بقلم : رشيد مشقاقة
في ذلك الصباح، رن جرس الهاتف بمكتبي، فإذا بصوت كاتب المجلس الأعلى للقضاء يقول: ـ “وزير العدل غاضب. أنت أجريت حوارا مع جريدة وطنية تنتقد فيه مدونة الأسرة، والوزير يَمْنَع ذلك. يقول هناك تعليمات ملكية في الموضوع، والأشخاص الذين لهم الحق في ذلك محددون سلفا. وكي أرفع عنك الأذى، أُطْلُب الإذن بتاريخ سابق”!
أقفل الخط، ومن يومها وحفلات الزار والطبل والمزمار والفرق النحاسية ترافق فتوحات مدونة الأسرة. في شهر فبراير من كل سنة يلقي شعراء غزل عمر بن ربيعة والمَديح قصائدهم بسوق عكاظ. وترفع إلى السدة العالية بالله تقارير حول النجاحات التي حققتها!!
ثم جاءت كلمة الحق في الخطاب الملكي ليوم الجمعة 14 أكتوبر 2016 في افتتاح الدورة الأولى من النسخة التشريعية الأولى من الولاية العاشرة لِيقُول الملك: “بعد مرور أكثر من 12 سنة على إصلاح هذا الإصلاح المجتمعي، هناك من لا يعرف لحد الآن مضمون هذا القانون، وما له من حقوق وما عليه من واجبات، وخاصة في أوساط المغاربة بالخارج. لذا ندعو الحكومة وكافة المؤسسات المعنية الإدارية والقضائية، لحسن تفعليه، ومواصلة التوعية بمضامينه، ومواكبته بالإصلاح والتحسين، لتجاوز المشاكل التي أبانت عنها التجربة والممارسة”.
فلماذا إذن، كنا نَكْذِبُ لأكثر عقد من الزمن؟ ولماذا لم نقل للملك:
ـ إننا نعيش مغرب المُطَلِّقات، وإن الحصول على التطليق للشقاق أسهل من تناول كأس شاي على رصيف مقهى، وأن محاكم الاستئناف عاجزة عن إصلاح ذات بين المتفارقين رغم إلحاح هؤلاء على ذلك!
ـ لماذا لم نقل للملك إن محكمة النقض لا سلطان لها أبدا على مناقشة موضوع الطلاق؟
ـ لماذا لم نقل للملك إن الأزواج لا يتابعون مسطرة تنفيذ أحكام التطليق النهائية، ويلدون دون مراجعة المحاكم في الموضوع !؟
ـ لماذا لم نقل للملك إن هناك أخطاء شكلية وجوهرية في أحكام التطليق النهائية لا تستطيع محاكم الاستئناف تداركها!؟
ـ لماذا لم نقل للملك إن الزوجات يفاجأن ببطلان عقود زواجهن تلقائيا!؟
ـ لماذا لم نقل للملك إن أقسام قضاء الأسرة ليس بينها رابط معلوماتي لمعرفة واقع المرتفقين بها، فرقم ملف الزواج الذي يفترض أن يكون كرقم البطاقة الوطنية يكشف هوية الأشخاص غير مفعل تماما!؟
ـ لماذا لم نقل للملك إن الفتاة الرشيدة البارة بوالديها تتزوج بإذنهما رغم إعفائها بنص القانون، فلا يعقل أن تذهب البنت عازبة صباحا لتعود متزوجة مساء!؟
ـ لماذا لم نقل للملك إن هناك اضطرابا واضحا في ملاءمة أحكام النفقة بأحكام سكن المحضون بأحكام الحضانة!؟
ـ لماذا لم نقل للملك إن مسطرة التعدد عرفت تجْريفًا أفقدها معناها عندما قالت محكمة النقض: لم يعد هناك مجال للحديث عن المبرر الموضوعي الاستثنائي مَتَى عاشرت الزوجة الثانية زوجها معاشرة الأزواج، فدخل التعدد من النافدة بدل الباب!؟
ـ لماذا لم نقل للملك إن أحكام النسب وثبوت الزوجية تعرف اضطرابا؟
ـ لماذا لم نقل إن معيار الكفاءة والاختيار الحسن في إسناد المهام التوثيقية خارج المغرب مغيب تماما، وإن المتهافتين يجرون جري الوحوش لاقتناص هذه المناصب!؟
ـ لماذا لم نقل إن شمول الأحكام القضائية الأجنبية بالصيغة التنفيذية يعرف تعثرا ملحوظا؟
ـ لماذا لم نقل للملك إن محكمة النقض أصبحت تجتهد في ما فيه نص صريح لضمان استقرار الأسرة المغربية؟
ـ لماذا تَتَسَلْطَنُ مادة التطليق للشقاق على باقي المواد الأخرى. في الوقت الذي تخبرنا جريدة الأهرام أن في فرنسا الدولة العلمانية يتزوج الموتى، فإذا مات الخاطب أو المخطوبة أو هما معا قبل عقد الزواج، يواصل أحدهما أو ذَويهما إجراءات توثيقيه، لأن الزواج عندهم هو زواج الأرواح، ونحن عندنا هو زواج المتعة الجنسية الحلال واقتسام الثروات!؟
ـ لماذا لم نقل الحقيقة، وراكمنا هذه القنبلة الموقوتة التي تهدد الأسرة المغربية؟
وزير العدل الذي كمّم الأفواه زمنا، وأجهض مشروعا ثقافيا فكريا بدأته المحكمة الابتدائية بالرماني التي أصدرت ست مجلات وعقدت الأيام الدراسية والندوات الفكرية، وشارك قضاتها النشيطون في مختلف التظاهرات العلمية، وزارت الوفُودُ الأوروبية قسم القضاء بها وترجمت مجلاتها، يَقُول لِصفيِّه وخليله: “هَداكْ رَاسُو سخون يريد أن يؤسس نقابة، غادي نَوْرِّيه شكون أنا”.
اسمع من قَبْرِك، الآن ملك البلاد يقول كلمة حق: “إن المواطنين يشتكون من الشطط في استعمال السلطة والنفوذ”، وقد مَارَسْتَ عليّ وعلى القضاة الشطط بديوانك. فبِئْسَ المصير!!