لعنة سورية ستلاحق أوباما

لعنة سورية ستلاحق أوباما

المغرب اليوم -

لعنة سورية ستلاحق أوباما

بقلم : خيرالله خيرالله

بعد أيّام قليلة تدخل الولايات المتحدة مرحلة جديدة تختلف كلّيا عن تلك التي عاشتها في السنوات الثماني الماضية التي كان فيها باراك أوباما رئيسا للدولة العظمى الوحيدة في العالم.

أقلّ ما يمكن به وصف ما يدور في واشنطن منذ فوز دونالد ترامب على هيلاري كلينتون بأنّه انقلاب. كيف ستكون ترجمة هذا الانقلاب على أرض الواقع؟ يختزل هذا السؤال كلّ ما يجول في خاطر قادة العالم الذين راهنوا في معظمهم على أن كلينتون ستنتصر على ترامب.

ساهم باراك أوباما، الذي كان أوّل رئيس أسود لأميركا، في تغيير صورة بلاده في العالم. حوّلها إلى متفرّج على الأحداث وشاهد على المأساة السورية لا أكثر، في حين كان في استطاعته وضع حدّ لها.

ستلاحق لعنة سوريا أوباما إلى اليوم الأخير من حياته بعدما أدار ظهره لشعب بكامله، وسلّمه إلى آلة القتل المتمثلة بالنظام وداعميه من إيرانيين وميليشيات مذهبية تابعة لهم… وروس.

إذا كان من مؤسس للانقلاب الذي جاء بدونالد ترامب رئيسا، فهذا المؤسس هو باراك أوباما الذي لم يستطع المحافظة على حدّ أدنى من المعايير الأخلاقية في تعاطيه مع بقية العالم.

قرّر الرئيس الأسود التخلي عن الدور القيادي للولايات المتحدة. نسي أن من انتصر في الحرب الباردة كان أميركا بكلّ ما تمثّله من قيم مرتبطة بالحرّية، وليس الاتحاد السوفياتي الذي لم يكن سوى قوّة إمبريالية لم تترك بلدا دخلته إلا وجلبت معها الخراب والدمار والفقر والقمع.

بفضل أميركا وانتهاء الحرب الباردة تحرّرت كلّ أوروبا الشرقية. تحررت بولندا وتشيكوسلوفاكيا التي أصبحت في ما بعد دولتين. تحرّرت هنغاريا ورومانيا وبلغاريا أيضا. الأهمّ من ذلك كلّه، تحرّرت ألمانيا الشرقية واستعادت ألمانيا وحدتها بعد سقوط جدران برلين.

ليست الولايات المتحدة التي انهارت. من انهار كان الاتحاد السوفياتي الذي خرجت دول البلطيق (ليتوانيا وإستونيا ولاتفيا) من تحت سيطرته. كذلك خرجت من تحت نير الاستعمار السوفياتي الجمهوريات الإسلامية التي كانت جزءا من الإمبراطورية التي أسسها لينين.

نسي باراك أوباما أنّ هناك تطلعات لدى الاتحاد الروسي الذي خلف الاتحاد السوفياتي في أوكرانيا. تغاضى عن ضم روسيا لشبه جزيرة القرم وعن تدخلها الوقح في الشؤون الأوكرانية من منطلق الخوف من انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي. عمل كلّ شيء من أجل إفهام الأوكرانيين أن ليس أمامهم سوى الاستسلام لفلاديمير بوتين.

كان متوقّعا أن يصلح أوباما الأخطاء التي ارتكبها سلفه جورج بوش الابن في العراق. زاد على أخطاء السلف. إذا كان جورج بوش الابن سلّم العراق على صحن من فضّة إلى إيران في العام 2003، فإنّ باراك أوباما كرّس في 2010 انتقال العراق إلى وضع المستعمرة الإيرانية عندما وافق على الانسحاب العسكري المبكر منه، بالتفاهم مع طهران وبموجب شروطها. تجاهل كلّ ما من شأنه المحافظة على حدّ أدنى من الوجود الأميركي في العراق تفاديا لسقوطه نهائيا تحت الهيمنة الإيرانية وهيمنة الميليشيات المذهبية.

لا حاجة إلى الإشارة إلى الدور الذي لعبه أوباما في مجال تهميش أوروبا. نزع أنياب حلف شمال الأطلسي وأهمل العلاقات معها (أي أوروبا) وجعلها تتراجع أمام الهجمة الروسية.

قبل انتخابه رئيسا في العام 2008، قام باراك أوباما بجولة شرق أوسطية. عندما قابل، وقتذاك، رئيس السلطة الوطنية محمود عبّاس (أبو مازن) في رام الله، وعده بأنّه لن يترك معالجة القضية الفلسطينية إلى الأسابيع الأخيرة من ولايته الثانية، بل سيباشر في جهوده من أجل تسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين في اليوم الأوّل الذي يدخل فيه البيت الأبيض. كان بذلك ينتقد جورج بوش الابن الذي لم يكترث للقضية الفلسطينية إلا في نهاية عهده.

وفى أوباما بوعده. أرسل مبعوثا إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية، وما لبث أن تراجع بعد أن تصدّى له بنيامين نتانياهو في واشنطن. سمح الرئيس الأسود لرئيس الوزراء الإسرائيلي بأن يكون صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في عاصمة القرار الأميركي والدولي. الآن، عشية خروجه من البيت الأبيض، يبيع أوباما الفلسطينيين الأوهام إن عبر السماح لمجلس الأمن بتبني قرار ضد الاستيطان الإسرائيلي، وإن عبر تأييد إدارته للبيان الختامي لمؤتمر باريس الذي يركّز على أنّ لا حل إلا باعتماد خيار الدولتين.

لا شكّ أن القرار الصادر عن مجلس الأمن مهمّ. كذلك البيان الصادر عن مؤتمر باريس الذي شاركت فيه سبعون دولة. ولكن ما فائدة ذلك كلّه؟ هل يستطيع الفلسطينيون البناء على القرار الدولي والبيان الباريسي من دون أن يكون هناك ما يوحي بأنّ الإدارة الأميركية الجديدة ستدعمهما.

في عهد باراك أوباما، لم تعد أميركا هي أميركا. هناك رئيس أميركي قرّر الاستسلام لروسيا وإيران. تخلّى عن دور بلاده كقائد للعالم الحرّ. هذا لا يعني التغاضي عن الأخطاء الأميركية التي تنمّ في أحيان كثيرة عن جهل تام في شؤون الشرق الأوسط. لا يمكن في طبيعة الحال التغاضي أيضا عن الظلم الذي مارسته الولايات المتحدة في حق شعوب كثيرة قبل دخول باراك أوباما إلى البيت الأبيض.

لكنّ المصيبة الكبرى تكمن في أنّ باراك أوباما، الذي كان يمثّل الأمل، مارس ما هو أشدّ من الظلم عندما سمح لبشّار الأسد بالإفلات من العقاب الفوري صيف العام 2013. وقتذاك، كانت هناك بقية أمل في إنقاذ ما بقي من سوريا.

لم يردّ الرئيس الأميركي على استخدام السلاح الكيميائي بالحرب التي يشنّها النظام السوري على شعبه. فضل التفرّج على المأساة خشية إزعاج إيران التي كانت تفاوض في شأن ملفّها النووي. فضّل التضحية بالشعب السوري على حدوث أي خلل يمكن أن يطرأ على المفاوضات الدائرة مع إيران…

مهما مرّ من زمن، لن يذكر التاريخ أوباما سوى بأنّه الرئيس الأسود الأوّل للولايات المتحدة، وأنّه بطل المأساة التي تعرّض لها الشعب السوري، وهي المأساة العالمية الأكبر، على الصعيد الإنساني، منذ بداية القرن الحادي والعشرين. انقلب أوباما على جورج بوش الابن. هناك الآن من سينقلب عليه وعلى كلّ إرثه.

توحي المواقف الصادرة عن دونالد ترامب وكبار المسؤولين في الإدارة الجديدة بحال من التخبط. الأكيد أن انقلابا حصل. سيأخذ دونالد ترامب الولايات المتحدة في رحلة إلى المجهول في سنة لا تزال في بدايتها، ولكن يبدو أنّها ستكون حبلى بالمفاجآت، خصوصا في ظل أسئلة من نوع: كيف ستكون العلاقة الأميركية – الروسية؟ كيف تنظر أميركا إلى الحلف الجديد الروسي – التركي – الإسرائيلي؟ ماذا عن العلاقة بين واشنطن وطهران؟ إلى أيّ حد سيذهب ترامب في عدائه لحلف شمال الأطلسي؟ ماذا عن العلاقة بالصين؟

أيا تكن الأجوبة المتوقعة، سيبقى السؤال الأكبر إلى أي مدى سيذهب ترامب في انقلابه على أوباما وهل ستكون لهذا الانقلاب أبعاده السورية؟

المصدر : صحيفة العرب

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لعنة سورية ستلاحق أوباما لعنة سورية ستلاحق أوباما



GMT 11:33 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

طموح نتانياهو.. في ظلّ بلبلة ايرانيّة!

GMT 12:51 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

نتنياهو وتغيير وجه المنطقة... في ظل بلبلة إيرانيّة!

GMT 09:19 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

السنوار يكتب مستقبل غزّة ولبنان... ولكن!

GMT 21:09 2024 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان اليوم التالي.. تصوّر إيران لدور الحزب

GMT 21:41 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

العودة التي لا مفرّ منها إلى غزّة

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

عمان - المغرب اليوم

GMT 15:56 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية المفضلة للشباب خلال عام 2024
المغرب اليوم - الوجهات السياحية المفضلة للشباب خلال عام 2024

GMT 03:18 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أحمد السقا يكشف موقفه من تمثيل ابنته ومفاجأة عن ولاد رزق
المغرب اليوم - أحمد السقا يكشف موقفه من تمثيل ابنته ومفاجأة عن ولاد رزق

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 09:57 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لتنسيق اللون البني خلال فصل الشتاء بطرق عصرية

GMT 08:19 2022 الثلاثاء ,29 آذار/ مارس

أبرز تصاميم الأبواب الخارجية المودرن لعام 2022

GMT 10:54 2015 الإثنين ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الأميرة سلمى تدشن غداً الثلاثاء مركزًا للسرطان في بني ملال

GMT 12:48 2019 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

الجواهري يُحذر من ضعف ادخار الأسر وارتفاع اكتناز المال

GMT 23:34 2018 الجمعة ,14 كانون الأول / ديسمبر

أليغري يؤكّد أن ديربي "تورينو" يتطلب مهارة فنية

GMT 10:21 2018 السبت ,20 تشرين الأول / أكتوبر

أجمل تصاميم الأرجوحة المناسبة لحديقة منزلك هذا الصيف
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib