بقلم : المختار الغزيوي
شيء ما مر خلال الأسبوع الذي ودعناه، ربما لم ينتبه إليه الكثيرون بسبب غياب اللغط السياسي والمزايدات الفارغة حوله، وانتبه إليه فقط من كانوا يحرصون اليوم بعد الآخر على التحول إلى فعالياته، ويلتقون بناسه، ويمضون قرابة الساعتين معهم ثم ينصرفون.
في الرباط الأسبوع الذي مضى كان هناك حدث فني ضخم، عالمي بمعنى عالمي، ضم ألمع فناني الزمن الحاضر هو حدث « وموازين » لم يتحدث عنه من ألفوا الحديث عن الشيء وعن عدمه، لأن السنة سنة انتخابات وسنة توافقات والكثيرون ممن يرفعون الشعارات حين الضرورة الانتخابية هاته المرة صمتوا
لذلك استمتعنا – نحن جمهور موازين – أيما استمتاع، وعندما أقول نحن جمهور موازين فإني أقول ذلك عمدا لأنني أفخر أنني ضمن مغربيات ومغاربة آخرين يعرفون أن الفن ليس ترفا، ويعلمون علم اليقين أن التحول إلى أمام خشاب الغناء كلها في مختلف المواقع التي كانت في موازين طيلة انعقاده، وأيضا التحول خارج فترة موازين، إلى المتاحف وإلى دور العرض السينمائي وإلى المسارح وإلى قاعات الحفلات وإلى قاعات الجمعيات الشبابية الصغيرة وإلى معارض وأروقة الفن، كل ذلك ليس أمرا نافلا ولا إضافيا ولا زائدا، ولا دليل “قلة الشغل” مثلما يحاول إقناعنا بذلك المتكلسة أدمغتهم منذ قرون وعقود وسنوات.
هذا الذهاب إلى الفن باستمرار وإلى الإبداع على الدوام، هو بالتحديد مايميز الإنسان عن بقية المخلوقات التي تشترك معنا في الأكل والشرب لكنها لا تستطيع أن تميز معنى الفن، لا تتمكن من تذوق الإبداع. لا تحركها نغمة، لا تهزها لقطة، لا تحرك فيها أي شيء لوحة، ولا يستهويها إلا أن تقف بالمرصاد لكل علامة حياة في الكون لكي تقول « حرام » وتكتفي..
لحسن الحظ هؤلاء قلة في المغرب، ولقد توقفت طويلا هذه السنة عند معنى أن تستهوي منصات الشعبي الجمهور الأكبر في موازين، بل أن تتفوق على لحظة خرافية مثل لحظة الديجي هاردويل أو لحظة كبير القوم بيتبول، أو حتى لحظة كريستينا أغيليرا الختامية.
هذا الأمر يعني أن هاته الأنغام الأصلية والأصيلة فينا تسكن أجساد الناس وأرواحهم، وأن المعركة لأجل إقناع المغربية والمغربي بأن الرقص حرام وأن الغناء حرام وأن التمثيل حرام وأن كل شيء في هذه الدنيا حرام في حرام هي معركة مربوحة سلفا لصالحنا نحن الذين نحب الحياة، مخسورة سلفا ضد البكائين الشكائين ممن يعترضون بتجهمهم علينا كل أوجه الدنيا ويتمنون لو حدثونا عن عذاب القبر منذ لحظة الولادة حتى لحظة الوفاة
التقيت كل مرة ذهبت فيها إلى منصة ما بمغاربة ومغربيات، يعرفون الكنه الحقيقي لمعركة الحياة ضد الموت في هذا البلد، ويعرفون أنها أكبر من عرض فني عابر هنا أو لحظة راقصة هناك، يقولون لي « لا تنهزموا، أصمدوا والشعب معكم في هاته المعركة لأجل حقه في الحرية أولا وقبل كل شيء »
لا يتعلق الأمر بانتصار لمهرجان فني عابر أو لسهرة مغنية أو مغن.
لا. الحقيقة هي أن الأمر يتعلق باختيار حياتي كامل. أو مثلما يحب أهل التعالم اللغوي والسياسي قولها : «باختيار مجتمعي كامل » .
وهذا الاختيار المجتمعي هو الذي يوجد في صلب كل صراعاتنا ليوم، عليكم أن تكونوا يقظين بما فيه الكفاية لكي تفهموها
عندما يتم التعريض بجريدة لأنها تشجع الفن وتتبناه وتتذوقه وتنتمي إليه ويكتب عنها أنها ضد الشعب المغربي وضد الدين لا تنتبهوا إلى الجريدة ولا إلى ماقيل عنها. انتبهوا إلى توظيف الدين لحل الخلافات الفكرية والسياسية واسألوا أنفسكم : لماذا يخاف هلاء المتجهمون من أغنية؟ من مسرحية؟ من فيلم؟ من لوحة تشكيلية؟ من عرض باليه؟ من عرض راقص؟ من الميم حتى؟
ستجدون الجواب واضحا فيما ترونه في العالم الآخر بعيدا عنا: تكفيرا ابتدأ يوما ولم ينته إلى أن أصبح شريط قص رؤوس وقطعها بالمباشر يبث علينا دون أن نجد في المسألة أي مشكل
إنهم يهيؤون الأجيال القادمة لكي تتوفر على مايكفي من التجهم الداخلي لقبول القتل إذا ما أتاها يوما
وإنا نؤمن أنه من للازم أن نربي فينا ثم في الوافدين بعدنا خصلة حب الحياة وتذوق الفن وتكريم الإنسان وإبن آدم حقا إلى أن يصبح دمه فعلا حراما محرما ويصبح الاختلاف مقبولا بين الناس غير قابل لجعل الآخر كلما ندت عنه شبهة معارضة لك عدوا وجب عليك أن تبيده قبل أن يبديك
لذلك كان موازين ناجحا، والرجل المسمى عبد السلام أحيزون رفقة طاقمه استطاع بالفعل التفوق في رهانه للسنة الأولى وهو يستحق منا التشجيع ويستحق منا أن ندعمه لأجل المزيد.
هذا المهرجان ليس منصات فن وغناء وسهرات وكفى
هذا المهرجان عنوان معركة بين محبي الحياة وبين من يهوون الموت لهم أو للبلاد
أعاذنا الله منهم وجعلنا دوما من محبي العيش ونبض العيش حتى انتهاء كل الأيام…