بقلم : حسن طارق
تتزاحم اليوم داخل المكتبات الفرنسية العديد من الإصدارات الحديثة الموقعة من طرف زعماء وقادة سياسيين من مختلف الحساسيات والاتجاهات، ذلك أن إصدار كتاب أو أكثر قد أصبح سلوكا تواصليا طبيعيا بالنسبة إلى مرشحي الاقتراع الرئاسي للجمهورية الخامسة أو للمنخرطين على الأقل في معركة الانتخابات التمهيدية، سواء يمينا أو يسارا، ذلك أنه وتقريبا، بدون استثناء، يمكن بسهولة العثور على مؤلف حديث لأي واحد من الشخصيات السياسية التي تضع ضمن أفقها السياسي قصر “الإيليزي”.
“فرانسوا فيون”، الوزير الأول السابق ومرشح اليمين الجمهوري لاقتراع مايو 2017، كان قد أصدر كتابا تحت عنوان: [Faire]يلخص فيه رؤيته لفرنسا، غير أن إصداره الأكثر إثارة للجدل يتعلق بما سمّاه “هزم الشمولية الإسلاموية”، أما غريمه في الانتخابات التمهيدية لليمين والوسط “ألان جوبي”، فقد أصدر على الخصوص خلال السنتين الأخيرتين، سلسلة من الكتب، نذكر منها: [Mes chemins pour l’école ] الذي خصصه لتصوره للمدرسة، و [ pour un État fort ] الذي قدم خلاله رؤيته لطبيعة ووظائف الدولة الفرنسية .
الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، وقبل أن تُنهي تمهيديات اليمين حلمه بالرجوع إلى “الإيليزي”، كان قد بصم على عودته إلى الحياة السياسية بكتابه المعنون بـ: [La France pour La vie] .
أما بالنسبة إلى المرشحين الاشتراكيين المتبارين في الاقتراع التمهيدي لليسار المواطن في نهاية يناير الجاري، أصدر “أرنولد مونتبورغ”، كتابا يترافع من خلاله من أجل “عودة فرنسا”.
في المقابل، المرشح الظاهرة “ماكرون”، اختار ببساطة أن يعنون كتابه الأخير: “ثورة”، إذ يستعرض اقتراحاته الاقتصادية والاجتماعية انطلاقا مما يعتبره طريقا بعيدا عن اليسار واليمين .
أما على جبهة يسار اليسار، يواصل ابن طنجة المثير للجدل “ميلونشون”، سلسلة إصداراته المتواصلة منذ سنوات.
في مقال صادر في جريدة “ليبراسيون” الفرنسية، في بداية السنة الماضية، يستعرض الكاتب الصحافي المعروف “ألان دوهاميل”، ما يسميه استراتيجية الكتاب السياسي، لدى الطبقة السياسية الفرنسية، حتى أنه كاد يتحول إلى ما يسميه تقليدا أدبيا مواكبا للرئاسيات الفرنسية، منذ بدايات الجمهورية الخامسة.
والواقع أن هذا التقليد، يجر وراءه خلفية تاريخية عميقة لزواج معلن بين السياسة والثقافة في جمهورية الأنوار، جعلت كبار الكُتّاب يلجون عوالم السياسة من بوابة الكتابة، أمثال: (توكفيل/شاطوبريون /مالرو)، كما شاءت أن يساهم كتابا وأدباء من المشاهير في لحظات مفصلية من تاريخ بلادهم السياسي، من خلال منجزهم الروائي أو الأدبي “هيغو/ زولا”.
بعيدا عن هذه الخلفية العميقة، فالكتاب السياسي، هنا ليس جهدا تنظيريا يتطلب كفاءة خاصة، ولا عملا تخيليا يحتاج إلى حساسية أدبية رفيعة، ولا دراسة بخلفية أكاديمية وجامعية محكمة. إنه ببساطة مجرد مرافعة للفاعل السياسي دفاعا عن أفكاره ومشروعه وقناعاته. لذلك في كثير من الحالات، فإن شرط الراهنية والسياق السياسي الخاص لزمن الكتابة، لا يمنع من الحصول في النهاية على أعمال قوية استطاعت أن تتجاوز لحظتها التاريخية، لتصبح جزءا من كلاسيكيات الأدب السياسي الفرنسي، كما هو الحال مثلا بالنسبة إلى مؤلفات فرانسوا ميتران “الانقلاب الدائم / نصيبي من الحقيقة”، أو كتاب بيير مانديس فرانس “الجمهورية الحديثة”.
مغربيا، ومع الاحترازات الضرورية للمقارنة، يصح الجزم بغياب مطلق لما يمكن تسميته استراتيجية الكتاب السياسي. إذ في حقل سياسي مبني على ما سبق للأستاذ عبدالله ساعف أن وسمه بـ”ثقافة السرية واستراتيجية الكتمان”، وعلى التقاليد الشفوية وتقنيات الرموز والرسائل المشفرة، فإن لجوء الفاعلين السياسيين – وهم لا يزالوا داخل زمن الممارسة – إلى التعبير الكتابي عن أفكارهم ومشاريعهم، لا يبدو لهم لعبة مفضلة لديهم، كما أن إصدارهم لمؤلفات حول تصوراتهم للحياة السياسية لا يمثل رهانا ذا أهمية معتبرة.
الواقع أنه خارج جيل الحركة الوطنية، حيث تألق نموذج السياسي ـ المثقف: “علال الفاسي، عبدالله إبراهيم، بلحسن الوزاني، عبدالرحيم بوعبيد، المهدي بن بركة…”، أو مع حالات “المثقف العضوي”، كما برزت في جيل الاستقلال “عمر بنجلون، عزيز بلال،…”، يكاد السياسيون المغاربة من الأجيال اللاحقة، مع استثناءات قليلة يدبرون مسارهم والتزاماتهم دون أن يمكنوا عموم الجمهور المتتبع من مقاسمتهم عمق قناعاتهم وجوهر أفكارهم وتصوراتهم للتاريخ وتمثلاتهم للمستقبل، تم ينهون تجاربهم في السياسة والحياة، دون أثر مكتوب يخلد لمرورهم العابر، سواء في صنف الكتابة السياسية لحظة ممارستهم وفعلهم اليومي، أو في سجل المذكرات واليوميات، لحظة الانتهاء من تمرين التورط المباشر في العمل السياسي.
في المجمل يصح القول إيجازا، إِنّ الكِتَابَ كاستراتيجية للفاعلين السياسيين، ليس كائنا مغربيا .
المصدر : جريدة اليوم 24