يوم بيوم

يوم بيوم

المغرب اليوم -

يوم بيوم

بقلم - نور الدين مفتاح

كان السيد عبد العزيز أخنوش في مفترق طرق مصيري مع بداية العهد الجديد. إن رأس المال جبان، وفي الغالب يحتاج للحماية في بلدان لم تصل بعد إلى الضفة الديموقراطية، وقد احتمى وريث أحمد أولحاج في العهد القديم بالرجل القوي فيه آنذاك إدريس البصري، وبما أن لكل عهد رجالاته، وأن فريق محمد السادس عندما تخلى عن أخطبوط مايسترو أم الوزارات ظل يبحث عن حلفاء من خارج الشبكة البصراوية، فقد اعتقد أخنوش أنه انتهى إلى دور رجل أعمال في الظل سيكون له مربع تحركة البسيط وكفى، إلا أن الرياح هبت من الجهة التي لم يتوقعها الملياردير السوسي، وبدأت صلات القرب من العهد الجديد تتوطد، وتبين أن الحاجة إلى عبد العزيز أكبر من النقاط الرمادية في تاريخه، وإضافة إلى كل التسهيلات والتيسيرات التي حظي بها، بدأ الدفع به سياسيا على الرغم من أن قدراته التواصلية والسياسية أضعف بكثير من قدراته على جمع الثروة، ودخل إلى حزب السنبلة ثم خرج ليصبغ بلون الأحرار، بل إنه وهو يحمل لون الحمامة ساند مرشح الأصالة والمعاصرة.

والغريب أنه مع فورة حركة لكل الديموقراطيين وأوج تحرك فؤاد عالي الهمة في الميدان، عقب تهييئه لتأسيس حزب البام، تمت مهاجمة أخنوش الذي كان قد أصبح وزيرا ثقيلا للفلاحة، ووجه إلياس العماري وفؤاد نفسه انتقادات لاذعة للمخطط الأخضر، تتلخص في كونه صندوقا لإغناء الأغنياء وإفقار الفقراء! ولكن ما فتئت أن ذابت هذه السهام ليعود الود بين أخنوش والبلاط.

وفي غمرة صعوده السياسي، ارتقى أخنوش صاروخيا في مجال الثروة، وكانت الضربة الكبرى هي لما عقدت تلك الصفقة الحافلة بالأسرار والتي ابتلعت بموجبها مجموعة إفريقيا مجموعة سوميبي لصاحبها أمهال، وتطور هذا مع المشاكل التي عرفتها محطة التكرير لاسامير ثم مع تحرير أسعار المحروقات بعد رفع الدعم عنها، لترفع المجموعة الأخنوشية صاحبها ليصبح واحدا من كبار أغنياء العالم، حسب مجلة "فوربيس".

وظل النفوذ السياسي لأخنوش يتصاعد خصوصا مع تحكمه في وزارة الحياة بالنسبة للمغرب، وهي الفلاحة وما جاورها بمخططها الأخضر، إضافة إلى حيازته لسلطة التوقيع في ما يخص صندوق التنمية القروية بدل رئيس الحكومة، الذي يدبر أكثر من 52 مليار درهم، ولكن الدور الذي كان من أجله يحظى بكل هذه الأريحية سيأتي أوانه بعد الهزيمة غير المنتظرة والقاسية للرهان على إلياس العماري، وحصد العدالة والتنمية لـ 125 مقعدا في الانتخابات البرلمانية.

لقد عشنا ستة أشهر ونيف مما عرف بالبلوكاج الحكومي، صعد فيها نجم عزيز أخنوش إلى عنان السماء، وترسخ لدى الرأي العام أن رجلا قويا جديدا قد بزغ، وبدأ التخلص من إرث إلياس. وحين ثم هزم عبد الإله ابن كيران بخروجه من الحكومة وهو الفائز بالانتخابات وزعزعة تماسك حزب العدالة والتنمية، أصبح الرئيس الجديد لحزب الأحرار رمزا لقوة "خارقة"تستطيع أن تحوّل هزيمة إلى انتصار وانتصاراً إلى هزيمة، وشرع السيد أخنوش بما أوتي من قوة دفع في الطواف في البلاد للحشد لمشروعه الجديد: "أغراس، أغراس"، ولكن كانت نقطة نجاحه في اقتلاع ابن كيران وتجريع الإهانة لحزبه هي نقطة ضعفه أمام الرأي العام. هنا بدأت صورة الوزير الثقيل ورجل الأعمال الناجح تتحول تدريجيا إلى صورة أخرى تقترب من العجرفة والاستعلاء وخرق قواعد اللعب النظيف.

وعلى الرغم من كل هذا، بقي أخنوش يتحرك على الواجهات الثلاث: -1 الثروة، بحيث انفجرت أرباح شركته  وشركات المحروقات عقب تحرير الأسعار، -2 الحكومة، بحيث أصبح يعتبر المايسترو الحقيقي للجهاز التنفيذي، -3 الحزب، بحيث ملأ الدنيا بتجمعات على الطريقة الأمريكية شكلا، وبدا مع التصدعات داخل البيجيدي والتخلي عن البام بأن انتخابات 2021 في جيب حمامة السي عزيز، ولكن حصل مرة ثانية ما جرى في 20 فبراير. لنتذكر أن البام كان قادما كموجة خرافية لاكتساح المشهد السياسي، إلا أن ربيعا عربيا غير منتظر وصلت تردداته إلى الرباط جعل الموجة تصطدم بحائط المظاهرات الصاخبة في أكثر من مدينة ومدشر، وكان أولئك الذين حملت صورهم كرمز للمغضوب عليهم شعبيا هم أصحاب مشروع الحزب الجديد، فانتهى كل شيء كما هو معروف، وها هم أصحاب اللحى المشذبة لايزالون في قمرة قيادة الحكومة.

اليوم، كانت موجة أخنوش أيضا ضخمة، ولكن قبل شهر تقريبا اصطدمت بحائط من نوع جديد، إنه المقاطعة الشعبية لثلاث مواد استهلاكية هي حليب سنطرال وماء سيدي علي ومحروقات إفريقيا، وقد تم احتقار هذه المقاطعة في البداية وشتم أصحابها، قبل أن تصبح ظاهرة مخيفة حركت سواكن الحكومة ودفعت أولئك الذين شتموا أو استهزؤوا إلى طلب الصفح أو الاعتذار، ومازلنا في قلب هذه الحركية المجتمعية الجديدة التي فجرت أسلوبا جديدا في الاحتجاج، بدأ يغير موازين القوى في الصراع من أجل العدالة الاجتماعية.

وراء هذا كان هناك شخص قد أدى الثمن عدّاً ونقدا، وهو السيد عزيز أخنوش، الذي يعتبر من الناحية السياسية قد انتهى. إنها ورقة فريدة في مواجهة المد الإسلامي قد احترقت، وهذه النتيجة هي الثابت مهما كان مصير مقاطعة المنتوجات المعنية. والسؤال الذي يحير المتابع هو من كان وراء هذه المقاطعة القاتلة؟ لا أحد يمكن أن يعرف اللهم إلا كونها احتضنت بسرعة البرق من طرف شريحة واسعة من المواطنين، وخصوصا الطبقة المتوسطة. صحيح أنه بإعمال منطق من له مصلحة في ما حصل يمكن أن نتهم حزب العدالة والتنمية لأن له ثأرا مع أخنوش، وخصوصا جناح ابن كيران، ولكن تطورات الأحداث بينت أن البيجيدي بدوره أصبح ضحية! يبقى هناك سيناريو آخر يطرح، وهو افتراض غير عشوائي يقول إن جهات في الدولة كانت تريد الإطاحة بأخنوش فكان هذا الصلب الشعبي، ويستدلون على ذلك بمقالات مجهولة أو مقالات في مواقع معروفة بتموقعها السلطوي انبرت بدورها لإطلاق النار على الملياردير السوسي. وهنا يطرح سؤال أهم، وهو ما الذي قام به أخنوش حتى يتقرر إنهاء صعوده السياسي؟

ودون أن نتهم الناس بأنهم انقادوا مع مخطط مدروس، فإن واقع الحال يؤكد على أمرين أحلاهما مرّ: الأول هو الإعدام السياسي لأخنوش وانعدام بديل قوي في مواجهة إسلاميي المؤسسات في 2021، والثاني هو أن المقاطعة كشكل احتجاجي اليوم هي أخطر من 20 فبراير لأنها محسوسة وغير ملموسة ولا يمكن مواجهتها أمنيا مثلا. وإذا أضفنا إلى هذه المكونات المتفجرة كون العدالة والتنمية متصدعا معانيا من نقص الشرعية الشعبية اليوم، فإن هذا الفراغ القاتل الذي تعرفه الساحة السياسية في البلاد، في نفس الوقت الذي اكتشف فيه الشعب سلاح دمار احتجاجي شامل، يجعل عنوان الخطر الداهم هو الأقرب لهذه الرواية التي تكتب في دفتر المملكة، فاللهم احفظ.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

يوم بيوم يوم بيوم



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 08:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
المغرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 15:34 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام
المغرب اليوم - سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:14 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 18:57 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 14:11 2015 السبت ,23 أيار / مايو

العمران تهيئ تجزئة سكنية بدون ترخيص

GMT 17:38 2022 السبت ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه الذهب يسجل رقماً قياسياً لأول مرة في مصر

GMT 15:13 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

تغلبي على الخوف من عيوب جسدك مع ارتداء الحجاب

GMT 15:12 2018 الثلاثاء ,08 أيار / مايو

عمران فهمي يتوج بدوري بلجيكا للمواي تاي

GMT 08:03 2018 الأربعاء ,14 آذار/ مارس

ما الذي سيقدمه "الأسطورة" في رمضان 2018؟

GMT 20:50 2018 السبت ,24 شباط / فبراير

خفيفي يعترف بصعوبة مواجهة جمعية سلا

GMT 17:06 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

وليد الكرتي جاهز للمشاركة في الديربي البيضاوي

GMT 06:59 2018 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

كليروايت تغزو السجادة الحمراء بتشكيلة متميزة

GMT 17:54 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

الفالح يُعلن أهمية استمرار إجراءات خفض إنتاج الخام

GMT 19:57 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

مهرجان أسوان لأفلام المرأة يفتح باب التسجيل بشكل رسمي

GMT 05:45 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

ابتكار روبوت مصغر يتم زراعته في الجسم

GMT 23:06 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

مشروع الوداد يؤخر تعاقده مع غوركوف
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib