صمدت إدارة جو بايدن، على الرغم من أنّها تبدو في أحيان كثيرة إدارة متردّدة وحائرة. لم يحقّق الحزب الجمهوري الانتصار الكاسح الذي كان يحلم به في الانتخابات النصفية للكونغرس بمجلسيه، مجلس الشيوخ ومجلس النواب. لم تلحق هزيمة ساحقة ماحقة بإدارة جو بايدن.
ستكون للجمهوريين أكثرية في مجلس النواب (203 مقاعد في مقابل 187 مقعداً للديموقراطيين) بحسب آخر التقديرات.
لكن الأكثريّة في مجلس الشيوخ ستبقى، على الأرجح، في وضع المتأرجحة في ضوء فشل الجمهوريين في إزاحة مرشحي الحزب الديموقراطي في ولايات عدّة. حتّى لو استطاع الجمهوريون التقدّم في مجلس الشيوخ، فإنّ الأكثرية التي سيمتلكونها لن تزيد على صوت واحد أو صوتين، أي انّه لن تكون لديهم أكثريّة مريحة.
كان الجمهوريون، على رأسهم الرئيس السابق دونالد ترامب، يتوقعون نتائج تجعل من بايدن بمثابة بطّة عرجاء في السنتين المتبقيتين من عهده، لكنّ شيئاً من ذلك لم يحدث.
تبيّن أن المجتمع الأميركي ما زال يقاوم محاولات اليمين فرض قوانين متخلفة من نوع منع الإجهاض على سبيل المثال وليس الحصر.
انتصر الليبراليون في ولايات عدّة في الغرب وفي مناطق اخرى، بما في ذلك كاليفورنيا وبنسيلفانيا حيث رفض تام لكلّ ما له علاقة بالتزمت. سقط في بنسيلفانيا، التي تقع في محاذاة ولاية نيويورك، محمد أوز (من أصل تركي) مرشّح ترامب لعضوية مجلس الشيوخ في ما يعتبر هزيمة شخصيّة للرئيس السابق.
لن يتمكن الجمهوريون من فرض اجندتهم على إدارة بايدن. سيعرقلون إقرار بعض القوانين على الصعيد الداخلي، لكنّ السياسة الخارجيّة ستظلّ في يد المقيم في البيت الأبيض الذي سيكون عليه في المستقبل مواجهة تحديات كبيرة، خصوصا في ظلّ الحرب الأوكرانيّة وتداعياتها المرعبة على العالم كلّه.
لا يمكن الاستهانة بما تسببت به تلك الحرب التي شنّها فلاديمير بوتين الذي تبيّن أنّه يجهل كلّ شيء عن العالم وعن موقع روسيا في هذا العالم. يجهل انّ لا شهية لدى الشعب الروسي للحرب ويجهل أن بلاده، لا تستطيع دخول حرب طويلة في ضوء التخلف الذي يعاني منه سلاحها واقتصادها الذي هو دون حجم الاقتصاد الإيطالي.
استطاعت إدارة بايدن جرّ روسيا إلى حرب استنزاف في أوكرانيا. يعود ذلك إلى ممارستها دور قيادي جعل الرئيس فولوديمير زيلينسكي قادراً على مواجهة الإرهاب الذي مارسه بوتين على كل المستويات.
كان إرهاباً مرفوقاً بالابتزاز في مجال تزويد أوروبا بالغاز. اضطر الرئيس الروسي في نهاية المطاف إلى سحب قواته من خيرسون في الشرق الأوكراني حيث أجرت روسيا استفتاءات من أجل ضمّ قسم من الأراضي الأوكرانيّة إلى الاتحاد الروسي على غرار ما فعلته مع شبه جزيرة القرم.
لا يمكن الاستخفاف بالانسحاب الروسي من خيرسون. إنّه انسحاب يعطي فكرة عن حال الانهيار داخل الجيش الروسي.
تنفّست إدارة بايدن الصعداء بعد مرور الانتخابات النصفية بأقلّ مقدار من الخسائر. لا شكّ أيضاً أن ترامب تعرض لنكسة، وثمّة من يقول لنوبة عصبيّة بعد فشله في تحقيق اختراق سياسي كبير.
سيدفعه ذلك إلى تأخير الإعلان عن انه سيكون مرشح الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسيّة المقبلة، في حال نجاحه في الحصول على تأييد الحزب طبعاً.
هذا لا يحول دون التساؤل هل ستبدأ الإدارة الحالية في النظر إلى الحرب الأوكرانيّة من زاوية أوسع؟ يفرض الزاوية الأوسع انكشاف العلاقة الوثيقة بين بوتين من جهة و«الجمهوريّة الإسلاميّة» في ايران من جهة أخرى.
لم يستطع الرئيس الروسي الاستمرار في حربه على أوكرانيا لولا المسيّرات التي حصل عليها من ايران والتي يستخدمها حاليا بمساعدة خبراء من «الحرس الثوري» في قصف مواقع عسكريّة وأخرى مدنيّة في أوكرانيا.
قبل ذلك، لم يكن ممكناً لإيران متابعة مشاركتها في الحرب على الشعب السوري لولا الدعم الروسي الذي توفّر ابتداء من خريف العام 2015.
يوفر انكشاف العلاقة القائمة بين روسيا و«الجمهوريّة الإسلاميّة» فرصة كي تعيد إدارة بايدن النظر في سياستها الخارجيّة، خصوصا في طريقة تعاملها مع ايران التي تحاول الهاء العالم ببرنامجها النووي للتغطية على مشروعها التوسّعي.
يقوم هذا المشروع على اثارة الغرائز المذهبيّة ونشر الميليشيات في دول معينة والصواريخ البالستيّة والطائرات المسيّرة التي وضعت الآن في خدمة العدوان الروسي على أوكرانيا...
ثمة حاجة إلى التعاطي مع تداعيات الحرب الأوكرانيّة من زاوية أوسع في ضوء تحوّل ايران إلى شريك في هذه الحرب التي في أساسها سكوت العالم، في مقدّمه اميركا، عن الحرب الإيرانيّة - الروسيّة على الشعب السوري وهي حرب تستهدف إبادة شعب بكامله دعما لنظام اقلّوي وضع نفسه في خدمة المشروع التوسّعي الإيراني.
مع ظهور نتائج الانتخابات الأميركية، سيكون لدى إدارة بايدن فرصة للتصرّف بطريقة أفضل على الصعيد الخارجي، خصوصا مع تعرّض روسيا لهزيمة أخرى في خيرسون. كيف ذلك؟
تتمثل الخطوة الأولى في الربط بين النظامين في روسيا وايران. لا غنى للنظام الروسي الذي على رأسه بوتين عن نظام يقع تحت السلطة المباشرة لـ«الحرس الثوري» في ايران.
لكنّ الأهمّ من ذلك كلّه اعتراف الإدارة الأميركيّة بانّها اساءت إلى حلفائها في مختلف انحاء العالم، خصوصا الحلفاء في منطقة الخليج العربي حيث لم تقدّر خطورة الميليشيات المذهبيّة الأيرانيّة والطائرات المسيّرة والصواريخ البالستية... التي استخدمت، ضدّ الخليجيين، انطلاقاً من اليمن ومن الأراضي الإيرانيّة أيضاً.
كيف تستعيد إدارة بايدن ثقة الحلفاء؟ هذا هو السؤال الكبير الذي يطرح نفسه هذه الأيام.
وهذا سؤال يحتاج إلى جواب في ضوء الحاجة إلى سياسة اميركيّة أكثر وضوحا وأكثر منطقيّة تأخذ في الاعتبار ألا يمكن التمييز بين الحرب الروسية على أوكرانيا وبين الحرب الإيرانيّة المباشرة وغير المباشرة على دول الخليج العربي واليمن وعلى العراق وسورية ولبنان...