نعم لقد تجرعنا السّم

نعم... لقد تجرعنا السّم

المغرب اليوم -

نعم لقد تجرعنا السّم

مصطفى فحص
بقلم : مصطفى فحص

قالها النائب التغييري إبراهيم منيمنة بشجاعته المعهودة، فهو من بين قلة من السياسيين الملتزمين بمواقفهم، ولكنه أثبت هو وزملاؤه التغييريون أنهم لا يترددون في ممارسة مرونة في بعض خياراتهم حتى لو تسببت بخسائر جانبية، بعضها معنوي وقد يترك قليلاً من آثاره السلبية على الفضاء العام للانتفاضة، فما بين الواقعية السياسية والمثالية الثورية اختار منيمنة وأغلبية زملائه التغييريين تجرع كأس السم والذهاب إلى خيار التصويت لمرشح «التقاطع» وزير المالية السابق جهاد أزعور مقابل مرشح الهيمنة الوزير السابق سليمان فرنجية.

كأس السّم هذه لم يتجرعها نواب «تشرين» وحدهم، فقد تجرّعها أيضاً جزء واسع من أحزاب ومجموعات «الانتفاضة» كون أزعور لا يمثل طموحاتهم، وتسبب باقترابهم من بعض أحزاب المعارضة التي عاملتهم بقسوة مرات عديدة وحاولت أن تكون وصية عليهم منذ دخولهم تحت قبة البرلمان مستغلة قلة خبرتهم السياسية وعدم قدرتهم على الانتظام الذي كان وراء شتاتهم من جهة وفقدانهم دورهم من جهة أخرى، لذلك من إيجابيات خيارهم الانتخابي أنه أعادهم إلى الواجهة كثقل انتخابي قادر على إحداث فارق حقيقي في الحياة السياسية اللبنانية.

بعد جلسة 14 يونيو (حزيران) لم يعد التغييريون حالة عابرة، فقد أثبتوا أنهم كتلة ناضجة أظهرت في لحظة تاريخية قدرتها على ممارسة السياسة من دون التخلي عن هويتها، حيث لم يكن خيارهم الانتخابي من أجل المساومة على مواقع أو مناصب أو من أجل الدخول في نظام المحاصصة، هذا الأداء في البرلمان يضع حداً لمن يعتقد أن في إمكانه استقطابهم ضمن خياراته من دون شروط، كما أنه يحميهم من الاتهام بالاصطفاف ضمن الانقسام العمودي بين قوة السلطة والمعارضة، وأن تقاطعهم مع بعض قوى السلطة بالرغم من قسوته وسلبياته لكنه لا يعني أنهم مستعدون لتجاوز أفعالهم السابقة، وأما قبولهم التعاون مع المعارضة فلا يعني بالضرورة الشراكة معها في كافة الخيارات، أما اختصار تصويتهم بالضد من فرنجية فلا يمكن حصره فقط بالموقف من «حزب الله» بل الوقوف بوجه محاولة إعادة تعويم المنظومة.

منذ ترشيح الوزير أزعور ضد الوزير فرنجية اختارت آلة «حزب الله» الدعائية تكثيف الهجوم على التغييريين، نواباً ومجموعات فاعلة، خصوصاً في جنوب لبنان، ووصلت عملية التحريض إلى تخوينهم واتهامهم مجدداً بالعمالة وبأنهم جزء من التآمر على «المقاومة». أزمة من استخدم فضيلة المقاومة من أجل فرض هيمنته على اللبنانيين الذين اختاروا المقاومة قبل عقود من ظهوره، أن دوافع التغييريين بالتصويت ضده ليست كيدية سياسية فقط، بل هي رد على مجاهرته بالعداء المبكر للانتفاضة التي اتهمها بأنها تُحرك من الخارج واتهم الجنوبيين منها بأنهم اتباع «السفارة»، فالذي حاول القضاء على الانتفاضة بمهدها، واستخدم فائض قوته من أجل الدفاع عن حفنة من السياسيين الفاسدين معتقداً أنهم حلفاء مخلصون تخلوا عنه عند أول مفترق طرق، يحصد الآن نتيجة ما فعله بوجه أبناء وأحفاد المقاومين الأوائل في الجنوب، الذين يتعرضون منذ الانتخابات النيابية وإلى الآن إلى التهويل والوعيد، فالناشط فراس حمدان الذي أصيب برصاص السلطة وانتخبه الجنوبيون ممثلاً لهم في الندوة البرلمانية ونشطاء في مجموعة «نبض الجنوب» و«عامية 17 تشرين» ونخب ثقافية واجتماعية يسارية وليبرالية ومدنية، كان لهم دور فاعل في إعادة العمل بالحد الأدنى من القواسم المشتركة بين التغييريين، لم يترك أمامه الثنائي إلا الاختيار ما بين السيئ والأسوأ، بسبب سوء ظنه بكل من يخالفه الرأي.

عملياً أثبتت المنازلة البرلمانية الأخيرة أمرين، الأول أن المنظومة لا تسقط بالضربة القاضية، لذلك فاللعب على تناقضاتها يساعد على تفكيكها، وهذا يحتاج إلى تدوير كثير من الزوايا ما بين المعارضة و«تشرين»، أما الأمر الثاني فهو عودة ظهور كتلة تغييرية قادرة على قلب المعادلة إذا استمرت في ممارسة هذا الأداء.

وعليه فإن محصلة الجلسة الـ14 واضحة للتغييريين فهي تعيد إلى أذهانهم مقولة: ننهض معاً أو نسقط فرادى.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نعم لقد تجرعنا السّم نعم لقد تجرعنا السّم



GMT 23:25 2024 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

قصة الراوي

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

بمناسبة المسرح: ذاكرة السعودية وتوثيقها

GMT 19:34 2024 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

لماذا نهتم بالانتخابات الأميركية؟

GMT 19:31 2024 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

تغريد دارغوث إذ ترسم ضد تسليع الكارثة

GMT 19:26 2024 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

مصر وحماس؟!

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 17:24 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

5 مدن ساحلية في إيطاليا لمحبي الهدوء والإسترخاء
المغرب اليوم - 5 مدن ساحلية في إيطاليا لمحبي الهدوء والإسترخاء

GMT 16:13 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

أفكار لتزيين واجهة المنزل المودرن والكلاسيكي
المغرب اليوم - أفكار لتزيين واجهة المنزل المودرن والكلاسيكي

GMT 13:16 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

التعرض إلى الضوء في الليل يُزيد من خطر زيادة الوزن
المغرب اليوم - التعرض إلى الضوء في الليل يُزيد من خطر زيادة الوزن

GMT 18:43 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

محمد إمام يتعاقد على فيلم جديد بعنوان "صقر وكناريا"
المغرب اليوم - محمد إمام يتعاقد على فيلم جديد بعنوان

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 13:06 2024 الإثنين ,02 أيلول / سبتمبر

إطلالات أيقونية لملكة الأناقة رانيا العبد الله

GMT 13:41 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib