لماذا يفشل كل شيء

لماذا يفشل كل شيء..؟!

المغرب اليوم -

لماذا يفشل كل شيء

عبد الله الدامون

أسوأ ما يمكن أن يحدث هو أن تتحول سياسة تدبير الشأن العام إلى حقل تجارب، والأكثر سوءا عندما تتحول التجارب من استعمال الفئران إلى استعمال البشر، وفوق كل هذا السوء عندما يتحول الشعب إلى كائنات أسوأ حظا من فئران التجارب. في أجمل بلد في العالم، والجميع يعرف، طبعا، من هذا البلد، يجرّبون فينا أشياء كثيرة، وفي النهاية لا يصرحون لنا بنتائج التجارب، لسبب بسيط هو أنها تفشل كلها، لكنهم يعمدون دائما إلى تنبيهنا بأنه من قلة الأدب النظر فقط إلى النصف الفارغ من الكأس عوض النظر إلى النصف الممتلئ، مع أن الكوب لا توجد فيه قطرة ماء. أكبر تجربة نخضع لها، اليوم، هي تجربة حكومة يسمونها حكومة بنكيران، مع أن بنكيران نفسه يعترف بأنها ليست حكومته، بل هو رجل يقوم فقط بتصريف الأوامر، وفي النهاية سيعيدونه إلى بيته بتقاعد مريح مثلما فعلوا من قبل مع تجربة مماثلة اسمها حكومة عبد الرحمن اليوسفي. لكن، مثلما تفشل الأشياء الكبيرة في هذه البلاد فإن التفاصيل تتضمن أعدادا هائلة من نماذج الفشل، فشل ابتدأ مع الأيام الأولى للاستقلال، واستمر يجر ذيوله بيننا إلى حدود اليوم، والسبب واحد لا غير، هو أن الشعب يتحول إلى فئران تجارب، شعب يملك حقا واحدا: حق التصويت في الانتخابات على الأحزاب الفاسدة!
في حياة أي شعب قطاع مصيري اسمه التعليم، لكن هذا القطاع خضع لتجارب أسوأ بكثير من التجارب التي تخضع لها الفئران، وصارت أجيال عديدة من المغاربة خاضعة لمختلف أشكال التلاعب في ماضيها وحاضرها ومستقبلها وهويتها، وها نحن بعد كل هذه العقود مما يسمى الاستقلال، لا نعرف اللغة التي سنعتمدها في التعليم، مع أن الواقع يقول إن الفرنسية هي «لالّة مولاتي» في كل مناحي الحياة في هذه البلاد. يقال، أيضا، إنه إذا أردت أن تنظر إلى مدى تقدم أو تأخر شعب فانظر إلى مدارسه ومستشفياته، وها هي مستشفياتنا العمومية لا تزال مثل الحظائر، والفساد فيها يغني ويرقص، والناس يدخلونها كما يدخلون المقابر، وفي النهاية اكتشفنا أن الحل هو المستشفيات الخاصة، كما فعلنا مع التعليم، لكن الفساد العمومي هو نفسه الفساد الخاص، كل ما هنالك أنه يستبدل الجلباب بالبذلة وربطة العنق. ربما لم يوجد شعب في العالم خضع لكل هذه التجارب الحمقاء مثلما تم في المغرب. والغريب أن بلدانا تحولت بشكل جذري من الشيوعية إلى الرأسمالية أو من الدولة الدينية إلى الدولة المدنية وفعلت ذلك بسلاسة وبدون ارتجاجات في المخ، بينما المغاربة أصبحوا يحسون وكأن «بُويا عْمر» الحقيقي هو الذي يحيط بهم من وجدة إلى الكْويرة. السياسات والخطط في القطاعات الحساسة بالمغرب فشلت، بما فيها خطط جمع القمامة، وعندما تفشل السياسات الرسمية يتم خلق بدائل لها فتفشل أيضا، فيكون الفشل مضاعفا مائة مرة، وفوق هذا وذاك تذهب سدى الكثير من أرزاق هذا الشعب. أبرز مظاهر الفشل الاجتماعي هو ما ظهر في تلك السياسة البديلة والهجينة التي اسمها «المبادرة الوطنية للتنمية البشرية»، والتي عوض أن تزرع التنمية في البلاد كرست مظاهر الفساد ونشرت ثقافة السرقة على أوسع مستوى واغتنى من ورائها الكثير من اللصوص، بل علمت الناس العاديين كيف يسرقون، مثل قروية قبضت مائة ألف درهم كي تقيم مشروعا بسيطا للماعز الحلوب، فبنت على الفور طابقا إضافيا فوق منزلها، ثم صارت تكتري معزتين بخمسمائة درهم في كل معرض فلاحي وتتظاهر بأن مشروعها قائم وناجح، أو قروي حصل على دعم لإقامة معصرة لزيت الزيتون، وعوض اقتناء المعصرة اقتنى زوجة ثانية ثم صار يشتري زيت زيتون جاهز كي يشارك به في إطار ما يسمى «مظاهر نجاح المبادرة في المعارض الفلاحية».. وهكذا دواليك دواليك.. في أهم قطاع اقتصادي تعول عليه الدولة المغربية، وهو القطاع الفلاحي، بقينا عشرات السنين نفخر ببناء السدود وتطوير الزراعة، وفي النهاية نرتعب لمجرد بضعة أسابيع من تأخر الأمطار، ومع ذلك لا نزال نرفض الاعتراف بأننا فشلنا في هذا المجال. فشلنا حتى في تدبير قطاعات حيوية بسيطة، وبعد ستين عاما من استقلالنا العجيب استنجدنا بفرنسا كي تعود إلينا وتفرض علينا حمايتها في قطاعي الماء والكهرباء وتجميع النفايات، ثم نترجاها بأن تمنحنا مناهجها التعليمية وتبيعنا القطار السريع وأشياء كثيرة أخرى، إلى حد صرنا لا نفهم لماذا خرجت أصلا، هذا إن كانت خرجت فعلا!  فشلنا في تحرير إعلامنا وتطوير إداراتنا وانهزمنا بالضربة القاضية أمام الفساد والرشوة ولا نزال نتبجح بالتطور، بينما نتأمل امرأة حاملا محمولة على تابوت لكي يعبرون بها الوادي نحو مستوصف بعيد كي تلد مثلما تلد بقرة، أو أسوأ.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا يفشل كل شيء لماذا يفشل كل شيء



GMT 17:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 16:02 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 16:00 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 15:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

GMT 15:54 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

GMT 15:53 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 15:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

وجع فى رأس إسرائيل

GMT 15:47 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حكم «الجنائية» وتوابعه

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 10:10 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شروط المملكة المغربية لإعادة علاقاتها مع إيران
المغرب اليوم - شروط المملكة المغربية لإعادة علاقاتها مع إيران

GMT 18:36 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
المغرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 01:49 2019 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

المغربية عزيزة جلال تعود للغناء بعد توقف دام 30 عامًا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib