تيفيناغ ليس قرآنا

تيفيناغ ليس قرآنا!

المغرب اليوم -

تيفيناغ ليس قرآنا

جمال بودومة
بقلم: جمال بودومة

أسكَاس أمباركي. سنة سعيدة لكل الأحرار. رغم أننا وصلنا إلى 2970 بالتاريخ الأمازيغي، فإن الطريق مازال طويلا أمام «الأمازيغية» كي تصبح لغة رسمية، في الواقع وليس فقط، على الورق. من يتأمل الأشواط التي قطعناها منذ خطاب أجدير عام 2001، يجد أن الانطلاقة كانت واعدة وأن القافلة عبرت محطات مهمة: الدولة اعترفت بها كمكون أساسي للهوية المغربية،  وأسست معهدا ملكيا للثقافة الأمازيغية، وأدخلتها إلى وسائل الإعلام، وأقرتها لغة رسمية في الدستور… لكن إدماجها في المدارس تعثر، وتداولها في المجال العمومي محدود، وبدل أن يتعلمها مزيد من المغاربة أصبح من يعرفها لا يستطيع فك خطوطها، بسبب اعتماد «تيفيناغ» بدل الأبجدية العربية أو اللاتينية، وهو خيار من الحكمة أن نعيد فيه النظر، رغم أن مثل هذا الكلام يزعج الكثيرين. لا شك أن «حمار الشيخ وقف في العقبة»، بسبب «تيفيناغ». وعلى ذكر الشيخ، لا يسعني إلا أن أعبر عن تضامني مع الشيخ بيد الله، الذي يتعرض لحملة شعواء، هذه الأيام، من بعض المتعصبين، فقط لأنه قال في حوار صحافي إن الأمازيغية «لو كتبت بالحرف العربي لكان سيسهل على جميع الأوساط المغربية تعلمها، وخصوصا الأطفال». يبدو أن قضية الحرف الأمازيغي أصبحت من «الطابوهات» التي يُستحسن عدم الاقتراب منها. بمجرد ما تقول إن اعتماد تيفيناغ ساهم في إعاقة انتشار الأمازيغية، وأخّر إدماجها في البرامج التربوية، يخرج لك سرب من الموتورين، ليس لمناقشتك أو دحض حججك، بل لمصادرة حقك في التعبير والتفكير، والتحريض عليك أحيانا، لأن «تيفيناغ اختيار ملكي وليس من حق أحد أن يعيد فيه النظر من جديد»، حسب زعمهم، بل هناك من يطالب بتحريك النيابة العامة ضدك، لأنك «متمرد على قرارات أمير المؤمنين». بإمكانك أن تنتقد أي بند في الدستور وأن تطالب بالتراجع عنه، وبإمكانك أن تدعو إلى تحويل المغرب إلى فدرالية، لكنك لا تستطيع أن تتحدث عن خط تيفيناغ ولا أن تقيم حصيلة سنوات من استخدامه. هذا حالنا في 2970!

لنكن واقعيين، «تيفيناغ» ليس «خربشات رعاة»، بل أبجدية قديمة وأنيقة، اعتمدها أجدادنا للتواصل قبل قرون، وتستحق أن نفتخر بها وأن نعتني بها كتراث مغربي ثمين، لكن إحياءها يتطلب جهدا مضاعفا، والرهان عليها لحمل الثقافة الأمازيغية في بلد ناطق بالعربية، خطأ في التقدير. يكفي أن نتأمل الوضع بعد خمسة عشر عاما كي نقف على الحصيلة السريالية: أسماء الإدارات والوزارات والطرقات مكتوبة بالأمازيغية، لكن لا أحد يستطيع قراءتها، باستثناء قلة قليلة من «الخبراء».
جمال بدومة يكتب: تيفيناغ ليس قرآنا!2020-01-15 12:260 تعليقجمال بدومةجمال بدومة
جمال بدومة يكتب: تيفيناغ ليس قرآنا!جمال بودومة يكتب: «بيعة» و «شرية» !
أسكَاس أمباركي. سنة سعيدة لكل الأحرار. رغم أننا وصلنا إلى 2970 بالتاريخ الأمازيغي، فإن الطريق مازال طويلا أمام «الأمازيغية» كي تصبح لغة رسمية، في الواقع وليس فقط، على الورق. من يتأمل الأشواط التي قطعناها منذ خطاب أجدير عام 2001، يجد أن الانطلاقة كانت واعدة وأن القافلة عبرت محطات مهمة: الدولة اعترفت بها كمكون أساسي للهوية المغربية،  وأسست معهدا ملكيا للثقافة الأمازيغية، وأدخلتها إلى وسائل الإعلام، وأقرتها لغة رسمية في الدستور… لكن إدماجها في المدارس تعثر، وتداولها في المجال العمومي محدود، وبدل أن يتعلمها مزيد من المغاربة أصبح من يعرفها لا يستطيع فك خطوطها، بسبب اعتماد «تيفيناغ» بدل الأبجدية العربية أو اللاتينية، وهو خيار من الحكمة أن نعيد فيه النظر، رغم أن مثل هذا الكلام يزعج الكثيرين. لا شك أن «حمار الشيخ وقف في العقبة»، بسبب «تيفيناغ». وعلى ذكر الشيخ، لا يسعني إلا أن أعبر عن تضامني مع الشيخ بيد الله، الذي يتعرض لحملة شعواء، هذه الأيام، من بعض المتعصبين، فقط لأنه قال في حوار صحافي إن الأمازيغية «لو كتبت بالحرف العربي لكان سيسهل على جميع الأوساط المغربية تعلمها، وخصوصا الأطفال». يبدو أن قضية الحرف الأمازيغي أصبحت من «الطابوهات» التي يُستحسن عدم الاقتراب منها. بمجرد ما تقول إن اعتماد تيفيناغ ساهم في إعاقة انتشار الأمازيغية، وأخّر إدماجها في البرامج التربوية، يخرج لك سرب من الموتورين، ليس لمناقشتك أو دحض حججك، بل لمصادرة حقك في التعبير والتفكير، والتحريض عليك أحيانا، لأن «تيفيناغ اختيار ملكي وليس من حق أحد أن يعيد فيه النظر من جديد»، حسب زعمهم، بل هناك من يطالب بتحريك النيابة العامة ضدك، لأنك «متمرد على قرارات أمير المؤمنين». بإمكانك أن تنتقد أي بند في الدستور وأن تطالب بالتراجع عنه، وبإمكانك أن تدعو إلى تحويل المغرب إلى فدرالية، لكنك لا تستطيع أن تتحدث عن خط تيفيناغ ولا أن تقيم حصيلة سنوات من استخدامه. هذا حالنا في 2970!

