بقلم : رشيد مشقاقة
خشي قاضي مصر زمنا أن يوقع العقاب على شخصية نافذة أخطأت، وخشي أيضا إن هو عطّل حكم القضاء أن يتندر بجريرته المتندرون، فأشار بسبابته إلى رجل يعبر الساحة قائلا: نفذوا حكم الإعدام عليه، لا ينبغي أن تظل الأحكام القضائية حبيسة الرفوف، يجب أن تنفذ ولو على من لم يأت جُرْمًا!!
ولو عاش ذلك القاضي الفكاهي إلى زمننا هذا، لعاين عن كثب كيف تأصلت نظريته في العقاب، وانتصر لها من نفخت فيه روح الشجاعة والجرأة والوقاحة!!
ولشاهد كيف نقوى على دك الحائط القصير، ومحاسبة الفاعل المعنوي، وهجاء الثقاة، ودس الداء في الدّسم للأصحاء!!
في لقطة مثيرة للفنان أحمد حلمي من فيلم “زكي شان”، يكشف أن سائق سيارة الأجرة الذي اصطدم بعربته قوي البنيان، بارز العضلات، فينهال على الراكب بالسب والشتم والتعنيف قائلا:
ـ لماذا تسير بسرعة جنونية؟ أين حزام السلامة؟ أين التأمين؟ فيحار الراكب في أمْره!
أمثال زكي شان الذي صنع من نفسه بطلا بالصور الخادعة واستِئْجَار ضحاياه يؤثَث فضاءاتنا اليوم، فلا يخلو أي قطاع من البطولات الخشبية التي تغمض الأعين عن أصْل الداء وتزمجر في وجه العاجزين المغلوبين على أمرهم !!
تتجه سهام النقد عندنا إلى من لا له في الطور ولا في الطحين، فهو إمّا جهة تنفيذية لا حول له ولا قوة، أو غريق لا يخشى من البلل، أو رجل تقي نقي عاجز تمام العجز عن فعل أي شيء، لا يكاد ينبس بِبِنْتِ شفَةٍ حتى تتلبد من حوله السماء!!
في هذا المرتع الخصب، يصنع زكي شان من نفسه شخصية كارطونية من فصيل الكراكيز تتحرك بخيوط خفية قوية توجهها حيث تَشَاء، فينبهر بها الأطفال في معرض التسلية، والبسطاء من القوم الذين تم تجريف أدمغتهم بانتظام!
يملك زكي شان عصا سحرية وخاتم سليمان وطائرة أبي العباس بن الفرناس لإيجاد البديل السياسي والاجتماعي والثقافي في ما يراه فاسدا والقائمون عليه مفسدون، وله من الدهاء والمكر والذكاء ما يقوى به على وضع قدميه على أرض صلبة ظرفياً حسب الطقس والمناخ، فدوام الحال من المحال. فلا يجد حرجا في استبدال صديق اليوم بعدو الأمس، وعدو الأمس بصديق اليوم، وهكذا دواليك!!
يشبه زكي شان ذلك المَاكر الذي ادعى النبوة، فلّما مثل أمام الخليفة سأله:
ـ ما هي معجزتك؟
أجاب الرجل:
ــ إنني أُحْيِي الموتى، هذا الوزير القوي الذي بجانبك أستطيع أن أميته وأحييه في الحين!
فارتعدت فرائصُ الوزير وصاح مبايعا:
ـ اسمع يا هذا. أنت نبي، وأنا أول من آمن بك وصدّق!
هكذا يصنع السُّعَاةُ من زكي شان بطلا، وهكذا يصنع منهم زبناء في عقد تبادلي مسمى. وهو ما جسده الممثل أحمد حلمي باقتدار، فعندما خشي بطش سائق سيارة الأجرة القوي، أشبع الراكب المسكين لوما وتقريعا وتعنيفاً في ما لا يد له فيه.
كذلك عندما هجا الحطيئة الناس بناء على طلب، انتهى به المشوار إلى أن يهجو نفسه قائلا:
أَرَى ِلي وَجْهاً قبَّحَ الله خَلْقَه فَشُوّهَ مِنْ وَجْهٍ وَشُوِّهَ حَامِلُهُ
ولله فِي خلقه شؤون!!!