بقلم : نور الدين مفتاح
كان بالإمكان أن نفعل مع مصر السيسي ما فعلته الجزائر مع مصر مبارك حينما تواجهت المدافع الكلامية بين البلدين والشعبين، على إثر مباراة كروية بين منتخبي البلدين لكرة القدم بالسودان، حيث أخرج المصريون الجزائر من العروبة، وردت الجزائر الشعبية بأغنية ستظل في الأذهان، قال فيها منشدها "إلى كانت مصر أم الدنيا فالجزائر باباها".
كان بالإمكان أن نعيد قصة ذلك التقرير الشهير الذي فاجأ المشاهدين المغاربة في نشرة مسائية لدوزيم، حين وصف عبد الفتاح السيسي بالانقلابي على إثر زيارة وفد مصري لمخيمات تندوف.
كان بالإمكان أن نفعل أكثر ومصر تستقبل ضمن اجتماع اتحاد البرلمان الإفريقي وفد الجمهورية الصحراوية المعلنة من طرف واحد، إلا أن الحكمة تغلبت من الطرفين، وانتصر المنطق، وانطفأت الأزمة في مهدها.
صحيح أن مصر ليست في علاقة دافئة مع المغرب، وزاد هذا عقب التقلبات الخطيرة في منطقة الشرق الأوسط المشتعلة وبحث مصر عن بدائل لعكازها السعودي، وهذا كان وراء تقاربها مع الجزائر وتوصلها بهدية "متواضعة" عبارة عن حاملة غاز بالتمام والكمال من قصر المرادية، وصحيح أن مصر لم توقع على رسالة القادة الأفارقة المطالبين بخروج الجمهورية الصحراوية من الاتحاد الإفريقي، وصحيح أن مصر متضايقة من النجم المغربي الصاعد في إفريقيا اقتصاديا وروحيا وسياسيا، إلا أن هذه الواقعة بالذات كان لابد أن تقرأ كما قرأتها الجهات المغربية الرسمية المتعودة في مثل هذه الحالات على إصدار البلاغات النارية.
وهذه القراءة هي أن المغرب اليوم عضو في الاتحاد الإفريقي وفيه الجمهورية الصحراوية، وما دام هذا الوضع قائما فكل نشاط للاتحاد لابد أن يمثل فيه وفد هذه الجمهورية الغريبة بلا عقد، وأن تصحيح هذا الوضع لا يتم بالتشنج ولكن بعمل دؤوب من داخل المنظمة التي لم نجلس فيها بعد، فلا يعقل أن يزور ملك البلاد هذه الأيام دولا تعترف بالجمهورية الصحراوية وتخاصم المملكة بلدا استضاف وفدا من البوليساريو!
ولهذا فالورش المغربي الاستراتيجي في إفريقيا أكبر بكثير من الالتفات إلى أحداث صغيرة مرتبطة بتطورات إقليمية متقلبة، فمصر والمصريون مع المغرب خير ألف مرة من مجرد إشفاء الغليل.