كي لا يصبح الاحتلال وجهة نظر

كي لا يصبح الاحتلال وجهة نظر

المغرب اليوم -

كي لا يصبح الاحتلال وجهة نظر

بقلم : خيرالله خيرالله

لا يمكن أن يصل الفلسطينيون والإسرائيليون إلى حلّ عبر التفاوض في ما بينهم، ما دام الإسرائيلي يمتلك القوّة ويعتبر الضفّة الغربية جزءا من أرض دولة إسرائيل. لا تسوية من دون دور أميركي فعّال يعيد بنيامين نتانياهو إلى رشده، ويذكّره بأنّ الضفة أرض محتلة وأنّها ليست أرضا متنازعا عليها. لكنّ الواضح أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قرّر تجاهل هذا الواقع المرتبط بقرارات الشرعية الدولية، على رأسها القرار الرقم 242 الصادر عن مجلس الأمن. في أساس هذا القرار، الصادر قبل نصف قرن، مبدأ الأرض مقابل السلام، وليس مصادرة الأرض من أجل تكريس الاحتلال.

اختار الرئيس دونالد ترامب دور المتفرّج. ليس مهمّا بالنسبة إلى الرئيس الأميركي ما إذا كان الحل بين الفلسطينيين والإسرائيليين دولة واحدة أو دولتين. المهمّ أن يتفقا على حلّ، أي على طلب المستحيل في ظلّ الغياب الأميركي. هذا على الأقل ما قاله بصراحة، ليس بعدها صراحة، في المؤتمر الصحافي الذي عقده في واشنطن مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي جاء إلى العاصمة الأميركية من أجل تحقيق هدف واحد. يتمثّل الهدف في تخلّي الولايات المتحدة عن خيار الدولتين الذي يعني قيام دولة فلسطينية “قابلة للحياة”.

حسنا، تخلت الإدارة الأميركية عن خيار الدولتين المستقلتين على الأرض التاريخية لفلسطين. ماذا بعد ذلك؟ الجواب، بكل بساطة، أنّ التخلي عن خيار الدولتين يعني قيام دولة واحدة تضم إسرائيليين وفلسطينيين، أي عربا ويهودا. عندئذ ما العمل بالفلسطينيين الذين تمسكوا بأرضهم وبقوا في فلسطين بعد قيام دولة إسرائيل. هؤلاء، الذين يسمّون “عرب 1948”، يحملون الجنسية الإسرائيلية وهم أشجع العرب والفلسطينيين، لا لشيء سوى لأنّهم قرروا التمسّك بأرضهم إلى النهاية، والبقاء فيها بدل التحوّل إلى لاجئين كما حصل مع غيرهم، الذين صدّقوا الوعود العربية، من السكان الأصليين لفلسطين.

نعم لحلّ الدولة الواحدة في حال كان بنيامين نتانياهو مصرّا على ذلك من أجل إرضاء المستوطنين الذين صـار عددهم يقـارب نحـو نصف مليـون في الضفّـة الغربية المحتلة. ولكن ماذا سيحصل بعد عشر سنوات أو عشرين سنة عندما ستكون هناك أكثرية عربية في فلسطين؟ معروف كيف انتهت الأمور في جنوب أفريقيا حيث جرت محاولة لإقامة دولة عنصرية يسيطر عليها البيض. اضطر زعماء هذه الدولة، في نهاية المطاف، إلى الاعتراف بالأكثرية السوداء والإتيان بنيلسون مانديلا رئيسا للدولة.

كشف المؤتمر الصحافي الذي عقده ترامب مع “بيبي”، وهو الاسم الذي يطلقه الإسرائيليون على رئيس وزرائهم، إلى أيّ حدّ هناك فراغ سياسي في أميركا وإسرائيل، أقلّه في المرحلة الراهنة. لا وجود لرؤية لدى أي من الرجلين اللذين يواجه كلّ منهما مشاكل داخلية حقيقية. فترامب دخل في مواجهة مع السلطة القضائية والصحافة ومجموعة من أعضاء الكونغرس الديمقراطيـين والجمهوريين. أمّا “بيبي”، فهو تحت رحمة شركائه في الحكومة من جمـاعة اليمين المتطرف في إسرائيل من أمثال حزب “البيت اليهودي” الذي يتزعمه نفتالي بينيت الذي لا يريد سماع عبارة “خيار الدولتين”. هذا الحزب يمثّل المستوطنين الذين صار لديهم صوت في الحكومة لم يعد في استطاعة رئيس الوزراء تجاهله.

لم يتمكن أي رئيس أميركي في يوم من الأيّام من الانتصار على الصحافة. كان ريتشارد نيكسون من أقوى الرؤساء الأميركيين. أسقطته الصحافة قبل أن تسقطه فضيحة “ووترغيت”. ليس دونالد ترامب في منأى عن الفضائح الكثيرة التي تستطيع الصحافة استغلالها ضدّه. ليس اضطراره إلى إزاحة الجنرال مايكل فلين من موقع مستشار الأمن القومي سوى بداية لسلسلة من الفضائح التي سيتوجب عليه مواجهتها في حال لم يتمكن من وضع حدّ لحال الإرباك التي تعاني منها إدارته.

كان المؤتمر الصحافي مع “بيبي” الدليل الأوضح على حال الإرباك هذه التي إن دلّت على شيء فهي تدلّ على أنّ الإدارة الجديدة في حاجة إلى أسابيع عدّة كي تظهر حدّا أدنى من التماسك الداخلي. وهذا يعني أن تبدأ بإقامة توازن ما على صعيد الداخل الأميركي يمكنها من التعاطي مع الواقع، بدءا بموضوع الإسلام والمسلمين، وصولا إلى الاحتلال الإسرائيلي للضفّة الغربية، والاعتراف بالحقوق المشروعة لشعب من حقّه أن يكون على الخارطة الجغرافية للشرق الأوسط بعدما أثبت أنّه على خارطته السياسية.

ليس الكلام عن خيار الدولة الواحدة في فلسطـين سـوى زوبعة في فنجان أميركي. مثل هذا الكلام سيعني أن إسرائيل تتجه، شيئا فشيئا، إلى أن تصبح فيها أكثرية عربية، أي دولـة تقـوم على التمييز العنصري. أمـا الـولايات المتحـدة، فهي عنـدما تقبل خيار “الدولة الواحدة”، فإنّها تقبل بأن ينتصر الاحتلال على قرارات الشرعية الـدولية. لا بدّ من التذكير مجدّدا بأنّ على رأس هـذه القرارات القـرار الـرقم 242 الصــادر عن مجلس الأمن في تشرين الثاني – نوفمبر 1967. يرفض القرار أوّل ما يرفض احتلال دولة لأراضي دولة أخرى بالقوّة.

هل دخل العالم عصرا جديدا مع دونالد ترامب صار فيه الاحتلال وجهة نظر؟ لا بدّ من الانتظار قليلا لمعرفة كيف سيتدبّر الرئيس الأميركي الجديد أموره في الداخل. ليس هناك إلى الآن ما يبشّر بالخير باستثناء أن مؤسسات الدولة الأميركية ترفض أيّ نوع من الانقلابات. هذه المؤسسات تدرك أن النظام الأميركي لا يسمح للمقيم في البيت الأبيض بتجاوز السلطة القضائية أو زعماء الكونغرس والدخول في مواجهة مع الصحافة. كلّ النظام الأميركي قائم على وجود حواجز وتوازنات تمنع الانقلابات الكبيرة…

الثابت أن أميركا لا تستطيع في المدى الطويل الاستقالة من الشرق الأوسط، خصوصا أنّ إدارة ترامب تمتلك رؤية واضحة لخطر المشروع التوسّعي الإيراني. في نهاية المطاف، ثمّة حاجة إلى سياسة أميركية تستند إلى حدّ أدنى من مبادئ العدالة من أجل تحقيق الهدف المنشود للإدارة الجديدة، أي القضاء على الإرهاب ممثلا بـ”داعش” السنّية والدواعش الشيعية، أي الميليشيات المذهبية التي أطلقتها إيران في المنطقة.

لا بدّ من الانتظار لبعض الوقت لمعرفة على ماذا ستستقرّ إدارة ترامب. من سيكون الرجال الأقوياء فيها؟ الواضح، إلى الآن، أنّ ترامب ما زال يبحث عن فريق العمل الذي سيحكم من خلاله. لن يكون ممكنا الاستخفاف بهذه الإدارة في حال تشكلت نواة صلبة تضمّ نائب الرئيس مايك بنس، ووزيري الخارجية والدفاع ركس تيلرسون والجنرال جيمس ماتيس. ستكون هناك عودة إلى البديهيات التي تعني أوّل ما تعني أنّ لا بديل من خيار الدولتين في حال كان مطلوبا إيجاد حدّ أدنى من الاستقرار في المنطقة انطلاقا من فلسطين. مثل هذا الاستقرار شرط من شروط الانتصار على التطرّف والمتطرفين وكلّ أشكال الإرهاب التي يستعين بها المشروع الإيراني لتحقيق أهـدافه… وكي لا يصبح الاحتـلال وجهـة نظر.

المصدر : صحيفة العرب

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كي لا يصبح الاحتلال وجهة نظر كي لا يصبح الاحتلال وجهة نظر



GMT 11:33 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

طموح نتانياهو.. في ظلّ بلبلة ايرانيّة!

GMT 12:51 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

نتنياهو وتغيير وجه المنطقة... في ظل بلبلة إيرانيّة!

GMT 09:19 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

السنوار يكتب مستقبل غزّة ولبنان... ولكن!

GMT 21:09 2024 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان اليوم التالي.. تصوّر إيران لدور الحزب

GMT 21:41 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

العودة التي لا مفرّ منها إلى غزّة

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

عمان - المغرب اليوم

GMT 15:56 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية المفضلة للشباب خلال عام 2024
المغرب اليوم - الوجهات السياحية المفضلة للشباب خلال عام 2024

GMT 17:41 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 08:33 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحوت الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 16:23 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 18:27 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ميداليتان للجزائر في الدورة المفتوحة للجيدو في دكار

GMT 17:40 2019 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

نجم ليفربول يشعل مواقع التواصل بمبادرة "غريزية" غير مسبوقة

GMT 14:14 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

متزوجة تعتدي على فتاة في مراكش بسبب سائح خليجي

GMT 10:41 2018 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

عروض فرقة الفلامنكو الأندلسية على مسرح دونيم الفرنسي

GMT 16:22 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

جدول أعمال مجلس الحكومة المغربية في 25 كانون الثاني

GMT 16:46 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

سقوط بالون طائر يحمل عددًا من السائحين في الأقصر

GMT 00:22 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

نيرمين الفقي تكشف سبب مشاركتها في مسلسل "أبوالعروسة"

GMT 02:12 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

سعر الدرهم المغربي مقابل الدولار الأميركي الثلاثاء

GMT 21:04 2017 الجمعة ,08 كانون الأول / ديسمبر

أولمبيك خريبكة يستعيد نغمة الانتصارات ويؤزم وضعية تطوان

GMT 13:54 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

بيتزا بيتي محشية الأطراف

GMT 19:50 2015 الأربعاء ,04 آذار/ مارس

10 أشياء غريبة يحبها الرجل في المرأة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib