بقلم : عبد الحميد الجماهري
لم يكن واردا في الخيال الجماعي الذي سيج مسيرة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب- أوطم المجيدة- أن هذه الهالة الفضية برمزيتها الفارهة قد تكون محط دعوى قضائية من أجل… عقار.
فقد ظل الاتحاد-اوطم- سياجا شاسعا للمعارك من أجل الحق في الحرية. وعلى مراياه ، انعكست كل المراحل الصعبة.
وفي رحابه تجمعت الأجيال
لتحلم بشمس مضاعفة
أو لتركيب جمل ثورية ترسل على الأثير إلى
المغرب
فلسطين
والجزائر
وجنوب إفريقيا ..
ولم يكن العالم، كما هو متعارف عليه دوليا يولد من رحم الشغب الطفولي ، إلا في رحاب الجامعة.
عندما وصلنا الجامعة تعلمنا أن الحقول، تلك التي أعقبت طفولتنا وكانت محل ضجر المراهقة الأولى، لها معنى آخر
وهي فسحة واسعة لالتحاق آبائنا الفلاحين بأبنائهم الثوار في المحفل الجامعي..
واكتشفنا أن المناجم التي كانت تلفظ الناس وهم منهوكي القوى ومثقوبي الهواء، هي أيضا مخزن لعالم جديد ، وأن الشمس في المحصلة الرمزية مصنوعة من الفحم الذي يسكن صدور آبائنا..
هكذا كان «أوطم»، ترسانة مهمة من التعريفات الضرورية للحياة..
منذ تأسس سنة 1956 كمنظمة نقابية للطلبة والتلاميذ، في حمأة الغليان السياسي الذي أعقب الاستقلال.
هناك تعلمنا أن الذي لم يصبح ثوريا في سن العشرين، لن يصبح أبدا ثوريا
وأن النقد الذاتي وسيلة الثوار لتحسين أدائهم
وهناك عرفنا أن الاستقلال في جزء منه كان شكليا
وأننا غيرنا مقبض المنجل والمنجل لم يتغير،
وأن الأمهات لا يلدن الثوار فقط، بل الخونة أيضا..
هناك تعلمنا أسماء العواصم
والمدن التي تشرق فيها الشمس
وأحيانا تشرق فيها نفس الشمس!
أسماء مثل أسماء آلهة من عالم الأزتيك أو الانكا:
سايغون
هافانا
جوهانسبورغ
سانتياغو
أسماء رجال تعمموا بنفس الشمس:
تشي غيافرا
أليندي
هوشي منه
غسان كنفاني
أبو جهاد
عرفات..
تقول السيرة الرسمية «لأوطم» سنة 1962 قاطع الاتحاد الطلابي أول دستور للبلاد، وشهدت تلك السنة الجامعية إضرابات نقابية وسياسية، طالبت باستقلال الجزائر عن فرنسا، واحتلت الجماهير الطلابية سفارة فرنسا بالرباط في 11 و12 نونبر 1961 تضامنا مع حركة التحرر والثورة الجزائرية ….
في أكتوبر 1964 جرت أول محاولة لحل المنظمة بدعوى عدم ملاءمة قانونها الأساسي ومضمون قرار لوزير الداخلية، واجهه طلبة الاتحاد بإضرابات جعلت النظام يتراجع عن خيار الحل، لكن صدر ظهير يلغي ظهير 1961 الذي يعتبر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب جمعية ذات منفعة عامة .
في يوليوز 1972، أعلن طلبة كلية الآداب في ظهر المهراز بفاس، حرم الكلية ومحيطها «منطقة محررة»، لا تصلها قوات الأمن.…
وكتب أحمد المجاطي قصائده الرائعة المفعمة بعرق الطلبة
وعنفوان الطالبات..
وأصبحت ظهر المهراز المعادل الجمهوري للمدينة الفاضلة..
وتضيف السيرة الرسمية: «وصلت المواجهة بين الحركة الطلابية والسلطة بحظر اتحاد الطلبة في 23 يناير 1973 اعتقل خلالها جميع أعضاء اللجنة التنفيذية المنبثقة عن المؤتمر الخامس عشر..»…
وفيها كنا نتعلم كيف نفرق بين الطبقات وبين التعبيرات السياسية
بين الثورة والإصلاح
بين الكفاح المسلح ونسأل متعذبين كضباط جدد بالأفكار والدخان والزمن المقيت: أين نقف من الشعب : هل نسير جنبه أو نتقدمه طليعة واعية أو نتركه، بعفويته الراسخة يحفر طريق أنهاره ونحن نستحم فيها مثل أطفال سعداء؟..
لكن الأشياء كانت تأخذ منحاها بروية وكان إنعاش القمر الأصولي خطة الدولة في جلب السعادة إلى البوليس في الحرم الجامعي:
وغاب تشي غيفارا
وحل الشيخ الغفاري..
لا يشتركان في اللحية، وقدسية الثوار في الجامعة فقط، بل أيضا في عنفوان مجتمع لم يصل بعد إلى مجتمع الديمقراطية الحقة التي تجعل الجامعة حرما للمعرفة لا للصراع الايديولوجي
والطلبة علماء لا ثوارا..
اليوم يتم النسيان العمدي «لهدية» المغفور له، أب الأمة محمد الخامس، عندما سلم المقر العتيد للطلبة في عهد الاستقلال: شباب حيوي مفعم بالوطنية..يحلم بمغرب أكبر وأوسع وأنصع
وتحاول الحكومة أن تقود إلى قفص الاتهام ، آخر رؤساء الاتحاد الأخ العزيز شافاه لله السي محمد بوبكري.. لكي تحرر العقار
وتحرر الاتحاد الوطني من رمزيته العالية..
قد يقول الشاعر :سقطت قلاع قبل هذا اليوم، لماذا نحاول أن نتشبث بالحائط المبكي؟
ويقول الساخر: إذا لم يبق من اوطم سوى المقر في العاصمة، فليذهب !
ويقول الطالب السابق: اوطم لم يذهب توا إلى النسيان…
بل وقف في الرباط!
أمام القفص.. كأنها المرحلة النهائية لرحيله كله..
الاوطميون كثيرون، ومنهم من لا يزال يحتفظ بكل وهج الأسطورة..ويحفظ للذاكرة بعض قطعه الجيدة..
كثيرون ما زالوا يرددون زغردي يا أمي يا أم الثوار
أوطم حبلى بالأحرار..
وربما يغيرون النشيد قليلا ويعيدون ترتيب الأولويات: حبلى بالأنوار… لكي يحتل العقل المتنور مكانته في ترتيب الحرية.. لأن الشعب أنبأهم بأجمل انتصار…
غير أن وقوف رئيس أوطم أمام المحكمة أكبر من قضية شكلية في ردهات المحاكم، إنه إعلان رسمي عن حرب أخرى ضد الأسطورة، أوطم.