المختار الغزيوي
“من يغادرون البلاد ليسوا الأفضل بكل تأكيد”. هاته العبارة وردت الأربعاء، في برنامج على قناة فرنسية أثناء الحديث عن عمليات التحرش الجنسي التي عرفتها كولون الألمانية ليلة رأس السنة، والتي تورط فيها مهاجرون عديدون بلغوا المائة تقريبا من بينهم أربعة عشر مغربيا بالإضافة إلى تسعة جزائريين.
قالها القائل على بلاتو القناة الفرنسية “D8″ لكي يدافع عن أصدقائه المغاربة والجزائريين، لكنه وهو يقولها حرك فينا سكينا غائرا، وقلب مواجع جرح فعلي تفادينا فعلا طرح السؤال حوله مرة أخرى هو : لماذا سيتصور مهاجر شاب أنه يحق له مد اليد نحو جسد امرأة لا يعرفها في الشارع بهذا الشكل المرضي الكئيب؟
الجواب هو هذا الكبت المعشش في الأذهان، بالإضافة إلى صورة معينة عن المرأة نعرفها نحن جيدا في شارعنا المغربي/العربي/ الإسلامي، ولسنا محتاجين للسفر حتى كولون أو انتظار دهشة الألمانيين وفي مقدمتهم اللطيفة ميركل لكي نتأكد منها
يكفي أن تتجول في شوارعنا، يكفي أن تمر قرب مقهى لكي تشاهد طريقة النظر إلى مؤخرات العابرات، وكيفية قياسها وكيفية الحديث عنها. يكفي التأمل في سحنات المتحرشين يوميا بأي مارة كيفما كان نوعها أو شكلها أو وضعها الاجتماعي.
يكفي التدقيق قليلا في العين الجماعية العامة للوقوف على جوع جنسي، يقترب من الحرمان يملأ الأحداق ويدفعها دفعا نحو أبشع التصرفات وأكثرها ابتعادا عن الآدمية والحضارة
جوع ليس لوحده السبب، بل تشجعه وتعضده رؤية متخلفة للنساء باعتبارهن الوعاء الجنسي فقط، القابل للملء، المستعد لحمل نطفة الرجل إلى مالانهاية، الصالح فقط للتخفيف من مصابه الجنسي، المليء فانتازمات واستيهامات أغلبها كاذب يخترعه عقل عنين عاجز لا يستطيع في الحقيقة شيئا على الفراش. لذلك نرى مانراه، ونعيش مانعيشه، وحين نفتح الأعين عليه أو حين نتحدث عنه، أو على الأقل حينما نطالب بمداواة الجانب المرضي فيه يقال لنا إننا نشجع الانحلال والعلاقات الإباحية وما يشبه هذا الكلام المرضي الذي يوازي في كبته الكبت الجنسي المعشش في العقول وفي الأعضاء.
لنقلها بصراحة: مجتمع بأكمله إلا من رحم ربك يفكر بأعضائه التناسلية، حتى أنه يرى الجمل الجنسية في كلام رئيس الحكومة أمام البرلمان، ولا يستحي من أن يقرأ جملا مثل “ديالي أكبر من ديالك”، أثناء الحديث عن الأحزاب أو جملة “قلبيها راها عندك مقلوبة” أثناء الحديث عن لافتة قراءة جنسية تحيل إلى هذا المكبوت فينا، الساكن في كل تلافيف ذواتنا، والقادر على فضح هذه النحن الجماعية غير المتصالحة مع جسدها والتي تعيش التناقض والتناقض المضاد بمختلف أنواعه وأشكاله، وبكل العذاب الممكن تصوره على وجه الأرض.
لذلك تنتشر فينا فتاوى الجنس، وتقبل أغلبيتنا على قنوات “إرضاع الكبير”، وتلفزيونات “تكبير الثدي وتضخيم الأير وتقزيم الفرج وتصغير العقل”، وغيرها من البذاءات المتلفعة زورا وعدوانا في الدين.
لذلك أيضا لانستطيع التحاور فيما بيننا بسلاسة أو بشكل سليم، لأن معطلنا الأكبر – وهو الجسد المتحكم في كل شيء- متوتر، منقبض، موتور، مكبوت، يرى الجنس في الأكل، في الشراب، في المشي، في الجلوس في الوقوف، في النوم، ويعاني منه ولا يتوقف عن المعاناة، ولا يريد الاعتراف بهاته المعاناة وحين تأتيه فرصة التعبير عنها يقوم بذلك بأبشع الأشكال الممكن: باعتداء جماعي في ساحة أوربية ليلة رأس السنة، وبخبر تورده كل وكالات الأنباء العالمية، وتتناقله كل التلفزيونات ومذيعوها يغالبون الضحك المؤلم فيغلبهم قبل أن يطرحوا علينا السؤال الذي لن يقبل أي منا أن يرد عليه: لماذا أنتم هكذا؟ أو مثلما يقول المسلسل المكسيكي المدبلج من علياء ابتذاله اللغوي: لماذا هكذا تفعلون؟
لا جواب لدينا. فقط المزيد من التحديق الجائع، والبحث عن أقرب السبل لتصريف هذا الكبت الكامن في المسام.
“الله يعفو وخلاص” على الجميع أيها السادة، على الجميع…