لنكن واقعيين، «تيفيناغ» ليس «خربشات رعاة»، بل أبجدية قديمة وأنيقة، اعتمدها أجدادنا للتواصل قبل قرون، وتستحق أن نفتخر بها وأن نعتني بها كتراث مغربي ثمين، لكن إحياءها يتطلب جهدا مضاعفا، والرهان عليها لحمل الثقافة الأمازيغية في بلد ناطق بالعربية، خطأ في التقدير. يكفي أن نتأمل الوضع بعد خمسة عشر عاما كي نقف على الحصيلة السريالية: أسماء الإدارات والوزارات والطرقات مكتوبة بالأمازيغية، لكن لا أحد يستطيع قراءتها، باستثناء قلة قليلة من «الخبراء».


 
المغرب ليس البلد الوحيد الذي توجد فيه لغات متعددة. في فرنسا، حتى بداية القرن العشرين، كانت هناك لغات أخرى تتعايش مع الفرنسية. في الجنوب الغربي، مثلا، كان الناس يتحدثون «البروفونسال» أو «الاوكسيتان» أو «اللانغ دوك» ويكتبونها. بل إن أديبا فرنسيا كبيرا اسمه فريديريك ميسترال فاز بجائزة نوبل للآداب، عام 1904، عن مؤلفاته التي كان يكتبها بـ»البروفونسال». وكان مثقفا كبيرا، ساهم في إشعاع وتحصين ثقافة أجداده. عمله الشعري «ميراي» يعد اليوم من علامات الأدب الإنساني، كما يعتبر «معجم اللغة البروفونسالية» مرجعا أساسيا للتعرف على هذه اللغة الثرية. اللغة تتقدم بالإبداع العظيم، لا بالجدل العقيم، وميسترال كان يكتب «البروفونسال» بالحرف اللاتيني. علما أنها كانت تكتب بحروف أخرى، قبل مجيء الرومان، وانتشار اللاتينية. لكنه اختار الأبجدية الأقرب إلى الفرنسية. اللغة تحمل الثقافة والحضارة والفكر، ويستحسن أن تكون عنصر وحدة، لا سببا للتفرقة.

مشكلة الحرف الأمازيغي حساسة، وتثير كثيرا من الجدل، والكثيرون يعتبرون ان النقاش حولها قد أقفل، لكن «الأغبياء وحدهم لا يغيرون الرأي»، خصوصا أن التجربة أثبتت بالملموس ان «تيفيناغ» لا يخدم انتشار الأمازيغية بقدر ما يفيد عددا محدودا من «الخبراء»، الذين يحتكرون «المعرفة»، ويهيمنون على أي شيء له علاقة بالأمازيغية، التي يفترض أنها «رصيد مشترك لجميع المغاربة بدون استثناء» كما جاء في الفصل الخامس من الدستور. أحيانا، يبدو الرجوع إلى الوراء مكلفا لكن الاستمرار في الخطأ يكلف أكثر!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تيفيناغ ليس قرآنا تيفيناغ ليس قرآنا



GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

GMT 21:28 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

«هي لأ مش هي»!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 18:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حماس تعلن مقتل رهينة بقصف إسرائيلي شمالي غزة
المغرب اليوم - حماس تعلن مقتل رهينة بقصف إسرائيلي شمالي غزة

GMT 18:36 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
المغرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 18:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
المغرب اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 02:37 2024 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الأسهم الأوروبية تنهي تداولات الأسبوع على انخفاض طفيف

GMT 03:49 2024 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

كيف يمكن إحلال 40 مليار دولار واردات سنوية من مجموعة بريكس

GMT 21:29 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

الدولار عند أعلى مستوى في شهرين ونصف والين يتراجع

GMT 01:10 2024 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

بعض دول الـ«بريكس» لها مؤشرات اقتصادية عالية

GMT 02:26 2024 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

ارتفاع الاحتياطي النقدي المصري 279% في 10 سنوات

GMT 02:41 2016 الأحد ,07 شباط / فبراير

دبي تطلق مشروع أكبر مكتبة في العالم العربي

GMT 03:05 2019 الخميس ,21 شباط / فبراير

ساندي تُبدي سعادتها بدورها في فيلم "عيش حياتك"

GMT 00:30 2018 الثلاثاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

عبد الحق الخيام يلقي نظرة الوداع على والدته

GMT 15:43 2015 الأربعاء ,14 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار سيارة بيجو 301 في المغرب

GMT 02:03 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

بالوتيلي يقود نيس للفوز على ديغون ومهدد بعقوبة مشددة

GMT 17:36 2024 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

بسمة وهبة تتعرض لهجوم حاد بعد حضورها عزاء والدة لطيفة

GMT 14:13 2019 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

داري يُنقل إلى مصحة خاصة لتشخيص إصابته
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib