كيف ينشأ الفرعون،، وكيف ينتهي

كيف ينشأ الفرعون،، وكيف ينتهي ؟

المغرب اليوم -

كيف ينشأ الفرعون،، وكيف ينتهي

احمد عصيد

كان الملك الحسن الثاني قد أشار في إحدى خطبه إلى ضرورة إقرار قانون يمنع المسؤولين عن المؤسسات العمومية من البقاء في مناصبهم لأكثر من أربع سنوات، لكنها فكرة لم تتحقق، من جهة لأن الكثيرين من المتحدث عنهم يشغلون مناصبهم بظهائر تصدر عن الملك نفسه، من جهة ثانية لأن الأمر لم يكن أكثر من غضبة من غضبات السلطان المعهودة على فلان أو علان، والتي سرعان ما تعود بعدها الأمور إلى ما كانت عليه من فساد واستبداد، وكأن الدولة لا يمكن أن تستمر بغيرهما.
اليوم تعرف مؤسسات الدولة كثيرا من الديناصورات والفراعنة، الذين يعطون عن أنفسهم صورة المسؤولين الخبراء المحنكين، في الوقت الذي ليسوا فيه أكثر من موظفين نسيهم الزمن ونسوا أدوارهم الأصلية، فأصبحوا من عثرات الدولة والمؤسسات.
لا يولد المرء فرعونا، بل قد يكون من أطيب الناس عند اقتعاده كرسي الرئاسة والمسؤولية، لكن يولد الفرعون داخله وينشأ بالتدريج بسبب توفر العوامل التالية، التي هي العوامل الطبيعية لنشأة الفراعنة:
1) يلعب عامل الزمن دورا محوريا حيث يجعل شخصية المسؤول تنتقل بالتدريج ـ ودون شعور من الشخص المعني ـ من الشخصية المحاورة المنفتحة المتقبلة للرأي والراغبة في الاستفادة من خبرات الآخرين، إلى شخصية متعجرفة متصلبة خشنة الطباع منفعلة بشكل يصل حدّ الفظاظة، ولهذا يلاحظ الناس على الفرعون كلما زادت مدة شغله لمنصبه أنه يتحول بالتدريج إلى شخص يعامل الناس المحيطين به باحتقار ظاهر، وكأنهم خدم في بيته، أو عبيد مملوكون له بالوراثة.
2) العامل الثاني أعوان السوء المحيطون بالفرعون الناشئ، وهم الذين يصورون له القبيح حسنا، والغلظة قوة، والإهانة تدبيرا ومهارة، والمقالب والخدع دهاء وذكاء، فيفقد الفرعون بالتدريج أخلاق الفضيلة، ويعتنق "الماكيافيلية" التي هي فنّ البقاء في المنصب، وعقيدة "الغاية تبرر الوسيلة" .
3) العامل الثالث أولائك المستعدون، بحكم تطبعهم بأخلاق "العبودية الإرادية"، أن يعرضوا خدماتهم على الفرعون حتى ولو اقتضى ذلك أن يطعنوا الجميع في ظهورهم.
4) العامل الرابع أن المكاسب المادية تعلم الفرعون أن الكرسي هو أولوية الأولويات، وليس الأهداف المعلنة للناس، ولهذا يعمل الفرعون ما بوسعه للحفاظ على موقعه، فيكثر بذلك ضحاياه.
5) العامل الخامس كراهية النقد والاعتقاد في الكمال، مما يجعل الفرعون يفاقم الأخطاء تلو الأخرى دون أن تظهر له أنها كذلك، حيث يقدم روايات مموهة عن كل واقعة، ينتهي دائما إلى تصديق صحتها هو نفسه، بعد أن يكون قد اصطنعها اصطناعا.
6) العامل السادس اعتماد التعليمات الشفوية والحرص على تجنب المكتوب، لأن هذا يمنحه إمكانية التملص من المسؤولية وتقديم أكباش الفداء من بين المحيطين به. وقد يصل في ذلك حد إنكار ما شهد الناس عليه جميعا، واعتبارهم ضحايا وهم جماعي.
7) العامل السابع السعي إلى زرع الفرقة بين العاملين تحت إمرته بتقريب الأتباع وإرشاء المريدين وإغرائهم بالمال والأعطيات، وخلق الشنآن من أجل مصادمة الناس بعضهم ببعض، حتى لا يتوحدوا ضدّه عند اتساع رقعة التذمر وتزايد الشكوى.
هكذا ينشأ الفرعون فكيف ينتهي ؟
تكون نهاية الفرعون سعيدة في النادر، مأساوية في الغالب، فإن هو أظهر التزلف والركوع لأولي الأمر غضوا عنه الطرف إلى حين، و إن تمادى في نزعته الفرعونية حتى يتشبه بأسياده عوقب بعد أن يضجّ الناس منه ويشتد لغطهم وشكواهم، فيعزله الحكام بسبب ما صار يمثله من تهديد للاستقرار وتشويش على خطاب الدولة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كيف ينشأ الفرعون،، وكيف ينتهي كيف ينشأ الفرعون،، وكيف ينتهي



GMT 12:25 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

عاش الإمام يقول

GMT 08:44 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

المُنقضي والمُرتجَى

GMT 08:42 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

«طوفان الأقصى» و«ردع العدوان»: إغلاق النقاش وفتحه...

GMT 08:39 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

عام ليس ككل الأعوام

GMT 08:38 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

استعادة ثورة السوريين عام 1925

GMT 08:35 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

2025... العالم بين التوقعات والتنبؤات

GMT 08:30 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

بشير الديك.. الكتابة على نار هادئة!!

GMT 08:28 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

كان عامًا كغيره

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 03:01 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الدفاع الجديدي يهزم حسنية أكادير

GMT 17:39 2024 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

إنستغرام تطلق تحسينات كبيرة على قنوات البث

GMT 03:53 2017 الإثنين ,04 كانون الأول / ديسمبر

فئات الرجاء البيضاوي العمرية تعيش وضعية مزرية

GMT 05:47 2019 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

الملكية البرلمانية

GMT 05:37 2019 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

أفضل الفنادق في فيينا ذات القيمة الجيدة

GMT 07:40 2019 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

إلينا سانكو تفوز بلقب "ملكة جمال روسيا" لعام 2019

GMT 04:53 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

مواطن عراقي يُغرّم شرطة المرور في أربيل 30 ألف دينار

GMT 11:35 2019 الإثنين ,07 كانون الثاني / يناير

فنانات سرقن أزواج زميلاتهن بعد توقيعهم في "شِبال الحب"

GMT 08:41 2018 الأربعاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

إليك أجمل التصاميم لطاولات غرف المعيشة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib