بقلم : المختار الغزيوي
..ولابد من بعض كلام أيضا عن الخطاب السياسي في هاته الحملة الانتخابية التي تنتهي غدا.
نحن الذين اعتقدنا واهمين عند انطلاقها أن الإيقاع سيكون عاليا، وأن المستوى سيكون رفيعا، وأن الفاعل الحزبي قد استوعب أن المغاربة ملوا خطاب “الحلقة والتهريج” الذي ميز هاته الولاية الحكومية، وجدنا أنفسنا غير قادرين في الختام إلا على الانخراط في السخرية مثلنا مثل المواطن العادي والسلام.
نعرف أن في الأمر مساسا بجدية الانتخابات، وبتشجيع الناخب على الذهاب إليها، لكن ما العمل عندما تجد أن التجمع الانتخابي “الحاشد” يبدأ وينتهي على إيقاع “حشيان الهضرة” و”المعيور” منذ دقيقته الأولى وحتى الانتهاء؟
ما الذي يمكن فعله وقد تحولت تجمعات رئيس الحكومة مثلا إلى مآتم و”حسينيات” في أيام عاشوراء هاته يبذل فيها الرجل الدمع مهطالا ويستجدي أصوات الناخبين بطريقة أقل مايقال عنها هي أننا كنا نتصور أننا قد تجاوزناها؟
لا يمكن أن نفعل شيئا سوى أن ننخرط فيما انخرط فيه المواطن العادي من ابتسامة السخرية من هذا المستوى، والشفقة لهذا الخطاب، ثم الخوف على مستقبل البلد جديا من حامليه إذا ما أسندت إليهم الأمور مجددا.
أفظع ماقيل في هاته الحملة، وهو قليل من بين كثير سمعناه وشاهدناه هو أن رئيس الحكومة وزعيم الحزب الذي يقود الأغلبية إلى حدود هاته اللحظة يرفض الحضور إلى مناظرة تلفزيونية لأنه “لايتحمل رؤية بعض الوجوه”.
لا أعرف إن قالها مثلا سياسي في فرنسا أو أمريكا أو إنجلترا كيف ستتعامل معه الصحافة، ولاأعرف كيف ستصنب له المشانق الإعلامية والسياسية في كل مكان، لكن أعرف أن ابن كيران قالها وقال ما هو أسوأ منها حين قرر يوم الإثنين أن أي جريدة أو إذاعة أو قناة تلفزيونية لم تقم بالحملة لصالحه، ولم تعلن تصويتها للعدالة والتنمية هي بكل بساطة مأجورة، و”إنتهى الكلام”.
طبعا تذكر العديدون أردوغان وهو يقفل كل القنوات التلفزيونية والإذاعات والجرائد التي يعتبرها معارضة له بعد الانقلاب الذي لايعرف أحد من قام به في تركيا، وتذكر العديدون عديد النماذج للفاشية عندما تعتقد نفسها وقد أصبحت معصومة من الخطأ منزهة عن النقد، وتتصور أنها هي الأصلح لوحدها لفعل كل شيء في البلد، وترى الآخرين، كل الآخرين، مجرد كومبارسات يجب أن ينحنوا ويسمعوا ويطيعوا وإلا فإنهم مأجورون يشتغلون بالمقابل لدى الخصوم.
في النهاية أنهى رئيس الحكومة ولايته بما بدأها به: الكثير من الكلام غير الصائب، الخارج عن طريق مانحلم به لهذا الوطن، المتلفع في حزبية ضيقة، الخائف من الآخرين حد سبهم والتشكيك في نواياهم واعتبارهم بدءا تماسيح وعفاريت، ثم اعتبارهم من خدام التحكم وعصابته، قبل اعتبارهم في الختام مأجورين والسلام
والخطاب السياسي في كل هذا الهراء؟
“بح” مثلما يقول المغربي في دارجته، “مفيش” مثلما يقول المصري، لا أثر له ولا حاجة إليه.
المغربي بالنسبة للفاعل الحزبي يصوت على الدموع، أو على السب والشتم أو على بقية أوجه خطاب العاطفة، وهو – أي المغربي – بالنسبة لهذا الحزبي كائن غير عاقل لا سبيل الستمالته وإقناعه بالتصويت إلا من خلال هاته الطريقة البدائية التي تعود بنا إلى وراء الوراء.
لعله السبب الذي جعل العديدين وهم يرون بكاء ابن كيران الكثير يتذكرون أول رئيس حكومة للمغرب بعد الاستقلال لا لشبه في التصرف أو الفعل أو الصفة، ولكن فقط لأن هذا الأخير كان يحمل من الأسماء إسم “البكاي”.
لنتأمل المسألة، ولنتتظر غدا آخر أوراقنا غير الانتخابية في أفق يوم السابع من أكتوبر، وما أدراك مايوم السابع من أكتوبر هذا، خصوصا بالنسبة لبعض القوم منا…