بقلم : عبد الحميد الجماهري
1- من البداهة السياسية أن نبيل بن عبد الله كان يدرك أنه يقوم بفعل سياسي : حوار، ندوات، جولات وضعها تحت شعار التحكم ..وهو يدرك أيضا بأن هذا الفعل السياسي يستوجب منطقيا رد فعل..ما هي حدود الرد، ما هي جدواه، وما هي نجاعته؟
يخضع ذلك لترتيبات التأويل والموقع الذي نقارب به هذا الرد..
هناك من اعتبر بأن الأمر يتعلق بموقف دفاع من طرف الذين لا يتم تحديد ماهيتهم، "هادوك" كهُلاٍم ، وهناك من اعتبر المشكلة إيذانا بإعلان نهاية رجل أو حزب، والحال أن أية نهاية لا تكون ببلاغ…
وهناك من اعتبر أن الموقف من نبيل بنعبد الله هو موقف من ابن كيران ، وأن الرسالة موجهة لرئيس الحكومة، وأنه يجب دفع التقدم والاشتراكية إلى فك الارتباط ، لغة ومصطلحا، مع حزب العدالة والتنمية، والحال أن الخصومة السياسية لا تكون توشية لبيان سياسي مهما كانت قوته…وهناك في المقابل من اعتبر أن الخصومة مع الدولة، توجب بالضرورة الصداقة مع نبيل بن عبد الله والدفاع عنه..
ويمكن أن نقول مع دافيد هيوم أنه" ليس هناك ما هو مثير للمفاجأة، لكل من ينظر إلى الشؤون العامة البشرية بعين الفلسفة، أكثر من أن يلاحظ الاستسلام الضمني الذي يطرد به الناس عواطفهم الخاصة وشغفهم الخاص لفائدة عواطف وشغف الحاكمين"!
وهو ما يجعل "دافيد هيوم" يقول أنه" على الرأي تتأسس الحكومة"… ويصدق ذلك على الحكومات الليبرالية والديمقراطية والاستبدادية على قدر المساواة..فهو ليس ميزة خاصة بحكم معين!
فلا مجال إذن لفكرة المؤامرة في شيء يخص المؤسسات بل هناك منطق خاضع للسوسيولوجيا السياسية..
2- سيكون "كوجيطو" سياسي غير موفق … ألا نتكلم تحت سقف الدستور، جميعا، فالدستور هو السقف الذي يتكلم من تحته المنتقدون والموافقون والممارسون والحالمون بالحكم الخ : وهذا الدستور كتعاقد ، ألا ينسحب عليه ما قاله عالم الاجتماع دوركايم: "ليس كل ما في العقد هو ….. تعاقدي" !
!tout n’ est pas contractuel dans un contrat
وهو ما يعني أن المهم والأساسي يظل خارج العِقد..أحيانا!
- 3 كل انتخابات هي لحظة ميزان القوة، وميزان القوة هو أيضا ميزان تواصل… وميزان معنى ، ولا شك أن جزءا من المعنى يصنعه الموقف من تجربة الحكومة ! و مآل الحزب الذي يقودها بعد اقتراع 7 أكتوبر!
وعلى الذي يهمه مصير التعددية أن يتساءل عن معادلة ميزان المعنى، بعد أن ظل ميزان القوة مختلا لفائدة المحافظة ، بكل تلاوينها!
4- خاطئ من يعتقد بأنها المرة الأولى التي يكون فيها المحيط الملكي ضمن معادلة المعنى قبل الانتخابات..فقد كان النقاش حول هذا المحيط مقترنا دائما بالاقتراع.
حتى بالعودة إلى الحياة السياسية الجنينية، كان الزعماء منذ 1963 ينظرون إلى المستشار القوي في الهرم الراحل محمد رضى اكديرة بطريقة معينة:ففي استجواب لعبد الرحيم بوعبيد والمهدي بن بركة عضوي الكتابة العامة للاتحاد الوطني للقوات الشعبية مع مجلة جون أفريك، نشرتها (التحرير) في عددها الصادر يوم 10 أبريل عن المستشار اكديرة ، أجابا بما يعني بأن الأمر بالنسبة لحزب كالاتحاد لا يتعلق بالتعامل مع المستشار بقدر ما يتعلق بالمؤسسة.
و المحيط كان موضع تراشق دوما قبيل الانتخابات 2011 إبان الحراك الفبرايري…
وقبله في 2009 مع ظهور البام، 2007 مع محمد اليازغي… وتصريحات الفقيد مزيان ومعتصم2002 وقبلها مع اليوسفي .. وتصريحات أزولاي..
وقد كان موقعهم ، كرجال الدولة personnel de l’ état موضع تفكير في الإصلاح، منذ دستور 2011، وقد تقدم الملك بوصفة للإصلاح الشامل، صارت الدولة بهذا المعنى المنتج الأساسي لأدوات بناء الواقع السياسي بعد الربيع المغربي…وبناء المعنى السياسي، كما أن الفاعلين السياسيين يؤسسون معنى السياسة في الموقف من الدولة والمؤسسات… لهذا يجب انتظار رد فعل حزب التقدم والاشتراكية، ليكتسي البلاغ معناه الكامل.
- 4 لغة البيان، جاءت في فضاء بدأ يفقد لغته السياسية لفائدة قواميس متنافرة :قاموس القباج،(الشرع والدين ) قاموس رئيس الحكومة،( التحكم والتبشيرية الرسالية ) …..وبالتالي فالمعنى السياسي قد يميل لفائدة اللغة الأقرب للسقف الإصلاحي الذي بنته الدولة نفسها من خلال إصلاحها الدستوري..
لقد قيل الكثير حول البلاغ الصادر عن الديوان الملكي، ولعل المرحلة مواتية الآن لرفع سقف التفكير وتعميقه بعيدا عن المواقف المباشرة، أكاد أقول الغريزية، التي تنتهي بعد انقشاع السحاب!