غياب الوعي اللبناني

غياب الوعي اللبناني!

المغرب اليوم -

غياب الوعي اللبناني

بقلم - خيرالله خيرالله

يعطي فكرة عن غياب الوعي لدى معظم القوى السياسية اللبنانية، ذلك الهرب المستمرّ من الواقع. يُمارس هذا الهرب، الذي يرتدي طابعاً مأسوياً، منذ ما قبل توقيع اتفاق القاهرة في العام 1969.

ما زال معظم اللبنانيين يلهون أنفسهم باللاجئين السوريين في لبنان من دون أن يسألوا أنفسهم سؤالاً واحداً: من وراء تدفق اللاجئين السوريين على لبنان؟ الأهم من ذلك من يمنع عودتهم إلى أرضهم في ظروف آمنة؟

بدل طرح السؤال الحقيقي المرتبط بالواقع وما يدور على الأرضين اللبنانيّة والسورية... والاحتلال الإيراني للبلدين، تُوجّه اللعنات إلى البرلمان الأوروبي الذي أصدر أخيراً قراراً، هو أقرب إلى بيان من أي شيء آخر، يدعو إلى بقاء اللاجئين السوريين في لبنان في غياب الضمانات المرتبطة بعودتهم كبشر يستأهلون حياة كريمة.

اللافت أن البرلمان الأوروبي لم يدعُ إلى توطين السوريين في لبنان، كما يدّعي سياسيون لبنانيون يتاجرون بالقضيّة.

لا يمتلك البرلمان الأوروبي ما ينفّذ به قراره. يظلّ القرار حبراً على ورق، علماً أنّ القرار يكتسب أهمّيته من ناحية تحديده لعناصر الأزمة اللبنانيّة وتسمية معرقلي انتخاب رئيس للجمهوريّة بأسمائهم.

المقصود بذلك الثنائي الشيعي و«التيار الوطني الحر» الذي على رأسه جبران باسيل.

لم يتوقف سوى عدد قليل من اللبنانيين عند الهجوم الذي شنّه «حزب الله» على قرار البرلمان الأوروبي. ما دور الحزب في تهجير السوريين من سورية والحلول مكانهم في مناطق معيّنة داخل الأراضي السوريّة؟

الأهم من ذلك كلّه الدور الإيراني في تغيير طبيعة سورية وإحداث تغيير ديموغرافي في العمق مع استهداف خاص للمدن السوريّة التي كانت في الأصل مدنا سنّية مع وجود مسيحي كبير فيها، كما حال دمشق وحلب حمص وحماة ودمشق واللاذقيّة.

لا مفرّ من الاعتراف بوجود مشكلة لبنانيّة ضخمة اسمها وجود اللاجئين السوريين. لا يمنع ذلك وجوب التعاطي مع الواقع بدل الهرب منه.

ليست صدفة الحملة التي شنها «حزب الله» على البرلمان الأوروبي بغية تحويل الأنظار عن دوره في تهجير السوريين إلى لبنان، خصوصاً من مناطق قريبة من الحدود بين البلدين، في القصير تحديداً.

ليس صدفة أيضاً أن يتنطّح نائب يميني متطرف في البرلمان الأوروبي يدعى تييري مارياني لتهييج اللبنانيين على اللاجئين السوريين، علماً أن هذا النائب من مؤيدي بشّار الأسد الذي سبق له أن قال تعليقاً على تهجير السنّة من سورية أن «المجتمع صار أكثر تجانساً».

من المفيد أن يلتقط اللبنانيون أنفاسهم وأن يسألوا كيف يمكن لبلد القبول بتوقيع اتفاق القاهرة في خريف العام 1969 بعد أشهر قليلة من هبوط مجموعة كوماندوس إسرائيليّة في مطار بيروت أواخر العام 1968 وتفجير كلّ طائرات «شركة طيران الشرق الأوسط» التي كانت جاثمة في أرض المطار؟

ألم يكن ذلك إنذاراً كافياً كي يفهم لبنان أن لا مصلحة له من قريب أو بعيد بالسماح لمجموعات فلسطينية باستخدام مطار بيروت كنقطة انطلاق لخطف طائرات ركّاب إسرائيلية، كما حصل مع طائرة خطفت وقتذاك من أثينا؟

لم يتعلّم اللبنانيون شيئاً من كارثة مطار بيروت. ذهبوا إلى اتفاق القاهرة من دون أن يسأل الزعماء المسلمون كيف يمكن تحرير فلسطين من جنوب لبنان في ضوء الهزيمة العربيّة في حرب 1967؟

في الوقت ذاته، ذهب زعماء مسيحيون، باستثناء الراحل ريمون اده، إلى تأييد اتفاق القاهرة من منطلق أنّ مثل هذا التأييد يعبّد الطريق إلى رئاسة الجمهوريّة!

لم يتغيّر شيء في لبنان من ناحية ممارسة الهروب المستمرّ من الواقع. مشكلة اللبنانيين في الدرجة الأولى مع إيران و«حزب الله» والنظام السوري المشاركين في عملية تغيير طبيعة سورية أساساً. ليس اللجوء إلى التنديد بقرار البرلمان الأوروبي أكثر من محاولة لإيجاد عذر يحول دون تحديد مصدر العلّة.

لجأ اللبنانيون في الماضي إلى كذبة كبيرة اسمها رغبة المبعوث الأميركي دين براون في توطين الفلسطينيين في لبنان ليحلوا مكان المسيحيين.

لا وجود لأي أساس لهذه الرواية، استناداً إلى الديبلوماسي الأميركي الذي رافق دين براون إلى بيروت أواخر العام 1975.

تولّى هذا الديبلوماسي، الذي لا يزال حيّاً يُرزق والذي تحدّث إليّ شخصياً، تسجيل محاضر الاجتماعات التي عقدها براون مع المسؤولين وممثلي القوى السياسيّة في لبنان.

طالت اللقاءات التي أجراها براون في لبنان أكثر مما يجب ذلك أن هنري كيسينجر، وزير الخارجية الأميركي في حينه، أخذ كلّ وقته لإيجاد صيغة تؤدي إلى ضبط الوجود الفلسطيني المسلّح في لبنان خشية نشوب حرب إقليميّة.

توصل إلى ذلك بعد التوصل إلى اتفاق مع الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، بوساطة من الملك حسين،رحمه الله. بموجب ذلك الاتفاق الذي باركته إسرائيل ثم عمدت إلى تعديله، يضع الجيش السوري بعد دخوله لبنان يده على كلّ المواقع التي يوجد فيها مسلّحون فلسطينيون، بما في ذلك خط الحدود مع إسرائيل.

ما لبثت أن غيّرت إسرائيل في بنود الاتفاق وطلبت بقاء مسلحين فلسطينيين في جنوب لبنان كونها «تحتاج إلى الاشتباك مع هؤلاء بين حين وآخر»، على حد تعبير اسحق رابين الذي كان رئيساً للوزراء في إسرائيل عام 1976.

لا يزال هناك لبنانيون يتحدّثون إلى اليوم عن «مؤامرة دين براون» التي لا أساس لها من الصحّة ولا علاقة لها بالحقيقة.

هناك في الوقت الحاضر مشكلة حقيقية اسمها الوجود السوري في لبنان. يحتاج التصدي لهذه المشكلة إلى قيادة سياسيّة متماسكة بدءاً بوجود رئيس للجمهوريّة يمتلك حدّاً أدنى من الفهم السياسي لما يدور في المنطقة والعالم.

مثل هذه القيادة السياسية لا تتابع الهرب من الواقع ولا تتلهى بالقرار الصادر عن البرلمان الأوربي بمقدار ما تحاول الإجابة عن السؤال المرتبط بالواقع.

يقول هذا السؤال: كيف التعاطي مع «الجمهوريّة الإسلاميّة» في إيران والنظام السوري في ضوء رغبتهما في إبقاء أقلْ عدد من السنّة في سورية... وتكريس الفراغ السنّي في لبنان وشرذمة مسيحييه قدر المستطاع!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غياب الوعي اللبناني غياب الوعي اللبناني



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 03:01 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الدفاع الجديدي يهزم حسنية أكادير

GMT 17:39 2024 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

إنستغرام تطلق تحسينات كبيرة على قنوات البث

GMT 03:53 2017 الإثنين ,04 كانون الأول / ديسمبر

فئات الرجاء البيضاوي العمرية تعيش وضعية مزرية

GMT 05:47 2019 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

الملكية البرلمانية

GMT 05:37 2019 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

أفضل الفنادق في فيينا ذات القيمة الجيدة

GMT 07:40 2019 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

إلينا سانكو تفوز بلقب "ملكة جمال روسيا" لعام 2019

GMT 04:53 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

مواطن عراقي يُغرّم شرطة المرور في أربيل 30 ألف دينار

GMT 11:35 2019 الإثنين ,07 كانون الثاني / يناير

فنانات سرقن أزواج زميلاتهن بعد توقيعهم في "شِبال الحب"

GMT 08:41 2018 الأربعاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

إليك أجمل التصاميم لطاولات غرف المعيشة

GMT 21:41 2018 الثلاثاء ,19 حزيران / يونيو

مهرجان وجدة للفيلم يكرم الممثلة المصرية ليلى طاهر

GMT 11:16 2018 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

سعر الريال القطري مقابل دينار اردني الأحد

GMT 04:03 2017 السبت ,30 كانون الأول / ديسمبر

دونالد ترامب يُشدّد على عدالة وإنصاف القضاء الأميركي

GMT 16:19 2017 الثلاثاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

تطورات الحالة الصحة لـ"الزفزافي" عقب أزمة مفاجئة

GMT 12:34 2017 الإثنين ,04 كانون الأول / ديسمبر

توقيف رجل مسن وهو يغتصب طفلًا في الخلاء في أغادير
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib