عبد الحميد الجماهري
تستحق البلاد نضجا أكبر مما يحوم حول اسمها، في منعطف الريبة والألم الذي تعانيه أمميا. وعندما تكون البلاد في زاوية صعبة، لا يحسن بمهندسي الخسارات أن ينتصروا….بأي تعلة كانت!
فإذا كان »ليس من حق العصافير الغناء على سرير النائمين«، كما يقول درويش، فلا يحق للكثيرين أن يجتهدوا في تعريف الوطن وهم ممدون على أرائك الضغينة، أو الالتباس، أو في حرير الحياد!
الوطن ليس حقيبة لكي نحشر فيها التحليل الطبقي، والتحليل الغيبي والسخرية المرة من أعطابه والصناعات السريعة للأفكار!
غير أن الوطن، بالنسبة للذين بحثوا عنه، في مربع في جدار من زنازين البلاد الرهيبة ووجدوه، يستحق، مع ذلك ، تمرينا في السجال!
ليس الوطن طبقة، نضعها مقابله هو نفسه ، كلما استعصى علينا أن نحرره من التعريف الطبقي:الوطن ليس طبقة الفقراء، الذين باسمهم نتهمه بأنه يتنكر لهم كلما صفت سماؤه، وتركهم في أيام قمطريره الصعبة.
فقد ثبت أن الكثيرين ممن وضعوا الوطن مقابل الطبقة، في جدلية للنفي القاتل، تركوا الفقراء لقدرهم، واستسلموا لما في البرجوازية من سحر، ودون أن يعودوا بكاملهم إلى الوطن..
وليس الوطن إحراجا للبروليتاريا الباحثة عن انعتاق أممي، الوطن ليس حتى صك إحراج للحاكم، كان مفترسا أو فريسة.. يُرْفَع في وجهه كلما احتاج الغاضبون من توزيع الثروة أو توزيع المناصب..ذريعة لتجذير المواقف!
الوطن أكبر
الوطن وهو حبة رمل يكون أكبر من العروش ومن البرلمانات والحكومات ومن الدول في مجموعة العمل الأممي.. وقد أصبح أكبر من الطبقات أيضا منذ ماتت الأممية البروليتارية على مشارف الكولاك!
حتى وهو حفنة ماء
حتى وهو مجرد نوع من الحشرات لا تعيش إلا في »الاركانة«، يكون أنقى من الحسابات..
فلماذا يريدون إعادة تعريفه وهو يواجه تبعيضه؟
للذين يريدون أن يعيدوا تعريف هوية الوطن ، نقول أولا تعالوا نحمي حدوده بين أضلع الارض ثم نطرح عليه السؤال…
فالأوطان المبتورة لا تحسن الأجوبة عن سؤال الهوية!
للذين يريدون إعادة تعريف الوطن :هل هو خلافة على منهاج النبوة أو موطئ للقيامة؟ نقول :تعالوا نحدد حدوده ونحرره من أضغاث الديموقراطية!
فالذين يريدونه ورقة تاكتيكية لإضعاف نظام لا يحبونه ، غالبا ما ينتهي بهم المطاف في الضفة الأخرى منه، ولا ينصفهم التاريخ أبدا:لننظر إلى دبابات الديموقراطية في العراق، وفي سوريا.
لنعد إلى تاريخ المغرب في العلاقة بين النظام والقضية والقوى المعارضة، سنرى أنها لم تكن أبدا بهذه السذاجة المفرطة، ولا بهذه الميكانيكية التي تجعل النظام يسقط بمجرد أن نترك الوطن في العاصفة!
وبكل صدق، ما يستحق النقاش في كل هذه العاصفة، هو موقف »العدل والإحسان«، باعتبارها جماعة كبيرة في هذا الوطن، وهي منه ومن أفقه اليوم أو غدا، وقد اعتقدنا دوما أن ما يميزها أنها ذات تفكير محلي مرتبط بمعادلات الداخل وبدون تأثيرات خارجية، وأن المعارضة ، مهما كانت متجذرة في خيال الأمة الشرقي، فإنها تظل مشروعة بانتمائها المحلي .
لهذا يستعصي التفكير فعلا بأريحية في موقفها من «مسيرة «لم تستدع إليها».