عودة إلى السؤال الأساسي القديم، ما الذي تريده إيران؟ يطرح هذا السؤال نفسه مرة أخرى في ضوء الموقف الإيراني الغريب من حقل الدرة الكويتي والعودة إلى التهويل عن طريق تأكيد «الجمهوريّة الإسلاميّة» مجدّداً وجود حقوق لها في هذا الحقل.
يوجد اتفاق كويتي - سعودي على استغلال هذا الحقل الذي ليس ما يشير إلى علاقة لإيران بهـ باستثناء مطالبات ترفعها بين حين وآخر.
ترفع طهران هذه المطالبات على الرغم من رفضها، منذ سنوات طويلة، أي تحكيم دولي من أي نوع يثبت أن لديها حقوقاً ما في الدرة.
صدر التهويل الإيراني قبل بضعة أيّام، عندما قال المدير التنفيذي لشركة النفط الوطنية في إيران محسن خجسته مهر، ان الشركة «جاهزة تماماً لبدء عمليات الحفر في حقل الدرة (حقل آرش بالفارسية)».
أضاف: «اعتمدنا موارد مالية كبيرة لتطوير هذا الحقل في مجلس إدارة شركة النفط الوطنية، وسنبدأ العمل في أقرب وقت، لأن الظروف جاهزة لذلك».
ذهب خجسته مهر إلى أبعد من ذلك عندما قال في تصريحٍ آخر، يبدو أن الهدف منه محاولة لإيجاد ثغرة بين موقفَي الكويت والسعودية، انه ليس هناك أي حقل مشترك مع السعودية لم يتم ترسيمه.
أكثر ما يثير الغرابة، أن الكلام التصعيدي الإيراني في شأن حقل الدرّة، جاء بعد جولة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان على دول الخليج.
في سياق تلك الجولة، سمع الكويتيون من عبداللهيان، تحديداً، كل رغبة صادقة بالتعاون وانه يجب تفعيل اللجان المشتركة للبحث في كل المواضيع بما فيها قضايا الحدود والترسيم.
هذه ليست المرة الأولى التي تهدد فيها إيران ببدء الحفر لكن توقيتها الجديد يتزامن مع قرب انتهاء المخططات الدراسية التي طلبتها الكويت والسعودية لبدء العمل في الحقل، وربما في بداية أغسطس المقبل.
ليس سرّاً أنّ الكويت طلبت من ايران، منذ عقود عدّة، الانتهاء من ترسيم الحدود المائية لان ذلك هو الأساس في عملية تحديد الحقوق.
لم تستجب إيران للطلب الكويتي. رفضت «الجمهوريّة الإسلاميّة» في العام 2003 دعوة الكويت الى التحكيم الدولي.
من الواضح أن تصريحات خجسته مهر جاءت استكمالا لتحذير رئيس مجلس إدارة جمعية شركات حفر النفط والغاز الإيرانية هدایة الله خادميورد.
ورد في التحذير أن السعودية قد تقوم بتفريغ الحقول النفطية المشتركة بين البلدين، مشدداً على أنه «إذا لم تبدأ إيران الاستخراج من حقلي الدرة وفرزاد (أ) وفرزاد (ب) هذا العام، فلن يتم الاستخراج منهما بعد ذلك».
يمكن القول إن حقل الدرّة البحري هو «درة» تاج الخلافات بين الكويت وإيران نظراً إلى طول المدة التي استغرقها الموضوع بلا حل فيما العلاقات، بشكل عام، بين إيران والكويت كانت أقرب إلى الإيجابية.
طالما تم حل الخلافات بين البلدين بطرق ديبلوماسية لكنّ موضوع حقل الدرة خرج دائماً عن سياق الحل الديبلوماسي وبقي نقطة خلافية رغم تجميد تظهيره لسنوات.
يمكن القول إن ايران عادت من جديد لمناوشاتها الإعلامية في شأن الحقل بمجرد توقيع الكويت والسعودية مذكّرة تفاهم في 24 ديسمبر 2019 لتطوير حقل الدرة الكويتي - السعودي المشترك.
تضمّنت المذكّرة العمل على تطوير الحقل واستغلاله وتقسيم الإنتاج بالتساوي بين الشريكين، استناداً إلى خيار «الفصل البحري»، علماً بأن إنتاج الحقل اليومي يقدر بنحو مليار قدم مكعبة قياسية من الغاز الطبيعي و84 ألف برميل من المكثفات، لتبدأ التصريحات الإيرانية برفض هذا الاتفاق وبعمل طهران منفردة على تطوير الحقل، وهو ما تكرّر منذ ذلك الحين وحتى الأيام القليلة الماضية.
الأكيد أن حقوق الكويت ثابتة بالقانون الدولي والبحري ولا مجال لأي حقوق في حقل الدرة لأي دولة بخلاف الكويت والسعودية، فاحتساب الحدود وفقاً للقانون الدولي والبحري يتم وفقاً لضوابط وليس عشوائياً.
ما الذي تريد ايران قوله في هذه الأيّام؟ الواضح أن الرسالة التي تودّ «الجمهوريّة الإسلاميّة» توجيهها ليست إلى الكويت والمملكة العربيّة السعوديّة فحسب، بل هي أيضا رسالة إلى الولايات المتحدة والقوى الدولية الأخرى أيضا.
فحوى الرسالة أنّ لا شيء يمكن ان يحصل في الخليج من دون موافقة ايران، بما في ذلك اتفاق دولتين على استغلال مشترك لحقل نفطي لا علاقة لـ«الجمهورية الإسلاميّة» به، استناداً إلى القانون الدولي وكلّ القوانين الأخرى والاتفاقات المعمول بها في شأن تحديد الحدود البحريّة بين الدول.
ليس السلوك الإيراني تجاه الكويت سوى نموذج عن توجه معتمد من طهران في كلّ أنحاء المنطقة. في العراق وسورية ولبنان واليمن وفي البحرين، في مرحلة معيّنة، كانت فيها مجموعات تابعة لـ«الحرس الثوري» تهدد الاستقرار في تلك المملكة الصغيرة.
كان الأمل كبيراً في حصول تغيير في السلوك الإيراني في المنطقة في اعقاب المصالحة التي حصلت مع السعودية برعاية صينيّة في العاشر من مارس الماضي.
وقتذاك، صدر بيان ثلاثي يؤكد الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.
اليس الموقف الإيراني من حقل الدرّة تدخلا في شؤون السعوديّة والكويت؟
ستكشف الأيّام المقبلة لماذا هذا التصرّف الإيراني الغريب والمستغرب في التعاطي مع دولتين عربيتين خليجيتين تعملان من أجل علاقة طبيعية بينهما من جهة وبين «الجمهوريّة الإسلاميّة» من جهة أخرى.
مرّة أخرى، هناك عودة إلى السؤال الأساسي: ما الذي تريده ايران؟ قد يكون جزء من الجواب في رغبة «الجمهوريّة» في التفاوض من موقع قوّة مع الولايات المتحدة في وقت تواجه الصفقة التي تسعى إلى عقدها مع «الشيطان الأكبر» صعوبات في مجالات معيّنة.
الثابت، وسط كلّ ما نشهده حاليا من مزيد من العدائية الإيرانيّة تجاه دول المنطقة، أنّ ثمة تضايقا لدى النظام الإيراني من أمر ما ذي علاقة بالإدارة الأميركيّة.
ما ذنب السعوديّة والكويت إذا كانت «الجمهوريّة الإسلاميّة» عاجزة، لأسباب داخلية أميركيّة أولاً، عن فرض إرادتها وأجندتها وبنود مشروعها التوسعي على واشنطن؟