أول أمس، أمام البرلمان، وبمناسبة وقفة احتجاجية نسائية للتضامن مع “سيليا” وكل معتقلي حراك الريف، ولأن المناسبة شرط، فقد كان لا بد للقمع أن ينفتح قليلا على مقاربة النوع، لكي تصيب التدخلات الأمنية – غير المتناسبة والعنيفة وغير المبررة كالعادة- العديد من المشاركات في الوقفة، اللواتي تعرضن للضرب والتنكيل والتعنيف في مناطق حساسة تفعيلا لمبادئ المناصفة!
طريقة التدخل الأمني، كانت تحمل جرعة زائدة في أسلوبها وشكلها.
وفي السياق نفسه، وتعزيزا لمنطق دمقرطة القمع، أبدت السلطات الأمنية استهجانها لما يُعرف في العالم بأسره بضمان احترام أنشطة المدافعين عن حقوق الإنسان، لذلك نال كل من المحامي والجامعي والحقوقي ومستشار اليوسفي السابق، عبدالعزيز النويضي، والحقوقي والمؤرخ المعطي منجب، والرئيس السابق للجمعية المغربية لحقوق الإنسان عبدالحميد أمين، نصيبهم الوافر من التعنيف والصفع والركل والشتائم.
ما وقع، من شدة وضوحه، في الحقيقة، لا يحتمل رواية أخرى، ولا بلاغا جديدا للمديرية العامة للأمن الوطني. ما وقع هو اعتداء سافر على مواطنين مغاربة، وعلى أبسط حقوق الإنسان.
طبعا، ومرة أخرى، فالعصا الغليظة للقمع حملت، كذلك، رسائلها السياسية المباشرة، إن على مستوى الاستهداف أو التوقيت، حيث الاعتداء على المسؤولين الحقوقيين، فضلا عما يحيل عليه من سطوة للجهاز الأمني، هو كذلك تتفيه – بأثر رجعي – لمبادرة السيد وزير الدولة مصطفى الرميد بالاجتماع والتداول مع نشطاء حركة حقوق الإنسان حول تدبير الحراك.
وفي الخلاصة، فالأمر هنا مجرد تذكير طبعا، بأن الجواب الأمني هو وحده الثابت القار، و”الأكبر” في معالجة ملف حراك الريف .
كيف لا، وهو القادر على نسف كل مؤشرات التفاعل السياسي مع الملف، انطلاقا من بلاغ المجلس الوزاري الذي تلته أحداث العيد الأسود بالحسيمة، وصولا إلى ما وقع في وقفة أول أمس السبت، مرورا طبعا بالمحو الميداني السريع الذي تعرضت له، كذلك، الإشارات الواردة في الخرجة الإعلامية للسيد رئيس الحكومة.
يريد الأمنيون، القول بأنهم الشكل الوحيد للتدبير السياسي لهذا الملف، وبأن مقاربتهم هي العرض الأكثر جدية في التجاوب مع الطلب الاجتماعي والسياسي والحقوقي لتداعيات الحراك.
كنا نعتقد بأن ولوج زمن الحكامة الأمنية، قد يعني ضمن ما يعنيه تسييسا للأمن، بالمعنى الذي يجعل من أداء قطاع الأمن موضوعا للنقاش العام، ويجعل من سياساته وممارساته موضوعا للمسؤولية أمام البرلمان.
لكن يبدو عوضا عن ذلك أننا نسير بثقة نحو “أمننة السياسة”.
مسؤولو الأمن الوطني، لا يجب أن يمثلوا أمام ممثلي الأمة، فهيبة الدولة لا تقبل مساءلة نواب الشعب!
ومسؤولو الأمن الوطني، لا يجب أن يكونوا موضوعا لتقرير مهني للمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان .
وأكثر من ذلك، فهم على ما يبدو، يضيقون ذرعا حتى بأبسط قواعد تراتبية المسؤولية الإدارية والسياسية التي تجعل من المؤسسة الأمنية تشتغل – مبدئيا – تحت إشراف وزارة الداخلية والحكومة. لذلك، فعوض الاقتصار على سقف التواصل المؤسساتي والمهني مع الرأي العام، حولوا الأمن الوطني – فيما يشبه هواية جديدة – إلى منصة للتواصل السياسي المسترسل والمباشر مع الجميع، بما في ذلك ما قد يعتبر محاولة للتأثير على القضاء، أو ما قد يقرأ كنوع من التعالي “في العلاقة مع مؤسسات ذات وظيفة دستورية”، مثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان.