“ليالي العصفورية”
وقوع زلزال شدته 5.1 درجة على مقياس ريختر قبالة ساحل محافظة أومورى شمال اليابان حزب الله يُعلن تنفيذ هجومًا جويّا بسربٍ من المُسيّرات الانقضاضيّة على قاعدة شراغا شمال مدينة عكا المُحتلّة استشهاد 40 شخصاً جراء مجزرة اتكبتها ميليشيات الدعم السريع بقرية بوسط السودان المرصد السوري لحقوق الإنسان يُعلن استشهاد 4 من فصائل موالية لإيران في غارة إسرائيلية على مدينة تدمر وزارة الصحة في غزة تعلن ارتفاعاً جديداً لحصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي على القطاع منذ السابع من أكتوبر 2023 إغلاق سفارات الولايات المتحدة وإيطاليا واليونان في أوكرانيا خوفاً من غارة روسية منظمة الصحة العالمية تُؤكد أن 13 % من جميع المستشفيات في لبنان توقفت عملياتها أو تقلصت خدماتهاالطبية في القطاع الصحة في غزة تؤكد أن الاحتلال الإسرائيلي أعدم أكثر من 1000 عامل من الكوادر الطبية في القطاع عطل فنى يُؤخر رحلات شركة الخطوط الجوية البريطانية في أنحاء أوروبا وزارة الصحة اللبنانية تُعلن سقوط 3544 شهيداً و 15036 مصاباً منذ بداية العدوان الإسرائيلي على البلاد
أخر الأخبار

“ليالي العصفورية”

المغرب اليوم -

“ليالي العصفورية”

بقلم - جمال بودومة

إذا مررت من معرض الكتاب في الدار البيضاء، توقف قليلا عند رواق “دار الآداب”، ولا تتردد في شراء آخر روايات واسيني الأعرج: “مي، ليالي إيزيس كوبيا- ثلاثمئة ليلة وليلة في جحيم العصفورية”… لن تندم، رغم أن الندم موجود بوفرة بين ثنايا الكتاب. مي زيادة، وردة الأدب العربي في بداية القرن العشرين، تذبل بين صفحات الرواية وتأكل أظافرها حسرة، لأنها تركت الأحاسيس تقودها وسط الغابة التي تسمى “الحياة”، بدل تحكيم العقل، والانتباه إلى الذئاب التي تتربص بامرأة متحررة في ليل الشرق البهيم. استيقظت ذات صباح ووجدتهم جردوها من كل شيء، حتى من عقلها، وأدخلوها إلى مستشفى المجانين، لأن ذكاءها جَرح كبرياءهم، وأنوثتها خدشت ذكورتهم!
الذئب الأكبر اسمه جوزيف زيادة، ابن عمها الذي أحبته وضحك عليها. استغل ضعفها بعدما فقدت والديها، واحدا تلو الآخر، وجعلها توقع وثيقة تنازل عن كل ما تملك، ثم أرسلها إلى “العصفورية”، النسخة اللبنانية من “برشيد”. أما الكتاب والمثقفون والمفكرون، الذين ظلوا يرتادون صالونها الشهير في القاهرة، فقد تصرفوا معها مثل بنات آوى. نكتشف أن العقاد والرافعي وطه حسين وسلامة موسى… شخصيات مصابة بالانفصام، تسقط عنها الأقنعة. الميدالية الذهبية للعقاد الذي كان يشتهيها ويغار من جبران خليل جبران، الحبيب البعيد الذي ربطته بمي علاقة أفلاطونية، لم تتجاوز حدود المراسلة، وانضاف موته (1931) إلى رحيل والديها (1929 و1932)، كي يدخلها في كآبة حادة، جعلتها فريسة سهلة للاحتيال، وحين تعرضت للغدر وأدخلت مستشفى المجانين، لم يتردد مؤلف “سارة” في نهش لحمها مع الناهشين!
الرواية تقتفي أثر مخطوط حقيقي، حكت فيه الكاتبة التي وقعت باكورة أعمالها باسم “إيزيس كوبيا”، معاناتها في المصحة العقلية، وسمته “ليالي العصفورية”. لم يعثر عليه أحد، ولا يُعرف مصيره. واسيني الأعرج ينجز عملا خطيرا: يكتب المخطوط الضائع، يعيد صياغته كلمة كلمة، جملة جملة، زفرة زفرة، في سرد يقطع الأنفاس. نكاد نصدق ياسين الأبيض، محقق المخطوط، الذي لم يترك بلدة لم يزرها بحثا عن “ليالي العصفورية”، رفقة صديقته روز خليل، الأستاذة في جامعة مونريال. من القاهرة إلى الناصرة، مرورا ببيروت والقرى الصغيرة التي عاشت فيها صاحبة “ابتسامات ودموع”. في النهاية، نكاد نصدق أن إيزيس كوبيا هي من كتبت المخطوط. على امتداد 280 صفحة نتابع وردة الحداثة العربية وهي تذبل، إلى أن تسلم الروح إلى باريها في مستشفى “المعادي” بالقاهرة. ورغم شهرتها وصالوناتها وصداقاتها، لم يمش في جنازتها إلا ثلاثة من الأوفياء، لطفي السيد وخليل مطران وأنطوان الجميل…
نجح واسيني في استعادة محنة مي، في أيامها الأخيرة، مع الجحود وظلم ذوي القربى. جعل منها نسخة عربية من كاميي كلوديل، وربط بين النحاتة والكاتبة من خلال مراسلات مؤثرة بين ضحية رودان في فرنسا وضحية جوزيف في لبنان. في الإنسان وحش واحد، والكثير من الحب والمرارة والخذلان.
جزائري يكتب مأساة مشرقية. واسيني أتقن “الخدعة”، وكدت شخصيا أصدق أن المخطوط حقيقي، لولا أن هناك لفظا مغرقا في المحلية فضح “اللعبة” في الصفحة 159: “كأنهم طلبة تخصص طب، في حالة تربص، إذ بدت لي الكثير من أسئلتهم سخيفة وغبية”. يصعب أن نتخيل كاتبة لبنانية في الثلاثينيات من القرن الماضي تستعمل لفظة “تربص” كمرادف لـ”التدريب” أو “Le stage”… مع ذلك، استطاع صاحب “البيت الأندلسي” أن يشطب الحدود بين الشرق والغرب، ويكتب بلغة سلسلة وعفوية، تزاوج بين المحكية اللبنانية والفصحى والفرنسية أحيانا، وحقق الأهم: جعلنا نفهم لماذا أخطأ العرب موعدهم مع “الحداثة”، ونحن نتابع المصير المأساوي لأيقونة الأدب العربي في النصف الأول من القرن العشرين، الكتّاب الذين يتبجحون بالثورة على التقاليد، وتحطيم الموروث، وتحرير المرأة، لا يترددون في التعامل مع مبدعة رقيقة بمنتهى النذالة والخسة والانتهازية. شخصيات مصابة بالانفصام يعريها الروائي على لسان مَي زيادة. إنها “الحداثة النفعية”، بتعبير واسيني، التي يروّجون لها مادامت تنفعهم، وبمجرد ما تصطدم مع مصالحهم يستيقظ فيهم الرجل التقليدي بعباءته وعمامته ورجعيته. الرواية تؤكد، أيضا، أن الصحافة العربية لم تغادر المستنقع إلا نادرا، إذ تنافست جرائد الحقبة في التشهير بالكاتبة ونسج الأساطير حول “جنونها”، دون أن تتجشم عناء التقصي، باستثناء جريدة “المكشوف” التي آمنت بقضية صاحبة “كتاب المساواة” ودافعت عنها حتى النهاية، مثلما وقف معها الكاتب أمين الريحاني بصدق وشهامة، في وقت خذلها معظم المثقفين المصريين، الذين كان لها ارتباط وثيق بهم لأنها عاشت في مصر وحصلت على جنسيتها أيام كانت القاهرة فعلا قاهرة!
عندما تفرغ من قراءة “ليالي إيزيس كوبيا”، اعطها لطفلك أو أخيك الأصغر، لعله يكتشف أخيرا أن مي زيادة ليست مجرد مدرسة أو إعدادية مجاورة، وربما عرف بالمناسبة أن “مَي” تنطق بالفتحة وليس بالشدة والكسرة على الميم: “مَيْ” زيادة وليس “مِّي” زيادة… لأنها لم تكن أما لأحد!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

“ليالي العصفورية” “ليالي العصفورية”



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 07:39 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
المغرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 08:04 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
المغرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 09:49 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
المغرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 09:10 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
المغرب اليوم -

GMT 20:49 2019 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

دراسة حديثة تبيّن تهديد أمراض السمنة المفرطة لكوكب الأرض

GMT 02:25 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

مديرة صندوق النقد أسعار السلع المرتفعة ستستمر لفترة

GMT 16:15 2023 الأحد ,22 تشرين الأول / أكتوبر

المغربي نصير مزراوي يواصل الغياب عن "بايرن ميونخ"

GMT 04:58 2023 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

وقوع زلزال بقوة 5.3 درجة على مقياس ريختر جنوب غرب إيران

GMT 10:06 2023 الثلاثاء ,27 حزيران / يونيو

المغرب يسعى لاستيراد ما يصل إلى 2.5 مليون طن من القمح

GMT 07:08 2023 الأحد ,15 كانون الثاني / يناير

أفكار لتجديد ديكور المنزل بتكلفة قليلة

GMT 07:17 2023 الأربعاء ,04 كانون الثاني / يناير

كاليفورنيا تتأهّب لمواجهة عاصفة مطرية عاتية و "وحشيّة"

GMT 07:44 2022 الأربعاء ,05 تشرين الأول / أكتوبر

مكياج كلاسيكي لعروس موسم خريف 2022

GMT 14:16 2021 الجمعة ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

أبل تطلق خاصية جديدة تسمح لك بإصلاح أجهزة "آيفون" بنفسك
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib