الفضاء الإيراني المفتوح

الفضاء الإيراني المفتوح

المغرب اليوم -

الفضاء الإيراني المفتوح

بقلم - مصطفى فحص

في خطابه الأخير بمناسبة ما يسميه النظام الإيراني بيوم القدس العالمي الذي يقام دائماً في آخر يوم جمعة من شهر رمضان المبارك، كشف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عن معادلة جيوسياسية جديدة أوسع من إقليمية تنفذها إيران، مبنية على تجاهل السيادة الوطنية لعدة دول في أغلبها إما لديها حدود مشتركة مع إيران أو أنها تخضع لهيمنة طهران، ملوحاً بأن الدفاع عن وحدة المسار والمصير بين الأطراف التي تنتمي للنظام الإقليمي الإيراني الجديد لن تختصر فقط على الأنظمة الرسمية التي تنتمي لهذا المحور، بل جعل الميليشيات الطائفية متعددة الجنسيات التي تديرها طهران والتي لا تعترف بالحدود الرسمية بين الدول في صلب هذه المعادلة، حيث قال في إطار تهديده تل أبيب بحال قامت بشن حرب على لبنان أو سوريا إن «هناك دولاً قد لا تدخل بشكل مباشر، ولكن قد تفتح الأجواء لعشرات الآلاف بل مئات الآلاف من المجاهدين والمقاتلين من كل أنحاء العالم العربي والإسلامي، ليكونوا شركاء في هذه المعركة، من العراق ومن اليمن ومن إيران ومن أفغانستان ومن باكستان». 

كلام نصر الله هو ترجمة سياسية للواقع الميداني الذي يحاول قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني ترسيخه منذ الحرب على الثورة السورية، التي يجب الاعتراف دون مكابرة بأن الخطط الإيرانية لقمع الشعب السوري والسيطرة على القرار السياسي في دمشق قد نجحت جراء تخاذل إقليمي ودولي عن مساعدة السوريين، هذا النجاح سمح لطهران بالانقضاض على ما تبقى من سيادة في سوريا والعراق ولبنان بهدف الوصول إلى استراتيجية إسقاط الحدود الرسمية بينها لكي تتمكن من فرض امتدادها الجيوسياسي الذي يعزز حضورها الإقليمي، ضمن خطة توسعية في إطار مشروع دولة كبرى إقليمية، وانتزاع اعتراف دولي بما تعتبره حالياً مجالها الحيوي الذي بات يمتد من تخوم آسيا الوسطى مروراً بأفغانستان إلى العراق وسوريا ولبنان حتى اليمن، وتحويله إلى فضاء إيراني بصيغة عقائدية متماسكة ومترابطة ببعد مذهبي واحد، لن يكتب له النجاح إلا على حطام ما تبقى من كيانات سياسية والعبث بالعلاقات الاجتماعية والثقافية والإنسانية بين الجماعات الإثنية والعرقية والدينية في مناطق الشرق الأوسط الكبير.

ففي لحظة تشكل الفضاء الإيراني المفتوح تصبح فلسطين ومعها القدس ضرورة ملحة لخروج إيران من عزلتها القومية والمذهبية، فالمزايدة بالقضية الفلسطينية وسيلة تستغلها طهران عادة عندما يرتفع مستوى التوتر بينها وبين جيرانها العرب أصحاب القضية الأساسيين، فقد أدى تبني طهران المبكر للقضية الفلسطينية في مساعدتها على مواجهة التأثيرات السلبية لحربها مع العراق على علاقتها مع دول وشعوب المنطقة، ففي مواجهة المعادلة التي حاول صدام حسين ترسيخها في حرب الخليج الأولى أن العراقي العربي السني يواجه مشروع إيران التوسعي الفارسي، كانت فلسطين الرافعة التي استغلتها طهران من أجل التأسيس لمشروعها التوسعي، واختراق المجتمعات العربية المحبطة نتيجة الإخفاق العربي في مواجهة إسرائيل، إضافة إلى تراجع الدعم العربي لحركات المقاومة وهزيمة منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1982 في لبنان واحتلال بيروت.

ففي طريقها إلى بسط نفوذها، تستثمر طهران التناقضات العربية والتباينات الإقليمية والدولية حول معالجة قضايا المنطقة، لتوسع نفوذها الإقليمي بعناية وإصرار، تتكئ على استقطاب مذهبي مكنها مرحلياً من فرض إرادتها، فالباكستانيون والأفغان الشيعة هم الأداة التي فرضت على إسلام آباد مداراة طهران سياسياً، أما الحشد الشعبي العراقي فبات الذراع الأقوى الذي تحاصر به حكومة بغداد وتساوم به واشنطن في الموصل وتناكفها من خلاله في الرقة ودير الزور، فيما يضع حزب الله يده على العاصمة السورية دمشق، وفي ظل غياب استراتيجية أميركية لمواجهتها، وتمسك روسي في الشراكة معها، تواصل طهران أفعالها التوسعية في محاولة لفرض أمر واقع طويل الأمد، تحمي من خلاله مكاسبها، وتستقوي به على الداخل الإيراني المستاء جراء غرق نظامه المتزايد في تفاصيل المنطقة المليئة بالشياطين، تلك الشياطين التي جعلت الاتحاد السوفياتي يدفع ثمن طموحاته التوسعية، وينهار من الداخل ويتفكك، نتيجة إدارة فاشلة لقضايا الداخل الاقتصادية والاجتماعية وعداء عقائدي مع الخارج، وهو ما ينطبق الآن على النظام الإيراني المسكون بالقلق الدائم من محيطه، الذي تسيطر عليه هواجس مواجهة مع الخارج، وعداء مع الأغلبية العربية والإسلامية، التي وإن لم تتمكن من تقويض مشروعه فإنها قادرة وبقليل من الإمكانيات على فرض حالة دائمة من عدم الاستقرار فيما تسميه طهران المجال الحيوي الإيراني.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفضاء الإيراني المفتوح الفضاء الإيراني المفتوح



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

عمان - المغرب اليوم

GMT 15:56 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية المفضلة للشباب خلال عام 2024
المغرب اليوم - الوجهات السياحية المفضلة للشباب خلال عام 2024

GMT 03:18 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أحمد السقا يكشف موقفه من تمثيل ابنته ومفاجأة عن ولاد رزق
المغرب اليوم - أحمد السقا يكشف موقفه من تمثيل ابنته ومفاجأة عن ولاد رزق

GMT 17:41 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 08:33 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحوت الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 16:23 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 18:27 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ميداليتان للجزائر في الدورة المفتوحة للجيدو في دكار

GMT 17:40 2019 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

نجم ليفربول يشعل مواقع التواصل بمبادرة "غريزية" غير مسبوقة

GMT 14:14 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

متزوجة تعتدي على فتاة في مراكش بسبب سائح خليجي

GMT 10:41 2018 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

عروض فرقة الفلامنكو الأندلسية على مسرح دونيم الفرنسي

GMT 16:22 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

جدول أعمال مجلس الحكومة المغربية في 25 كانون الثاني

GMT 16:46 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

سقوط بالون طائر يحمل عددًا من السائحين في الأقصر

GMT 00:22 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

نيرمين الفقي تكشف سبب مشاركتها في مسلسل "أبوالعروسة"

GMT 02:12 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

سعر الدرهم المغربي مقابل الدولار الأميركي الثلاثاء

GMT 21:04 2017 الجمعة ,08 كانون الأول / ديسمبر

أولمبيك خريبكة يستعيد نغمة الانتصارات ويؤزم وضعية تطوان

GMT 13:54 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

بيتزا بيتي محشية الأطراف

GMT 19:50 2015 الأربعاء ,04 آذار/ مارس

10 أشياء غريبة يحبها الرجل في المرأة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib