«لا يُمْكن»

«لا يُمْكن»!

المغرب اليوم -

«لا يُمْكن»

جمال بودومة
بقلم - جمال بودومة

كان ميلود ذكيا مع موهبة خارقة في الحساب، لذلك كان أستاذ الرياضيات يفضله علينا جميعا، لأنه يجد حلولا سريعة للتمارين الطويلة التي نخصص لها الجزء الأخير من حصة «الماط» بعد الفراغ الدروس النظرية. بسبب سرعة بديهته، كان يحظى بشرف النهوض إلى السبورة، كي يحل التمرين الأسود بالطباشير الأبيض أمام أطفال تلمع عيونهم من الإعجاب والغيرة.  نباهة ميلود المبكرة كان يقابلها اضطراب واضح في السلوك. يمكن أن يغيب عن الدراسة أكثر من أسبوعين دون أن نعرف السبب، قبل أن يظهر مع امرأة عجوز، هي جدته، التي توصله إلى الفصل عقب كل انقطاع. رغم أنه لم يتجاوز الثالثة عشرة من العمر، فقد كان ميلود يدخن، ولم يكن ذلك مدهشا في تلك السنوات السريالية، كثير من الزملاء كانوا ينفثون دخان «كازا سبور» و»ماركيز» أمام أبواب الإعدادية، لعلهم يكبرون قبل الأوان، المدهش في الأمر أن جدته هي من كانت تشتري له السجائر عند صاحب العربة المرابضة أمام الإعدادية، بخلاف معظم التلاميذ الذين كانوا يدخنون وهم مرعوبون، مخافة أن تكتشف عائلاتهم ذلك!

كان ميلود غريب الأطوار، لكن علاماته المحترمة في الرياضيات تشفع له، وتجعله محط إعجاب وغيرة. مرة غاب طويلا، أكثر من ثلاثة أشهر، وحين عاد إلى القسم كنا قد تجاوزناه بعدة تمارين ومعادلات. في غيابه مررنا من المجموعة N إلى المجموعة Z . كالعادة، أوقفه المعلم أمام السبورة كي يحل أحد التمارين، وجد في النهاية 5 ناقص 9، فأجاب «لا يمكن»، ما جعلنا ننفجر ضاحكين، لأن «لا يمكن»، كان جوابا رائجا أيام الابتدائي وبدايات الإعدادي، تدل على أنك مازالت في المجموعة N، التي فرغنا منها منذ الدورة الأولى وكنا على مشارف الدورة الثالثة والمجموعة C. كانت تلك الحادثة إيذانا بنهاية مشواره الدراسي…

حاول ميلود تدارك تأخره، لكنه لم يستطع، ليس لنقص في الذكاء، بل لأنه اضطر مجددا إلى الغياب. كان ضمن العشرة الأوائل في الأولى إعدادي وبعد ثلاث سنوات صار في نهاية الترتيب. كان أستاذ الرياضيات متعاطفا معه إلى أقصى حد، دافع عنه في مجلس الأساتذة، ومع الإدارة كي لا يتم فصله، لأنه كان يملك حسًا أخلاقيا رفيعا، وكان يرى المادة الرمادية تضيع أمام عينيه، ويقول لميلود: مازال يمكن أن تتدارك التأخر، يكفي أن تبذل جهدا إضافيا بعد المدرسة، ويعطيه بعض الكتب كي يحل فيها التمارين… لكن ذلك لم ينفع، واختفى ميلود من الرادارات، لم نعد نراه بعدما غادر المدرسة نهائيًا…

مرت السنوات، كما في الأفلام السينمائية، والتقيته ذات صيف بالصدفة، أثناء زيارة إلى مسقط رأسي. كان يلبس سروالا عسكريا وبرودكان. لم تتغير ملامحه كثيرا. عرفته وعرفني بسرعة. ضحكنا ونحن نستحضر بعض الذكريات. أخبرني أنه صار عسكريا في الصحراء، وهو الآن في عطلة أو ما يعرف في المعجم العسكري بـ»البرمسيون». بعد أخذ ورد في الحديث فهمت منه أنه جاء لكي يطلق زوجته… سألته: لماذا؟ رد: لأنها تلد لي أبناء ويموتون. حين طلبت منه شرحا أكثر، قال متحسرا: الولد مات وعمره ثلاث سنوات، والبنت ماتت وعمرها سنة ونصف!

سألته: وما ذنب الزوجة؟ رد: بسببها يموتون؟ قلت له مستغربا: كيف؟

لم يجب. ألححت في السؤال: كيف مات الطفلان؟ ماذا قال الطبيب؟ رد بعدما نفث دخان سيجارته: ماتوا موتة الله.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«لا يُمْكن» «لا يُمْكن»



نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 08:38 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

ميلانيا ترامب تظهر بإطلالة بارزة ليلة فوز زوجها
المغرب اليوم - ميلانيا ترامب تظهر بإطلالة بارزة ليلة فوز زوجها

GMT 15:54 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

حورية فرغلي تكشف موقفاً محرجاً بعد عودتها إلى التمثيل
المغرب اليوم - حورية فرغلي تكشف موقفاً محرجاً بعد عودتها إلى التمثيل

GMT 10:33 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أستراليا تحظر السوشيال ميديا لمن دون 16 عاماً
المغرب اليوم - أستراليا تحظر السوشيال ميديا لمن دون 16 عاماً

GMT 17:36 2012 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

مجموعة للعناية بالشعر وتقويته

GMT 12:24 2018 الأربعاء ,25 إبريل / نيسان

أولمبيك آسفي يخطط لضم 4 لاعبين في الميركاتو

GMT 17:23 2016 الثلاثاء ,12 إبريل / نيسان

مشوار المنتخب السعودي في تصفيات كأس العالم 2018

GMT 02:35 2018 الإثنين ,05 شباط / فبراير

عفاف شعيب سيدة شعبية في مسلسل "فوق السحاب"

GMT 19:13 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

Jacob & Co"" تطرح مجموعة جديدة من المجوهرات الفاخرة

GMT 05:15 2018 الأربعاء ,24 كانون الثاني / يناير

موقع الواجهة البحرية في "رامسغيت" يتحول إلى إبداع فني

GMT 10:01 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

آخر الاتجاهات المميزة في عالم الموضة لعام 2018

GMT 05:26 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أبرز أسباب انتشار قشرة الشعر خلال موسم الشتاء

GMT 15:25 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

إيقاف لاعب كرة إكوادوري أربعة مواسم بسبب المنشطات

GMT 11:31 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

الاسباني فيليبي السادس يستعد لزيارة المملكة المغربية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib