “بعد الانتهاء من الحرب على اليسار، لم نجد شيئا، ووجدنا أمامنا باعة أنفسهم والضمائر وقد غيروا كتف البندقية وحملوا لنا المشروع الآخر بديلا ظلاميا يريدونه هو الوحيد القادر على إقناع الناس ألا بديل”.
ثم لنعترف بها: أنت أيضا لم تكن رحيما بنفسك.
لعلك كنت أشد على نفسك من الآخرين.
خونت بعضك..
شككت في بعضك..
بعت بعضك..
بولست بعضك..
طردت بعضك..من بعضك.
قتلت بعضك، وسرت في الجنازة متشفيا تمثل دور الحزين..
ذبحت بعضك وذبحت كل الأجزاء منك..ولم تجد مكانا إلى اليوم تخفي فيه أثر الجريمة.
وحين استفقت على مشهد أشلائك بين يديك استوعبت كل الشر الذي أسديته لنفسك.
لم تستطع طرح السؤال: لماذا فعلت بنفسي مافعلته؟
فقط تأملت في الخسارة تلو الخسارة، ولم تفلح – لخيبتك – في التعداد.
لم تستطع الوقوف عند رقم معين تقول إنه فعلا الرقم المحدد لما تكبدته من عناء ومن فادح الخسران..
الآن حان دورك. لديك فرصة تاريخية لا للوقوف عند التباكي، والعويل مجددا، لكن على الأقل لطرح السؤال: ما الممكن فعله اليوم؟
المشهد مشهدان: إما مع العودة إلى الوراء القديم أو العودة إلى الوراء الجديد..
كيف تقترح أنت على المغاربة التقدم ولو خطوة واحدة إلى الأمام؟
ذلك سؤالك اليوم.
ذلك رهانك الآن..وهنا.
تلك طريقتك لتذكير الناس أنك لا زلت موجودا..
وسيلتك لإقناعهم أن نبض الحياة فيك لم يمت.
شعب اليسار…ألازال في العمر بقية للقيام بهذا الأمر؟
ألا زال فيك نبض من عيش يتحدى الموت، يتحدى التكلس، يتحدى الكولسة، يتحدى الحروب الطاحنة، يتحدى منطق “أنا وبعدي الطوفان”، يتحدى كل ما صنع منك الفزاعة المحزنة التي صرتها اليوم؟
سيسألك المغاربة، وأنت المشترك التاريخي بينهم، ولم ينتموا يوما إليك من باب التحزب أو بطاقة العضوية، لكن من باب الاشتراك في الدم الذي سال والاشتراك في كل التضحيات، والاشتراك في الحلم للوطن بمصير آخر غير المصير، هذا السؤال: الآن وقد اشتدت عليهم الضائقة السياسية أكثر من هذا الحد ولم يجدوا بدا من المفاضلة والاختيار بين ما لا مفاضلة بينه، هل يمكنك أن تقدم بديلا ما؟
هل يمكنك أنت أن تكون البديل؟
اليوم ومع بدء الحملة – وسنواصل فيما بعد الجرح وعملية النكء فيه إلى أن يبرأ أو يموت الجسد كله – نطرح السؤال باسمهم: هل تستطيع أن تعطينا – شعب اليسار – دليل حياة واحد وسط أدلة الموت التي يضربنا بها يوميا هؤلاء وأولئك…؟
في انتظار الرد، تقبل منا جميعا كل الآمال في أن نسمع منك دليل عيش واحد يؤكد لنا أن للجرح بمن لم يمت بعد…قليلا من الإيلام.