لم يعد لبنان مهمّا، لا للعرب ولا للعالم. لن يساعده احد اذا لم يساعد نفسه. هذا ما لم يدركه ولن يدركه يوما "العهد القويّ"، عهد ميشال عون وصهره جبران باسيل. يصعب على العهد فهم هذه المعادلة العلميّة البسيطة، خصوصا أنّه يستقوي على اللبنانيين بسلاح "حزب الله". لا يفهم العهد حتّى انه صار عهد "حزب الله" بعدما استطاع الحزب الذي ليس سوى لواء في "الحرس الثوري" الإيراني السيطرة على كلّ مفاصل السلطة والتحكّم بكلّ القرارات.
من اجل استرضاء "حزب الله"، اصبح عبدالله بوحبيب وزيرا للخارجيّة. من اجل استرضاء الحزب والأجهزة السوريّة اصبح جورج قرداحي وزيرا للاعلام. اخطر ما في الامر ان الاثنين يتحدّثان عن أمور لا يفهمان فيها شيئا. يبدو كلّ همهما محصورا في كيفية تقديم أوراق اعتمادهما الى "حزب الله" كي يبقى راضيا عنهما...
خارج اطار استرضاء "حزب الله" وتقديم الطاعة له لا مهمّة أخرى للوزيرين المتذاكيين اللذين وافق نجيب ميقاتي على ان يكونا عضوين في حكومته. كان مستغربا اقدام شخص مثل نجيب ميقاتي، يعرف العالم والمنطقة العربيّة بدقّة، على مثل هذه الخطوة. تعني هذه الخطوة اوّل ما تعني انّ "حزب الله" يتحكّم مباشرة بالحكومة. هل أراد نجيب ميقاتي، في العمق، توجيه رسالة فحواها انّ لا حول له ولا قوّة وأنّه مضطر، لأسباب لا يعرفها احد غيره، لتشكيل مثل هذه الحكومة الساقطة سلفا؟
من غير الجائز ان يكون في لبنان وزير للخارجية لا يعرف شيئا عن الخليج والعالم العربي، أو على الاصحّ عن العوالم العربيّة المختلفة، وعمّا يدور في العالم وفي واشنطن بالذات. هناك وزير للخارجيّة جعل منه الرئيس امين الجميّل سفيرا في واشنطن في العام 1982 ليكتشف بعد فترة انّ الرجل لا يقدّم ولا يؤخر وأنّه في مكان آخر. لا حاجة بالطبع الى الدخول في ايّ أمور ذات طابع شخصي، لكن الثابت ان وزير الخارجية اللبناني في عالم لا علاقة له بالخليج والتطورات التي يشهدها ولا بنظرة الخليج الى لبنان.
حسنا، قبلت المملكة العربيّة السعوديّة بفتح حوار مع السلطات اللبنانيّة ومع الأستاذ بوحبيب شخصيّا. ما الذي يمكن ان يسفر عنه مثل هذا الحوار ما دام "حزب الله" هو الدولة في لبنان، فيما السلطات الرسميّة، من رئيس الجمهوريّة، الى اصغر موظف، هي مجرّد دويلة في دولة لبنان.
يتنطح وزير الخارجية للحديث في مواضيع اكبر منه مثل طبيعة العلاقة مع المملكة العربيّة السعوديّة ودول الخليج. لم يفهم حتّى لماذا انضمت الكويت الى الإجراءات المتخذة في حقّ لبنان بعد الكلام الصادر عن جورج قرداحي في شأن اليمن ودفاعه عن ميليشيا إيرانية تتمثّل في الحوثيين؟ عندما يستوعب عبدالله بوحبيب مغزى انضمام الكويت، التي تمتعت دائما بهامش للمناورة خاص بها، للإجراءات المتخذة في حق لبنان، يصبح مؤهلا لأن يفكّر في ان يكون وزيرا للخارجيّة.
لم يطلب أحد من الدولة في لبنان الدخول في حرب مع "حزب الله". من غير المنطقي دخول حرب مع "حزب الله"، لكنّه من غير المنطقي أيضا الرضوخ لـ"حزب الله" والقبول بتحوّل لبنان الى جرم يدور في الفلك الإيراني. هذا ما يفترض في وزير الخارجيّة معرفته، مثلما يفترض به معرفة ابعاد كلامه عن انّه "لو لم يكن في السعوديّة سوق للمخدرات، لما كان هناك تهريب". وجد الوزير فرصة للإساءة الى المملكة وأهلها والى اجراء مقارنة في الوقت ذاته بين لبنان والسعوديّة من جهة والولايات المتحدة والمكسيك من جهة أخرى. نسي ان لا حدود مشتركة بين لبنان والسعوديّة، خلافا للحدود المشتركة الطويلة التي يصعب السيطرة عليها. سقط عبدالله بوحبيب في السياسة، لكنّه سقط أيضا في الجغرافيا في محاولته تبرير تهريب "حزب الله" المخدرات الى السعوديّة!
عندما تحوّل جبران باسيل، في مرحلة معيّنة، الى وزير للخارجية الايرانيّة في مجلس جامعة الدول في اثناء وجوده في موقع وزير الخارجية اللبنانيّة، لا يعود مستغربا سقوط لبنان الي الدرك الذي سقط اليه.
ثمة حدود للعبة التذاكي التي يمارسها سياسيون لبنانيون. من سخرية القدر ان هؤلاء اصبحوا في موقع المسؤولية. لا علاقة لشخص مثل عبدالله بوحبيب لا بالسياسة ولا بالديبلوماسيّة. ولا علاقة لجورج قرداحي بايّ موضوع سياسي في غاية البساطة، فكيف يكون الامر عندما يتحدّث عن اليمن وعن الحوثيين بالذات. هل يعرف اوّلا ان الحوثيين لا يدافعون عن اليمن وانّهم طرف في الاعتداء على اليمنيين وعلى دول الجوار على الرغم من انّهم جزء لا يتجزّأ من النسيج اليمني؟ هل يعرف ظروف استيلاء الحوثيين على صنعاء في 21 أيلول – سبتمبر 2014 ثم ظروف اقدامهم على اغتيال علي عبدالله صالح في الرابع من كانون الاوّل – ديسمبر 2017 بعدما ائتمنهم على حياته؟ هل يعرف ما الذي فعله الحوثيّون بمدينة مسالمة مثل صنعاء وباهل المدينة الأصليين الذين يمثلون ذروة الرقيّ والتهذيب وحب المعرفة؟
يكمن خطر عهد "حزب الله" في انّه خطر على لبنان الذي فقد، في ضوء استسلام ميشال عون وصهره امام مشيئة الحزب، كلّ مبررات وجوده. ليس صحيحا ان "الحوثيين يدافعون عن انفسهم وارضهم من عدوان خارجي تقوده السعوديّة والامارات" كما قال جورج قرداحي. الحقيقة ان الحوثيين الذين يسمون نفسهم "جماعة انصار الله" فعلوا كلّ ما يستطيعون من اجل استفزاز السعوديّة. اكثر من ذلك، حولوا جزءا كبيرا من شمال اليمن الى قاعدة صواريخ إيرانية يهددون منها كلّ دولة من دول الخليج العربي.
بعض التواضع ضروري لدى مسؤولي "عهد حزب الله" ولدى الوزراء المتفرعين عن هؤلاء من امثال عبدالله بوحبيب وجورج قرداحي الذي كان عليه ان يجتهد اكثر من اجل معرفة ما هي السعوديّة او ما هي الامارات. هناك لعبة لبنانيّة انتهت. اسم هذه اللعبة هو لعبة التذاكي. لا يدرك جماعة "العهد القويّ" أن الناس في الخليج تعرف. تعرف اكثر بكثير مما يعتقدونه. اكثر ما يعرفه الخليجيون ان لبنان انتهى بعدما صار مجرّد مستعمرة إيرانية... ليس من سبب للتعاطي معه كشيء مختلف عن ذلك!