حلب حيث تأخر الربيع

حلب.. حيث تأخر الربيع

المغرب اليوم -

حلب حيث تأخر الربيع

بقلم : مصطفى فحص

في الأول من ديسمبر (كانون الأول)٬ وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على وثيقة المبادئ التي ستتبناها موسكو عقيدة لها في السياسة الخارجية الجديدة٬ والتي نصت في واحد من بنودها على ضرورة احترام السيادة الوطنية للدول٬ ورفض أي محاولات ترمي للتدخل في شؤون أي بلد آخر يسعى لتغيير السلطة فيه بطرق غير قانونية٬ وهو البند الذي تستخدمه موسكو في تثبيت شرعية رأس النظام السوري بشار الأسد من جهة٬ ومن جهة أخرى من أجل تبرير حربها على المعارضة السورية٬ باعتبار أن كل من يحمل السلاح ضد السلطة الشرعية في دمشق خارج عن القانون٬ وهذا ما بدأ تطبيقه في حلب٬ حيث أعلنت الخارجية الروسية أن المسلحين الذين سيرفضون الخروج من أحياء حلب الشرقية سيتم التعامل معهم كإرهابيين.

هي حرب استباقية على إرادة الشعب السوري٬ استكملها مندوب روسيا الدائم في مجلس الأمن بعدما استخدم حق الفيتو بوجه القرار الأممي٬ الذي طالب كافة أطراف النزاع بوقف المعارك في مدينة حلب لمدة أسبوع٬ مبررا موقفه بالقول: «كنا نتوقع تحديد جدول زمني وممرات لانسحاب المقاتلين من شرق حلب».

تنسجم المواقف الروسية الأخيرة في المحافل الدولية مع وثيقة المبادئ التي وصفت بـ«الرؤية السياسية الخارجية لروسيا»٬ والتي اعتبرت أن الحوار مع الولايات المتحدة ممكن فقط على أساس المساواة واحترام المصالح المتبادل٬ وعدم التدخل في الشؤون الداخلية٬ فهي أعادت الطابع السوفياتي في المواجهة الروسية مع الغرب٬ خصوصا عندما ركزت على التداعيات السلبية لمحاولات الناتو الاقتراب من الحدود الروسية٬ التي يعتبرها الروس تهديدا مباشرا للأمن القومي.

تهديدات استغلها سيد الكرملين في السنوات الأخيرة في بناء شعبيته الداخلية٬ بغض النظر عن إمكانات بلاده وقدراتها٬ فيوما بعد يوم يؤكد بوتين على تمسكه بتطبيق النموذج السوفياتي في السياسة الدولية وحماية مصالح الأمن القومي الروسي. فبعد أكثر من عقدين على هزيمة أسلافه السوفيات٬ ورغم كل ما تمر به المؤسسات العسكرية والسياسية والاقتصادية الروسية من ضعف وتراجع٬ لم يتردد فلاديمير بوتين في تكرار تجربتهم التشيكوسلوفاكية في سوريا٬ باعتبارها الطريق المختصر والأقل تكلفة كي تستعيد روسيا مكانتها الدولية٬ حتى لو تعرضت حكومته لعقوبات شديدة أو اتهمت بممارسة جرائم ضد الإنسانية٬ ففي طريقه إلى احتلال حلب٬ نجحت روسيا في استثمار ترسانتها العسكرية التقليدية التي يمكن اعتبار بعض منها خردة سوفياتية٬ إذا ما قورنت بما تمتلكه الدول الغربية من تقنيات عسكرية حديثة ومتطورة٬ في فرض إرادتها على السياسة الدولية٬ حتى ولو شاهد العالم بأسره الإهانة التي تعرضت لها التكنولوجيا الروسية الجديدة بعد حادث تحطم طائرة السوخوي ٬33 وهي أحدث ما وصلت إليه التقنية الروسية٬ بعد فشلها في الهبوط فوق حاملة الطائرات الروسية الوحيدة٬ وهي الحادثة الثانية بعد فشل طائرة ميغ 29 منذ نحو الشهر في الهبوط أيضا وتحطمها فوق مياه المتوسط.

من الواضح أن روسيا المسكونة بهواجس العظمة السوفياتية استعانت بأرشيف من جهاز أمن الدولة السوفياتي٬ المعروف بـ«كي جي بي» من أجل إنهاء ما تعتبره تمرًدا سورًيا٬ يشبه إلى حد بعيد ما جرى في العاصمة التشيكوسلوفاكية براغ منتصف أغسطس (آب) ٬1968 عندما قامت القيادة السوفياتية بتنفيذ عملية «دوناي»٬ وهي الرمز السري لانطلاق عملية اجتياح تشيكوسلوفاكيا٬ حينها استعان السوفيات بدول حلف وارسو وحشدوا أكثر من ربع مليون جندي٬ حيث صرح حينها وزير الدفاع السوفياتي الماريشال أندريه غريتشكو بأن عملية التدخل العسكري ستنفذ حتى لو أفضت إلى نشوب حرب عالمية ثالثة٬ وفي التفاصيل أن قوات حلف وارسو أعطت كل الصلاحيات الميدانية للتعامل مع أي قطعة عسكرية موالية لحكومة براغ٬ فيما منعت من التعامل مع أي قوة للناتو تظهر في تشيكوسلوفاكيا دون الرجوع إلى القيادة.

المفارقة أن في أحداث براغ كان الاتحاد السوفياتي القوي يتجنب احتكاكا تصل تداعياته إلى حرب عالمية ثالثة٬ بينما روسيا الضعيفة استبدلت بحلف وارسو إيران٬ وميليشياتها تمارس سياسة حافة الهاوية التي لا تتحمل أدنى تقدير خاطئ من شأنه أن يشعل فتيل حرب عالمية ثالثة لن تسلم روسيا من نيرانها٬ فيما الغرب الذي وقف مكتوف الأيدي سنة ٬1968 يتجنب الآن أيضا استفزاز موسكو في حلب ٬2016 والمؤسف أن الثورة السورية ورغم كل التضحيات لن تنجح في إنتاج قائد من طراز دوبتشاك الذي قال عندما رأى دبابات السوفيات تدخل وسط براغ: «يمكنك أن تدوس الأزهار ولكنك لن تؤخر الربيع».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حلب حيث تأخر الربيع حلب حيث تأخر الربيع



GMT 22:27 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

تل أبيب ــ دمشق... سقوط الضمانات

GMT 11:49 2024 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

قاليباف... عن ثنائية الكيان والصيغة في لبنان

GMT 17:50 2024 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

ذاكرة لأسفارنا الأليمة

GMT 18:41 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

إيران... بين الثابت والمتحول داخلياً وخارجياً

GMT 17:46 2024 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

طهران ــ تل أبيب... مسار التصعيد

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

عمان - المغرب اليوم

GMT 15:56 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية المفضلة للشباب خلال عام 2024
المغرب اليوم - الوجهات السياحية المفضلة للشباب خلال عام 2024

GMT 03:18 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أحمد السقا يكشف موقفه من تمثيل ابنته ومفاجأة عن ولاد رزق
المغرب اليوم - أحمد السقا يكشف موقفه من تمثيل ابنته ومفاجأة عن ولاد رزق

GMT 17:41 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 08:33 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحوت الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 16:23 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 18:27 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ميداليتان للجزائر في الدورة المفتوحة للجيدو في دكار

GMT 17:40 2019 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

نجم ليفربول يشعل مواقع التواصل بمبادرة "غريزية" غير مسبوقة

GMT 14:14 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

متزوجة تعتدي على فتاة في مراكش بسبب سائح خليجي

GMT 10:41 2018 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

عروض فرقة الفلامنكو الأندلسية على مسرح دونيم الفرنسي

GMT 16:22 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

جدول أعمال مجلس الحكومة المغربية في 25 كانون الثاني
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib