هدية ترامب لـالإسلام المتطرف

هدية ترامب لـ'الإسلام المتطرف'

المغرب اليوم -

هدية ترامب لـالإسلام المتطرف

بقلم : خيرالله خيرالله

التاريخ يعيد نفسه. إسرائيل لا تتردّد في استغلال الفرص، فيما الفلسطينيون يفوتون كل فرصة تظهر، مهما كانت هذه الفرصة هزيلة. ما هو مطروح الآن أن يطلق دونالد ترامب يد بنيامين نتانياهو وحكومته، وهي الحكومة الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل، تماما كما حصل في عهد جورج بوش الابن حين كان آرييل شارون رئيسا للوزراء؟

كان أوّل ما فعلته الحكومة الحالية في إسرائيل مباشرة حملة استيطان جديدة في القدس الشرقية والضفة الغربية المحتلة بهدف تكريس الاحتلال إلى ما لا نهاية. كان كافيا حصول اتصال هاتفي بين ترامب ونتانياهو، وتوجيه دعوة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي كي يزور البيت الأبيض قريبا، حتّى تضع إسرائيل نفسها فوق الشرعية الدولية، بما في ذلك القرارات الصادرة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

هناك رغبة إسرائيلية جامحة في استغلال الظروف الإقليمية والعالمية من أجل فرض أمر واقع جديد على الأرض يستحيل بعده الكلام عن خيار الدولتين، أي عن دولة إسرائيل والدولة الفلسطينية المستقلة التي تضمّ الضفة الغربية وقطاع غزّة.

في العادة، عندما تجد إسرائيل الظروف غير مواتية في واشنطن تلجأ إلى لعبة الانتظار تمهيدا لاستعادة المبادرة والعودة إلى انتهاج سياسة عدوانية تستهدف إلغاء الشعب الفلسطيني وحقّه في إقامة دولة مستقلّة كما يحصل الآن.

لم يتغيّر شيء في إسرائيل التي عرفت دائما منذ قرار التقسيم في 1947 التعاطي مع المستجدات، مستفيدة على وجه الخصوص من الغباء العربي والجهل بكل ما له علاقة من قريب أو بعيد بالتوازنات الإقليمية والدولية.

لم يحد نتانياهو عن الخط الذي رسمه اليمين الإسرائيلي وعن أسلوب التعاطي مع الإدارات الأميركية المتلاحقة، خصوصا منذ العام 1990 تحديدا، حين كان جورج بوش الأب في البيت الأبيض، فيما كان جيمس بايكر وزيرا للخارجية والجنرال برنت سكوكرفت مستشارا لشؤون الأمن القومي.

كان هذا الثلاثي يعرف الشرق الأوسط عن ظهر قلب. أدرك في صيف 1990 معنى احتلال العراق للكويت، والنتائج التي يمكن أن تترتب على عمل من هذا النوع من الأعمال في حال لم يوضع حدّ له على وجه السرعة. منعت إدارة بوش الأب إسرائيل من المشاركة في أيّ جانب من الاستعدادات لتحرير الكويت. وضعتها في قفص. شمل ذلك إجبارها على عدم الردّ على الصواريخ التي أطلقها صدّام حسين، الذي ظنّ أنّ أعمالا من هذا القبيل يمكن أن تشعل المنطقة وأن تحوّله إلى بطل قومي.

لا يشبه ما قام به صدّام، وقتذاك، سوى الدعوات التي يطلقها هذه الأيّام قائد ميليشيا مذهبية عراقية يدعى مقتدي الصدر. يريد الصدر إنشاء جيش من أجل استعادة القدس في حال قرّرت إدارة ترامب نقل السفارة الأميركية الموجودة في تلّ أبيب إلى المدينة المقدّسة. كيف ذلك؟ من أين سيهاجم جيش مقتدى الصدر القدس لتحريرها، أم أن كلّ الأمر مزايدات بمزايدات، ومتاجرة بالقضية الفلسطينية على الطريقة الإيرانية؟

وضعت الإدارة الأميركية إسرائيل تحت المراقبة الصارمة في العام 1990. أجبرتها على القبول باستقبال صواريخ “باتريوت” مع طواقمها الأميركية للتصدي للصواريخ التي كان صدّام ينوي توجيهها إليها. كان ذلك حدثا فريدا من نوعه منذ الإعلان عن قيام دولة إسرائيل في العام 1948. جنود أميركيون يتولون حماية تلك الدولة بدل الجنود الإسرائيليين!

بعد أشهر على تحرير التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، للكويت، انعقد مؤتمر مدريد في خريف العام 1991. لم تكن إسرائيل تنوي حضور المؤتمر. جُرّت إليه جرّا. كان رئيس الوزراء إسحاق شامير معترضا، أصلا، على فكرة المؤتمر، وكان يردّد أنّ أي مفاوضات سلام يمكن أن تستمر عشر سنوات ستستغلها إسرائيل لخلق أمر واقع على الأرض الفلسطينية، وذلك عن طريق الاستيطان.

لم تمض أشهر على مؤتمر مدريد إلّا وغادر بوش الأب البيت الأبيض إثر هزيمته أمام بيل كلينتون الذي فشل، على الرغم من كلّ ما كانت لديه من نيّات حسنة، في البناء على اتفاق أوسلو والمصالحة التاريخية بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عبر شخصي ياسر عرفات وإسحاق رابين.

في النهاية، إنّ أهمّ ما تضمنّه اتفاق أوسلو، الذي وقّع في خريف العام 1993 في حديقة البيت الأبيض، هو الاعتراف المتبادل بين حكومة إسرائيل ومنظّمة التحرير الفلسطينية.

يعيد التاريخ نفسه في 2017. لم يحصل شيء على صعيد التسوية في عهد بوش الابن، أي منذ خروج بيل كلينتون من البيت الأبيض مطلع العام 2001.

في عهد بوش الابن عملت إسرائيل كلّ ما تستطيع عمله من أجل التخلّص من ياسر عرفات، الذي توفّى في تشرين الثاني – نوفمبر 2004، وكل تركته.

ركّزت على ذلك طوال الفترة الممتدة من مطلع 2001 إلى مطلع 2009. وعندما دخل باراك أوباما البيت الأبيض سعت إلى تطويقه في واشنطن نفسها عبر الكونغرس خصوصا.

في عهد أوباما حصل شلل أميركي. لكنّ إسرائيل لم تستطع إطلاق العنان لسياسة الاستيطان في ظل العداء بين نتانياهو والمقيم في البيت الأبيض الذي فضّل الاكتفاء بإعلان مواقف مبدئية بين حين وآخر مؤكدا أن إدارته تعترض على سياسة الاستيطان.

وقبل أن تنتهي ولايته بأسابيع قليلة، أعطى أوباما الضوء الأخضر كي يمتنع الوفد الأميركي في الأمم المتحدة عن التصويت لدى طرح قرار يدين الاستيطان في الضفة الغربية ويعتبر ذلك عقبة في وجه السلام.

بوجود ترامب في البيت الأبيض، صار القرار الذي صدر عن مجلس الأمن من الماضي. ليس في استطاعة الجانب الفلسطيني البناء على هذا القرار بوجود إدارة أميركية قررت عدم الاكتفاء بانقلاب كامل على الطبقة السياسية التي تقيم في واشنطن، ولا على كلّ ما فعله باراك أوباما، بل قررت أيضا أن يشمل الانقلاب الشرق الأوسط كلّه، بما في ذلك السياسة التقليدية للولايات المتحدة تجاه الاستيطان.

إلى أيّ مدى سيذهب ترامب في انقلابه، وإلى أيّ مدى ستذهب إسرائيل في استغلال الرئيس الأميركي الجديد؟ ليس ما يشير إلى الآن أن الجانب الفلسطيني يمتلك ما يوقف به الاستيطان أو ما يجعل دونالد ترامب يستعيد بعض التوازن في سياسته.

الأمر الوحيد الأكيد أن السياسة الأميركية الجديدة لن تساعد في إيجاد أيّ نوع من الاستقرار في الشرق الأوسط. الأخطر من ذلك، أنّها توفّر سلاحا لكل المتطرفين، بغض النظر عن الجهة أو الطائفة أو المذهب الذي ينتمون إليه. كلّ ما في الأمر أن ترامب، بدعمه إرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل، يقدّم أفضل هديّة لـ“الإرهاب الإسلامي المتطرّف” الذي يدّعي محاربته..

المصدر : صحيفة العرب

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هدية ترامب لـالإسلام المتطرف هدية ترامب لـالإسلام المتطرف



GMT 11:33 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

طموح نتانياهو.. في ظلّ بلبلة ايرانيّة!

GMT 12:51 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

نتنياهو وتغيير وجه المنطقة... في ظل بلبلة إيرانيّة!

GMT 09:19 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

السنوار يكتب مستقبل غزّة ولبنان... ولكن!

GMT 21:09 2024 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان اليوم التالي.. تصوّر إيران لدور الحزب

GMT 21:41 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

العودة التي لا مفرّ منها إلى غزّة

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

عمان - المغرب اليوم

GMT 15:56 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية المفضلة للشباب خلال عام 2024
المغرب اليوم - الوجهات السياحية المفضلة للشباب خلال عام 2024

GMT 03:18 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أحمد السقا يكشف موقفه من تمثيل ابنته ومفاجأة عن ولاد رزق
المغرب اليوم - أحمد السقا يكشف موقفه من تمثيل ابنته ومفاجأة عن ولاد رزق

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 09:57 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لتنسيق اللون البني خلال فصل الشتاء بطرق عصرية

GMT 08:19 2022 الثلاثاء ,29 آذار/ مارس

أبرز تصاميم الأبواب الخارجية المودرن لعام 2022

GMT 10:54 2015 الإثنين ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الأميرة سلمى تدشن غداً الثلاثاء مركزًا للسرطان في بني ملال

GMT 12:48 2019 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

الجواهري يُحذر من ضعف ادخار الأسر وارتفاع اكتناز المال

GMT 23:34 2018 الجمعة ,14 كانون الأول / ديسمبر

أليغري يؤكّد أن ديربي "تورينو" يتطلب مهارة فنية

GMT 10:21 2018 السبت ,20 تشرين الأول / أكتوبر

أجمل تصاميم الأرجوحة المناسبة لحديقة منزلك هذا الصيف
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib