بين حزب الله وميشال عون

بين 'حزب الله' وميشال عون

المغرب اليوم -

بين حزب الله وميشال عون

بقلم : خيرالله خيرالله

هل يقبل “حزب الله” أن يكون مرشّحه ميشال عون رئيسا للجمهورية اللبنانية بالفعل أم أن كلّ المسألة كانت منذ بدايتها مجرّد مناورة سياسية استهدفت إلقاء مسؤولية الفراغ الرئاسي على الآخرين؟ هذا هو السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح بعد إعلان الرئيس سعد الحريري زعيم “تيار المستقبل” تبنيه ترشيح عون.

الأكيد أن ميشال عون ليس أفضل من يستطيع أن يكون رئيسا للجمهورية. فالرجل ليس مؤهّلا أصلا لشغل هذا الموقع الذي يحتاج قبل كلّ شيء إلى شخصية متوازنة تعرف لبنان واللبنانيين بكلّ طوائفهم ومذاهبهم ومناطقهم معرفة عميقة بعيدا عن المظاهر الفولكلورية. كذلك الحاجة إلى شخصية تعرف المنطقة وما يدور فيها في وقت يبدو الشرق الأوسط مقبلا على تغييرات جذرية.

ولكن ما العمل عندما يصبح مطروحا إنقاذ الجمهورية، أو ما بقي منها، حتّى لو كان الشخص الذي أعلن سعد الحريري تأييده له يمتلك عقلا انقلابيا لا يتورّع عن الذهاب بعيدا في السير خلف كلّ ما يمكن أن يدمّر المؤسسات اللبنانية والتسبب في تهجير أكبر عدد من اللبنانيين من لبنان؟

هل من فضيحة أكبر من فضيحة أن يستخدم ميشال عون أصوات “حزب الله” و”التكليف الشرعي” لتكون لديه كتلة نيابية كبيرة تضمّ أكبر عدد من التافهين في المجلس النيابي؟ ربّما هناك فضيحة أكبر من هذه الفضيحة وهي تتمثّل في أن يصرّ عون على أن يكون صهره جبران باسيل وزيرا، علما أنّه ليس قادرا على الفوز بمقعد نيابي نظرا إلى أن “حزب الله” لا يمتلك عددا يذكر من الأصوات في الدائرة التي يترشّح فيها الصهر الغالي.

لم يكن أمام سعد الحريري سوى المخاطرة، خصوصا بعدما أيّد قائد “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع ميشال عون. هناك على الأرض خمس قوى مسيحية هي: المستقلون، أي الذين هم خارج الأحزاب، وهؤلاء يمثلون نسبة كبيرة من المسيحيين. قسم من هؤلاء مع ميشال عون وقسم آخر ضدّه بشراسة.

وهناك جماعة عون نفسه، معظم هؤلاء من الطبقة دون المتوسطة من عديمي الثقافة الذين يعميهم التعصّب الديني المترسّخ في أعماق نفوسهم. وهناك “الكتائب اللبنانية” وهناك “القوات اللبنانية” وهناك “تيّار المردة”.

ماذا يستطيع سعد الحريري أن يفعل عندما يدعم سمير جعجع ميشال عون، علما أن بينهما بركا من الدماء؟ ما الذي يستطيع عمله بعدما اكتشف أن سليمان فرنجية زعيم “تيّار المردة” الذي لديه وجود في شمال لبنان لا يستطيع حمل حلفائه على تأييده، على الرغم من أنّه يعتبر نفسه قريبا من “حزب الله”، إضافة إلى أنّه صديق شخصي لبشّار الأسد.

كان خطاب سعد الحريري في غاية الوضوح وذلك عندما اعتبر أنّ الأولوية لانتخاب رئيس للجمهورية، مشيرا إلى أنّ عون كان الخيار الوحيد الباقي أمامه من أجل تحقيق هذا الهدف. الأهم من ذلك، أنّه كشف وجود اتفاق واضح مع عون يقوم على ثلاث نقاط سبق له أن تفاهم في شأنها مع سليمان فرنجية.

تتعلّق النقطة الأولى بعدم تغيير النظام، أي بالتمسك باتفاق الطائف والثانية بإعادة الحياة إلى مشروع الإنماء والإعمار، أي لمشروع الرئيس الشهيد رفيق الحريري والثالثة بالنأي بالنفس عمّا يدور في سوريا.

ليس معروفا هل قبل ميشال عون بمنطق إعادة الحياة إلى الحركة الاقتصادية أو بأنّ التدخل في سوريا سيجلب الويلات على لبنان. لكنّ الأكيد أنّه استوعب معنى وجود مليون ونصف مليون لاجئ سوري في لبنان وأن لمثل هذا الوجود نتائج وخيمة على البلد الذي عليه أن يلملم أوضاعه الداخلية للبقاء في منأى عن الحريق السوري.

تكمن المشكلة مع ميشال عون في أنّه لم يفهم يوما معنى المدينة ومعنى إعادة الحياة إلى بيروت. لا يعرف معنى إعادة الإعمار ولا معنى أن تكون بيروت عاصمة الشرق الأوسط ومكانا يقصده العرب والأجانب للسياحة والاستثمار.

لا يفهم معنى خلق فرص عمل في لبنان وزيادة حجم الاقتصاد. إنّها بديهيات غائبة عن باله نظرا إلى أنّه لم يكن في يوم من الأيّام أكثر من عسكري في السياسة وسياسي عندما كان الأمر يتطلب مواقف ذات طابع عسكري.

هناك في تاريخ ميشال عون أمر لا بدّ من الاعتراف به هو أنّه كان صادقا في تعاطيه مع “حزب الله”. لم يخلّ يوما بالاتفاق الذي وقّعه في العام 2006. لا شكّ أن “حزب الله” أعطاه الكثير في كلّ المجالات في مقابل الحصول على غطاء مسيحي لسلاحه المذهبي غير الشرعي الموجّه إلى صدور اللبنانيين الآخرين.

لذلك، يصحّ التساؤل الآن هل يتوقف دعم “حزب الله” لميشال عون عند تبنّي ترشيحه لرئاسة الجمهورية؟ بكلام أوضح، هل يعتبر “حزب الله”، ومن خلفه إيران التي تسيّره، أنه استنفد ميشال عون وأنه يكفيه لقب المرشح الدائم لرئاسة الجمهورية، في حين أنّ انتخابه رئيسا للجمهورية شيء آخر؟

مثل هذا التساؤل أكثر من مشروع، مثلما أنّه مشروع وجود نواب من “تيّار المستقبل” لا يمكن أن يقبلوا بالتصويت لميشال عون.

مفهوم تماما أن يكون هناك نوّاب في “تيّار المستقبل” لا يمكن أن يثقوا بميشال عون بأيّ شكل وفي ظلّ أيّ ظروف. ما ليس مفهوما كيف يمكن لـ”حزب الله” أن يرشّح ميشال عون وأن يؤكد كبار قيادييه أن لا خيار آخر غيره في حال كان مطلوبا الإتيان برئيس للجمهورية، وأن يصبح موقفهم منه سلبيا بمجرد أن سعد الحريري قبل به رئيسا؟

ثمة من سيقول إن لا موقف سلبيا من “حزب الله” تجاه ميشال عون، أقلّه إلى الآن، وإن الصحف التابعة له سارعت إلى اعتبار أن الحريري “أيّد مرشح الحزب” وذلك في سياق تعليقاتها على خطاب زعيم “تيّار المستقبل”.

هذا لا يحول دون وجود علامات استفهام عدّة. في مقدّم هذه العلامات هل هدف “حزب الله” إيصال ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية أم المطلوب استخدامه مرحليا في إطار حملة تستهدف تغيير طبيعة النظام اللبناني بدءا بالانتهاء من اتفاق الطائف؟

مرّة أخرى، ليس اتفاق الطائف، الذي يكرّس المناصفة بين المسيحيين والمسلمين في لبنان، اتفاقا مقدّسا. يمكن أن تكون هناك حاجة إلى تعديلات للاتفاق ولكن في ظروف طبيعية وليس تحت ضغط سلاح “حزب الله” وإيران. وحدها الأيام ستكشف هل كانت ورقة ترشيح ميشال عون للرئاسة مجرّد ورقة استعملها “حزب الله” من أجل الوصول إلى تغيير النظام.

إلى الآن، أدى ميشال عون قسطه للعلى، أقلّه بالنسبة إلى “حزب الله” الذي لم يأخذ في الاعتبار أن هناك من سيردّ على مناورته بكلام جدّي عن تبني ترشيح ميشال عون.

هذا الكلام الصادر عن سعد الحريري وضع الحزب أمام لحظة الحقيقة. هل يريد رئيسا للجمهورية أم يريد تغيير هذه الجمهورية والانقلاب عليها تحقيقا لحلم قديم لديه؟

يبقى تحفظ واحد: لميشال عون تاريخ طويل في مجال التعاطي مع الأحداث بعقلية الانقلابي. يمكن لـ”حزب الله” استخدامه مجددا لتحقيق هذا الغرض بعد وصوله إلى قصر بعبدا… إلا إذا تبيّن أن الرئيس الماروني الموجود في بعبدا سيعدّ للعشرة قبل الإقدام على أيّ خطوة تؤدي إلى المس بالدستور بشكل جدّي.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بين حزب الله وميشال عون بين حزب الله وميشال عون



GMT 11:33 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

طموح نتانياهو.. في ظلّ بلبلة ايرانيّة!

GMT 12:51 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

نتنياهو وتغيير وجه المنطقة... في ظل بلبلة إيرانيّة!

GMT 09:19 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

السنوار يكتب مستقبل غزّة ولبنان... ولكن!

GMT 21:09 2024 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان اليوم التالي.. تصوّر إيران لدور الحزب

GMT 21:41 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

العودة التي لا مفرّ منها إلى غزّة

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 11:19 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
المغرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:20 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
المغرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 10:12 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أسعار الذهب تتراجع بأكثر من 30 دولاراً وسط ارتفاع الدولار

GMT 12:40 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 18:38 2018 الثلاثاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

وفاة معتقل داخل محكمة الاستئناف في طنجة

GMT 12:37 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

محاولات لإقناع الواعد باسي بتمثيل المغرب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib