ليس منع انتخاب رئيس للجمهورية سوى حلقة أساسية في المشروع الإيراني الذي يتولى تنفيذه 'حزب الله' على الأرض، عن سابق تصور وتصميم.
هناك إصرار لدى “حزب الله” على نشر البؤس في لبنان. أخيرا أكّد الحزب، الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني، بلسان نائب الأمين العام فيه الشيخ نعيم قاسم أنّه وراء الفراغ الرئاسي. قال قاسم بصراحة، ليست بعدها صراحة، أنّ الحزب مصرّ على هذا الفراغ في غياب القدرة على فرض مرشّح، معيّن تابع له، رئيسا للجمهورية. من الواضح أنّ إيران ترفض تكرار تجربة ميشال سليمان الذي أظهر في السنوات الست التي كان فيها رئيسا أنّه يؤمن بلبنان أوّلا، ويرفض أن يكون في خدمة المشروع الإيراني.
إضافة إلى ذلك، ليس تعطيل العمل الحكومي الذي يلجأ إليه الحزب، ومن خلفه إيران، عن طريق فريق معروف، سوى جزء من مشروع يندرج في سياق يفترض أن يكون واضحا لكلّ لبناني. يعرف كلّ مواطن في البلد أن تعطيل العمل الحكومي الذي يتولاه النائب المسيحي ميشال عون ليس سوى جزء من مشروع تعطيل البلد الذي يقف خلفه “حزب الله”، أي إيران.
لا حاجة إلى فتح دفاتر قديمة من بينها اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه قبل عشر سنوات. كذلك لا حاجة إلى التذكير بحرب صيف العام 2006 التي افتعلها الحزب من أجل تغطية تلك الجريمة والجرائم الأخرى التي تلتها، بدءا بسمير قصير، وصولا إلى محمد شطح.
لا حاجة للعودة إلى الاعتصام في وسط بيروت من أجل استكمال عملية التدمير الممنهجة للاقتصاد اللبناني التي باشرتها اسرائيل. أصرّت اسرائيل في العام 2006 على ضرب البنية التحتية اللبنانية. جاء الاعتصام في وسط بيروت، الذي استمر أشهرا عدّة، كجزء مكمل للعملية الإسرائيلية. وقد توّج الاعتصام بغزوة بيروت والجبل في مايو 2008 من أجل إخضاع لبنان لقرار طهران ليس إلا.
هناك انقلاب مستمرّ توّجه نعيم قاسم بكشفه أنّ الحزب يريد فرض ميشال عون رئيسا للجمهورية… وإلا سيستمر الفراغ الرئاسي “إلى أجل غير مسمى”.
كانت أحداث مخيّم نهر البارد في شمال لبنان حلقة من حلقات الانقلاب المستمرّ الذي يستهدف تعميم البؤس ونشر الفوضى والتطرّف. من يتذكّر من أين جاء شاكر العبسي الذي كان على رأس “فتح الإسلام”؟ جاء من سجن سوري وليس من مكان آخر. من يتذكّر كلام الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، وقتذاك، عن أن المخيّم الذي كان يخرج منه إرهابيون للاعتداء على الجيش اللبناني “خط أحمر”؟
يمكن إيراد عشرات الأمثلة عن الإصرار على تعطيل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في لبنان، وتفويت كلّ الفرص التي يمكن أن تعود بالخير على أبنائه وطرد العقول منه. ليس منع انتخاب رئيس للجمهورية سوى حلقة أساسية في المشروع الإيراني الذي يتولّى تنفيذه “حزب الله” على الأرض، عن سابق تصور وتصميم، مستعينا بغطاء من هنا، وآخر من هناك.
ليس أخطر على لبنان من عزله عن العرب في هذه المرحلة، ووضع كلّ العراقيل من أجل تكريس الفراغ الرئاسي. باشرت حكومة “حزب الله” برئاسة النائب السنّي نجيب ميقاتي عملية تهجير العرب من لبنان. أدت تلك الحكومة الدور المطلوب منها. الآن هناك من يؤدي الجزء الآخر من هذا الدور المطلوب الذي يصبّ في تكريس الفراغ الرئاسي، بما يرضي القيمين على المشروع الإيراني.
من يغوص في التفاصيل أكثر يتوقّف عند حال مطار رفيق الحريري الذي كان مفترضا أن يكون من بين أهمّ مطارات المنطقة والعالم. منذ اغتيال رفيق الحريري، لم يطرأ أي تطوير على المطار الذي كان يمكن أن يلعب دوره في خلق فرص عمل للبنانيين. منذ اغتيال رفيق الحريري، لا هدف من الإساءة إلى المطار، سوى تقديم صورة عن حال البؤس التي يعاني منها لبنان وشعبه.
لا حاجة إلى الاستشهاد بدور مطار إسطنبول ومشروع المطار الجديد للمدينة التركية. لا حاجة حتّى إلى السفر إلى عمّان من التأكّد من أهمية تطوير المطارات. ففي عمّان مطار جديد يعطي فكرة عمّا كان يمكن أن يكون عليه مطار بيروت.
الأكيد أن اللبناني يخجل من نفسه عندما يمرّ بمطار دبي، ويصاب بالذهول عندما يشاهد عملية تطوير مطار أبو ظبي. فمطار بيروت، بحاله الراهنة، يعكس رغبة واضحة في تحويل لبنان كلّه إلى بلد ميؤوس منه لا أكثر. المطلوب أن يكون المطار مَرفَقا لا يليق بلبنان واللبنانيين. المطلوب تذكيرهم، عبر المطار، بأيّام الحرب الأهلية وحروب الآخرين على أرض لبنان.
وسط كلّ ما نشهده من مآس، ما زال لبنان يقاوم. يقاوم اللبنانيون لأنّهم يعرفون أن نشر البؤس يستهدف كلّ فرد منهم، بغض النظر عن طائفته ومذهبه والمنطقة التي ينتمي إليها. يعرف اللبنانيون أكثر من غيرهم أن بلدهم مستهدف. يعرفون جيدا أن لبنان بعاصمته بيروت، كان يمكن أن يكون في ظل الظروف التي تمرّ بها المنطقة، أهمّ بكثير من إمارة موناكو التي ليس لديها ما تقدمه سوى موقعها المميز والأمان والخدمات.
لبنان مستهدف لأغراض لا علاقة لها باللبنانيين ومستقبل أبنائهم. هناك إصرار على إضاعة الفرص عليه، رغم الثروة البشرية التي يمتلكها. هناك مشروع واضح هدفه تدمير الوطن الصغير كي تسهل عملية وضع اليد عليه. هل من تفسير آخر لذلك الإصرار على الفراغ الرئاسي، وعلى التورّط في الحرب السورية وفي عزل لبنان عن العرب، خصوصا عن أهل الخليج، وفي تحويل مطاره إلى مطار لا يليق حتّى بقرية أوروبية؟
للعلم فقط، هناك مشروع مطروح لتوسيع مطار هيثرو في لندن. في أساس هذا المشروع بناء مدرّج ثالث للمطار. معارضو المشروع يتذرعون بالأضرار المرتبطة بالبيئة وبحلّ آخر قد يكون عمليا أكثر، يقوم على توسيع مطار لندني آخر هو غاتويك. من بين الأرقام التي يقدمها الداعون إلى بناء المدرج الثالث في مطار هيثرو أن ذلك سيوفّر مئة وعشرين ألف فرصة عمل جديدة، كما سيدر سنويا مئة مليار جنيه إسترليني على الاقتصاد البريطاني… في أقلّ تقدير.
أين لبنان مما يدور في العالم؟ أليس لدى إيران ما تقدّمه للبنانيين سوى الاستثمار في إثارة الغرائز المذهبية، ومزيد من التخلّف والإصرار على إضاعة كل الفرص التي تبرز أمام اللبنانيين… من أجل أن تغرق أكثر في وهم الدور الإقليمي؟