بقلم : حسن طارق
من كثرة الإحباطات التي عاشها المغاربة مع الحكومات المتعاقبة، لم تعد آمالهم عريضة، ولا انتظاراتهم عالية السقف. أصبحوا يطلبون أمورا يسيرة ممن يجلس على كرسي رئاسة الحكومة، لأنهم يعرفون، أكثر من غيرهم، خريطة الإكراهات السياسية والمالية والإدارية التي تحيط بالسياسيين، لكنهم يعرفون أكثر طبيعة نظامهم الذي لا يسمح بتغييرات عميقة وإصلاحات جوهرية نظرا إلى طابعه التقليداني، ونظرا إلى ثقافة الفاعلين المحافظة، لهذا يرفعون شعار: «ظهر الحمار قصير».
حاولنا في ملف نهاية الأسبوع في هذا العدد استطلاع رأي نخبة من الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والثقافيين والحقوقيين والاجتماعيين، لمعرفة أولوياتهم وانتظاراتهم من عبد الإله بنكيران، ومشروع حكومته الثانية. هذه عينة من الأجوبة بتعليقات خفيفة من كاتب هذه السطور…
إسماعيل العلوي، القيادي الاشتراكي ووزير الفلاحة السابق، يطلب من بنكيران الاهتمام بالتنمية في العالم القروي، وعدم التركيز فقط على الفلاحة التصديرية التي في المخطط الأخضر، وإهمال الفلاحة التضامنية التي يعيش منها ثلاثة أرباع الفلاحين. هذا صوت يجب الاستماع إليه، وخاصة في مجال الفلاحة والعالم القروي، لأنه، من جهة، صاحب خبرة، ومن جهة أخرى، لا مصلحة ذاتية له تحجب عنه الرؤية، وبالتالي، فإن تقييما مستعجلا للمخطط الأخضر يفرض نفسه اليوم قبل الغد، لنعرف أين صرفت المليارات من الدولارات التي أكلها هذا المخطط.
امحمد الخليفة، القيادي الاستقلالي، ينصح بنكيران بالتخلي عن قاموس التماسيح والعفاريت، وأن يسمي الأشياء بمسمياتها مهما كان الثمن. مولاي امحمد أخذ مسافة من السياسة الضيقة، وأصبحت له رؤية أعمق وأشمل للمشهد السياسي، فلا خاب من استشاره.
كريم التازي، رجل الأعمال المتمرد، ينبه بنكيران إلى العراقيل الإدارية والبيروقراطية التي تعيق الاستثمار. على بنكيران أن يخلق خطا مباشرا مع المستثمرين للتبليغ عن المشاريع المتوقفة، في انتظار إصلاح إداري عميق، مع أن التازي متشائم من قدرة الحكومة المقبلة على بلورة استراتيجية مندمجة للإقلاع الاقتصادي. التازي يتكلم من تجربة ومعاناة مع مصالح الإدارة الضريبية، ولهذا يجب الإنصات إليه، وعلى بنكيران أن يفكر في إقامة خلية اتصال مع المستثمرين يومي السبت والأحد اللذين كان يشتغل فيهما كمعارض في الحكومة الأولى.
النقيب عبد الرحمان بنعمرو، السياسي والحقوقي المجرب، يؤكد أن أولوية الأولويات، بالنسبة إلى الحكومة المقبلة، هي ضمان سيادة القانون، وإلزام أجهزة الدولة باحترام القانون، وتنفيذ الأحكام التي تصدر عن القضاء. لا بأس أن يعين رئيس الحكومة مستشارا في ديوانه المقبل، مكلفا بالشؤون القانونية والحقوقية، يضعه في صورة ما يجري في هذا الحقل المليء بالألغام.
نوبير الأموي، الوجه النقابي المعروف، لا ينتظر شيئا من حكومة بنكيران، فهو يشعر بخيبة أمل كبيرة، ويشعر بأن الناس لم يعودوا يثقون في أجد، بما في ذلك النقابات، ولا يرى مخرجا سوى بإجراء نقد ذاتي من قبل الجميع، حكومة ونقابات وأحزابا… هذا أفضل شيء يقوله الأموي الآن: «النقد الذاتي»، وحبذا لو يذهب إلى النهاية في هذا النقد.. (الفاهم يفهم). على الأقل الأموي مازال يتمتع بشيء من المصداقية، فقد اعترف بالفشل، أما مخاريق، الذي دعا شعبه إلى التصويت العقابي ضد أحزاب الحكومة، فإنه لم يجد أي حرج في القول إن دعوته لاقت نجاحا كبيرا! باز.
أما محمد الناجي، الباحث السوسيولوجي الذي يعالج السياسة بإبر صينية مؤلمة، فقد ذهب بعيدا في رسم الأولويات، وقال إن الأغلبية الشعبية عبرت بتصويتها للبيجيدي عن الرغبة العارمة في التغيير الديمقراطي العميق، ومدخله محاربة الفساد ودمقرطة القرار. من فمك إلى أّذن بنكيران الذي يجب أن يقرأ جيدا نتائج الاقتراع، وأن يحمي الإرادة الشعبية مهما كانت الضغوطات، فهذه فرصة لن تتكرر.
الأستاذ عبد المغيث تريدانو يرى أن أولوية الأولويات هي إنقاذ التعليم العمومي، ويرى أن الحل الناجع ليس في يد المجلس الأعلى للتعليم، بل في يد الحكومة، لأن المشكلة سياسية وتتطلب حلولا سياسية. هذا المقترح يعني أن الحكومة المقبلة عليها أن تسترد حقيبة التعليم من يد التقنوقراط، وألا تغلق عقلها في مجال التعليم وتعطي المفاتيح للمستشار الملكي عمر عازيمان.
الشاب يوسف بلال يقول لبنكيران: «كن وفيا لروح الدستور، ومارس صلاحياتك كاملة، وابحث عن كيفية خلق 300 ألف منصب شغل، وضمان نسبة نمو في حدود 5٪ على الأقل».. بدون تعليق.
المؤرخ المعطي منجب ذكر بنكيران بشيء اسمه التأويل الديمقراطي للدستور، وقال: «لا بد من إعادة النظر في وضعية وزارة الداخلية حتى لا تبقى هذه الوزارة فوق الحكومة، والحل هو فصل ما هو أمني عما هو تنموي في عمل الداخلية، وإبعاد الجماعات المحلية عن سلطة الإدارة الترابية. الأولوية الثانية، بالنسبة إلى منجب، هي إعادة النظر في النظام الانتخابي لتصبح الانتخابات صانعة للتغيير، وتسهيل حصول الحزب الأول على الأغلبية لكي يتحمل المسؤولية كاملة. منجب يقول عادة ما يتجنب الكثيرون قوله لأنهم يحسبون المواقف بدقة آلة الحساب، لهذا يجب الاستماع إليه وإلى أمثاله. إصلاح النظام الانتخابي ورش يجب فتحه، وهو الجزء المتبقي من دستور 2011 غير المكتوب.
محمد سبيلا، المفكر المعروف، قال إن الأولوية هي تجاوز عقدة 1٪، أي تخصيص نسبة 1٪ من الميزانية العامة للثقافة. هذا أمر يجب أن ينتهي، وتنتهي معه النظرة الدونية إلى الثقافة، فالتحولات الجارية، وتطور وسائل الإعلام تجعل من الثقافة أولوية ملحة.. صدقت أستاذ، الذي يرى أن فاتورة الثقافة مكلفة عليه أن يطل على فاتورة الجهل.
الباحث الشاب إبراهيم اسعيدي ينبه بنكيران إلى ضرورة الاهتمام بإصلاح الأجهزة الأمنية، وتقوية الرقابة على عملها (رقابة إدارية وتشريعية وقضائية). فمثلا، الحكومة مسؤولة عن حماية التظاهر السلمي الذي لا تعترف به الأجهزة الأمنية الآن. إصلاح أجهزة الأمن وإبعادها عن السياسة جزء أساسي من الانتقال الديمقراطي. هذا كلام منطقي، فلا بأس من بداية اقتراب الحكومة من هذا الملف، ولو تحت شعار ناعم اسمه «الحكامة الأمنية» وهي واحدة من توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة.
أحمد عصيد يقترح على الحكومة المقبلة إعادة إدخال رزمة من القوانين إلى فرن البرلمان لتعديلها بما ينسجم مع روح الدستور، وحماية الحريات والاعتراف بالتعددية، ومن ذلك: «القوانين المتعلقة بهيئة المناصفة ومحاربة الميز ومحاربة العنف ضد النساء، وقانون تشغيل القاصرات، وقانون الصحافة، والقانون الجنائي، والقانون المتعلق بترسيم الأمازيغية». عصيد يضع يده على نقطة ضعف كبيرة كانت تطبع عمل الحكومة السابقة، وهي عدم تدقيق نصوص القانون بقلم حقوقي وديمقراطي، وتدخل الحكومة لجعل فرق الأغلبية أدوات للتصويت وليست للتشريع.
سلوى القرقري بلقزيز تقترح، كامرأة للأعمال، على بنكيران، أولا، الإسراع في تشكيل الحكومة، ووضع حد للانتظارية التي تشل الاقتصاد. ثانيا، لا بد من إفساح المكان لوزير للاقتصاد الرقمي في حكومة بنكيران لتحسين مناخ الأعمال، والحفاظ على الكفاءات المغربية التي أصبحت تحت أنظار الشركات العالمية، وزير للاقتصاد الرقمي سيكون هدية بنكيران لشباب الديجيتال.
خديجة الرياضي، الحقوقية الأولى في المملكة، لا تنتظر شيئا من هذه الحكومة ولا من أي حكومة مقبلة، ببساطة لأن حكومات الشمس هذه محكومة، في نظرها، من قبل حكومات الظل التي تتحكم في مصائر البلاد والعباد ولا تخضع للمحاسبة ولا للمراقبة، وعليه، فإن الرياضي خارج لعبة الانتظارات هذه رفقة عائشة الشنا التي قالت للصحافيين الذين اتصلوا بها لمعرفة رأيها في أولويات الحكومة: «أرجوكم، كفوا عن طرح مثل هذه الأسئلة. إنها فعلا تثير أعصابي. هذه الحكومة لم يسبق أن منحتنا درهما واحدا، ولا حاولت الدفاع عن الأمهات العازبات»…
للإنسان فم واحد وأذنان، وهذه حكمة الخالق لجعل الإنسان ينصت أكثر مما يتكلم.