من الكيماوي إلى النووي الاكتفاء بنزع الأداة

من الكيماوي إلى النووي.. الاكتفاء بنزع الأداة

المغرب اليوم -

من الكيماوي إلى النووي الاكتفاء بنزع الأداة

مصطفى فحص


لم يتوقع رئيس النظام السوري بشار الأسد ومن يخطط له، أن تقتصر عقوبة نزيل البيت الأبيض باراك أوباما ضده، نتيجة استخدامه للسلاح الكيماوي ضد المواطنين السوريين في غوطة دمشق، على الاكتفاء بطلب تسليم سلاحه الكيماوي، مقابل التراجع عن القيام بعملية عسكرية، لم يكن قرار تنفيذها جديا، بعدما تمت إحالتها إلى الكونغرس للتصويت من أجل أخذ الموافقة عليها، لما توانى الأسد في استخدام الكيماوي بشكل كثيف وحاسم ضد شعبه.
القبول الدولي بقرار تسليم الأسد سلاحه الكيماوي مقابل إلغاء العمل العسكري ضده، سابقة غير مألوفة في قوانين العدالة الدولية في محاسبة مجرمي الحرب، خصوصا من يرتكبون إبادات جماعية. ولذلك فإن اكتفاء الرئيس الأميركي باراك أوباما ومن معه، ممن يسمى «المجتمع الدولي»، بنزع أداة الجريمة، والتغاضي عن محاسبة المجرم، فتح شهية الأسد، الذي أفلت من العقاب، على استخدام أقصى درجات العنف والقسوة ضد شعبه، وشجعه على ارتكاب المزيد من جرائم الحرب، فأمطر المدن السورية بالبراميل المتفجرة، التي لا يقل خطرها عن خطر الكيماوي. أما تيقنه من عدم جدية المجتمع الدولي في محاسبته فجعله يستقوي سياسيا على معارضيه، وبرفض كل الحلول السياسية المطروحة لحل الأزمة في سوريا.
حاليا، لا يختلف تعامل إدارة البيت الأبيض مع ملف إيران النووي عن تعاملها مع سلاح الأسد الكيماوي، فهي تركز على الأداة وليس على محركيها. فجل اهتمام وانشغال باراك أوباما وفريقه المفاوض في جنيف ولوزان، ينصب على التعطيل الميكانيكي المحدود للمنشآت النووية الإيرانية، وإقناع قادة النظام الإيراني بالموافقة على العرض الأميركي - الغربي، الذي لا يصل إلى مستوى إنهاء المشروع النووي الإيراني كليا، بل يحافظ على مستوى معين له، مما يسمح لإيران في أي لحظة مستقبلا، بإعادة تشغيله وتطويره، إذا اقتضت الحاجة، أو حتى إذا تيسر لها ما يكفي من حجج، تمكنها من التفلت من التعهدات التي قد تضطر لتقديمها لمجموعة دول (5+1) في الاتفاق المزمع التوصل إليه في القريب العاجل.
من جهتها، تكرر الولايات المتحدة تأكيداتها أمام منتقدي سياستها النووية مع إيران، وخصوصا الدول الإقليمية والعربية، التي يقلقها مشروع طهران الجيوسياسي، أكثر مما يقلقها مشروعها النووي، ذو البعد الاستراتيجي العسكري البدائي، بأن التفاوض مع إيران يقتصر على الملف النووي، ولا يتطرق إلى الوضع الإقليمي، وتدخلها في الشؤون العربية، وسياسة النفوذ والاستقطاب المذهبي التي تتبعها، وهذا فعليا التحدي الأخطر الذي يواجه دول المنطقة وشعوبها.
أما طهران التي احتلت سوريا وتسيطر على العراق وقسمت اليمن وتعطل لبنان، فتجتهد إلى حصر التفاوض بالشأن النووي فقط، لذلك هي على أتم الاستعداد للرضوخ أمام الشروط الدولية في ملفها النووي، وتأجيل البحث في ملفاتها الإقليمية، حتى تتمكن من فك عزلتها الاقتصادية والسياسية، وتعزز الثقة بينها وبين واشنطن بهدف انتزاع اعتراف أميركي بنفوذها الإقليمي مقابل تسليمها إدارة البيت الأبيض مفاتيح مشروعها النووي، الذي كلف الخزينة 160 مليار دولار.
ظاهريا يكرر باراك أوباما نفس الخطأ؛ يصادر أداة الجريمة ويطلق سراح المرتكب، يرسخ للمرة الثانية قواعد عدالة منقوصة، أول ارتداداتها مواجهة إقليمية مفتوحة مع مشروع نفوذ إيراني لا يقل خطورة على الأمن والاستقرار الدوليين من امتلاك قنبلة نووية.
أما باطنيا، فإن أوباما يكون قد أزاح من أمام إسرائيل عقبتين كانتا تشكلان قلقا لها؛ تخلصها من سلاح كيماوي سوري قد ينتقل إلى يد نظام ديمقراطي جديد غير مضمون لديها، والقضاء على احتمال ولو ضعيف جدا، بالوصول لمرحلة توازن رعب نووي بينها وبين طهران.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من الكيماوي إلى النووي الاكتفاء بنزع الأداة من الكيماوي إلى النووي الاكتفاء بنزع الأداة



GMT 10:34 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

بجعة سوداء

GMT 10:32 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تركيا في الامتحان السوري... كقوة اعتدال

GMT 10:31 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تنظير في الاقتصاد بلا نتائج!

GMT 10:29 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

لبنان... إلى أين؟

GMT 10:27 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط والشرع وجروح الأسدين

GMT 10:25 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

عن «شاهبندر الإخوان»... يوسف ندا

GMT 10:06 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

المثقف وزرقاء اليمامة وكناري المنجم

GMT 10:04 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تطابق من سبايك لى إلى هانى أبو أسعد!!

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

عمان - المغرب اليوم

GMT 15:56 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية المفضلة للشباب خلال عام 2024
المغرب اليوم - الوجهات السياحية المفضلة للشباب خلال عام 2024

GMT 03:18 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أحمد السقا يكشف موقفه من تمثيل ابنته ومفاجأة عن ولاد رزق
المغرب اليوم - أحمد السقا يكشف موقفه من تمثيل ابنته ومفاجأة عن ولاد رزق

GMT 17:41 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 08:33 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحوت الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 16:23 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 18:27 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ميداليتان للجزائر في الدورة المفتوحة للجيدو في دكار

GMT 17:40 2019 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

نجم ليفربول يشعل مواقع التواصل بمبادرة "غريزية" غير مسبوقة

GMT 14:14 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

متزوجة تعتدي على فتاة في مراكش بسبب سائح خليجي

GMT 10:41 2018 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

عروض فرقة الفلامنكو الأندلسية على مسرح دونيم الفرنسي

GMT 16:22 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

جدول أعمال مجلس الحكومة المغربية في 25 كانون الثاني
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib