سورية في ظل أربع وصايات…

سورية في ظل أربع وصايات…

المغرب اليوم -

سورية في ظل أربع وصايات…

بقلم : خيرالله خيرالله

في مقابل توفيرها الغطاء للوصايات المباشرة التركية والروسية والإيرانية على الأراضي السورية ستحتاج إسرائيل إلى من يغلق نهائيا ملفي الجولان وجنوب لبنان بما يرضيها.

شيئا فشيئا، تدخل أرض سورية تحت أربع وصايات دفعة واحدة في وقت ليس من همّ لدى النظام سوى إنقاذ نفسه، والبقاء في السلطة ولو شكليا أيّا يكن الثمن المطلوب دفعه. هذا الثمن يمكن أن يعني التخلي النهائي في مرحلة معيّنة عن الجولان المحتل منذ العام 1967. سيحصل التخلي، إذا بقيت الأمور على حالها، بعد إيجاد صيغة معيّنة تغني الموجود في رأس هرم السلطة عن توقيع ورقة رسمية بذلك، تماما مثلما تخلّى في مرحلة معيّنة عن لواء الإسكندرون الذي كان إلى ما قبل سنوات قليلة “اللواء السليب”.

باستثناء بعض ما يلفّ الموقف الإسرائيلي من غموض يعود إلى محاولتها إخفاء لعبتها من منطلق أن الوقت يعمل لمصلحتها، صار واضحا، إلى حدّ ما، ما الذي تريده كل وصاية من الوصايات الأربع.

تركيا مهتمّة بعدم قيام دولة كردية في سورية تكون لها امتدادات داخل الأراضي التركية. حصلت أنقرة على ما تريده بموافقة أميركية. ليس معروفا بعد ما الذي سيكون موقفها النهائي من مدينة مثل حلب تعتبر في غاية الأهمّية بالنسبة إليها، بل تعتبرها مدينة تركية، إذ سبق لها وطالبت بها. ساهم الموقف الأميركي من أكراد سوريا وطموحاتهم في تهدئة تركيا. ولكن يبقى السؤال الأساسي؛ هل تقبل أنقرة التخلي نهائيا عن أهل حلب الذين راهنوا على وقوفها معهم؟

بالنسبة إلى إيران، كلّ ما يهمها هو “سوريا المفيدة” التي تسيطر على الجزء الأكبر منها. وهذا ما يفسّر، إلى حدّ كبير، هذا التورط العسكري لـ“حزب الله”، الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني، في الحرب التي يشنّها النظام على شعبه من منطلق مذهبي قبل أيّ شيء آخر.

تريد إيران ربط “سوريا المفيدة” بالدويلة التي أقامها “حزب الله” في لبنان، وذلك كي يظلّ قسم من الأرض السورية ممرّا للأسلحة التي ترسلها إيران لـ“حزب الله” الذي تعتبره الإنجاز الأكبر الذي حقّقته منذ قيام “الجمهورية الإسلامية” في العام 1979. يظل “حزب الله” بالنسبة إلى إيران في مستوى أهمّية النظام العلوي في سوريا، بل أكثر أهمّية منه. تحوّل “حزب الله” مع مرور الوقت إلى أداة إيرانية تستخدم في أماكن مختلفة في المنطقة انطلاقا من لبنان. الحزب صار موجودا في العراق وسوريا واليمن. كذلك، لا يمكن تجاهل دوره في ما يخصّ الوضع في البحرين حيث لإيران مشروعها الخاص.

تريد روسيا الاستفادة إلى أبعد حدود من إدارة باراك أوباما التي قرّرت الانسحاب من الشرق الأوسط. تريد عمليا تأكيد أنّها عادت قوّة عظمى موجودة على ساحل المتوسّط. لم يعد لديها من مكان تثبت فيه أنّها قادرة على العودة إلى لعب دور خارج حدودها، هذا إذا استثنينا أوكرانيا، غير الأراضي السورية التي صارت تسيطر على جزء منها. إضافة إلى ذلك، لا يمكن تجاهل أن الساحل السوري في غاية الأهمّية بالنسبة إلى روسيا التي لا تريد أن تكون هناك خطوط للغاز تمتدّ من الدول العربية في الخليج إلى الشاطئ المتوسطي.

تبقى الوصاية الرابعة المتمثلة في إسرائيل التي استطاعت، أخيرا، تطبيع العلاقات مع تركيا في ظلّ تفاهم تركي- إيراني عبرت عنه زيارة وزير الخارجية محمد جواد ظريف لأنقرة للتضامن مع رجب طيب أردوغان بعد محاولة الانقلاب الأخيرة التي استهدفت إزاحته.

تصرّفت إسرائيل حتّى الآن، بالتفاهم التام بين رئيس الوزراء فيها بنيامين نتانياهو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين بما يشير إلى أنها تعرف ما الذي تريده في نهاية المطاف، وذلك على الرغم من كلّ ما يلفّ مواقفها من لبس. لن تكشف أوراقها سريعا ما دام التنسيق العسكري مع روسيا المتحالفة مع إيران يلبّي كل مطالبها الآنية. بين هذه المطالب تنفيذ غارات في الداخل السوري متى تطلبت مصالحها ذلك، وذلك من دون العودة إلى أحد، بما في ذلك الولايات المتحدة التي يظهر أنّها استسلمت نهائيا لروسيا في كلّ ما له علاقة من قريب أو من بعيد بهذا الملفّ.

الواضح أن التفاهمات الإسرائيلية مع النظام السوري منذ تسليم حافظ الأسد، وزير الدفاع وقتذاك، الجولان في العام 1967، مازالت سارية إلى حدّ كبير. لكنّ هذه التفاهمات باتت في حاجة إلى تطوير بما يتلاءم مع التطورات المستجدّة. ما يتبيّن مع مرور الوقت أن إسرائيل ماضية في مشروعها الأصلي الذي يشمل السيطرة، المباشرة أو غير المباشرة، على الجولان من جهة، والانتهاء من ورقة اسمها جنوب لبنان من جهة أخرى.

كان هناك دائما في كلّ وقت تفاهم إسرائيلي مع النظام السوري على بقاء جنوب لبنان جبهة مفتوحة، إن عندما كان الجنوب تحت سيطرة المسلّحين الفلسطينيين وإن بعدما سيطر عليه “حزب الله”. كان مطلوبا في كل وقت أن يكون الجولان هادئا والجنوب ورقة للمساومات التي لا علاقة للبنان بها. لذلك، كان القرار الرقم 1701 الذي صدر عن مجلس الأمن الدولي في آب- أغسطس 2006 نقطة تحوّل على الصعيد الإقليمي. يتمثّل هذا التحوّل بعودة الجيش اللبناني إلى الجنوب بعد غياب زاد على عقدين عنه… مع استمرار وجود “حزب الله” في المنطقة لأسباب مختلفة بما فيها غياب القدرة لدى الحكومة اللبنانية على اتخاذ موقف واضح من هذا السلاح المذهبي الذي يخدم المشروع التوسّعي الإيراني في المنطقة. يضاف إلى ذلك بالطبع غياب الرغبة الدولية، والأميركية تحديدا، في إزعاج إيران المصرّة في كلّ وقت على أن يكون جنوب لبنان ورقة في يدها.

في ظلّ الظروف القائمة، يبقى الخوف كلّ الخوف أن يكون هناك ثمن على لبنان دفعه. ففي مقابل توفيرها الغطاء للوصايات المباشرة التركية والروسية والإيرانية على الأراضي السورية ستحتاج إسرائيل إلى من يغلق نهائيا ملفي الجولان وجنوب لبنان بما يرضيها. ما الذي تريده إيران من إسرائيل كي تضمن لها أمنها، خصوصا من جنوب لبنان؟

يفترض في اللبنانيين التفكير في هذا السؤال مليا. يمكنهم عندئذ الوصول إلى إجابات، علما أن لا تفكير إيرانيا في هذه المرحلة سوى في كيفية عقد صفقة مع “الشيطان الأصغر”. في أساس مثل هذه الصفقة ورقة جنوب لبنان. ستكون هذه الصفقة التي تسعى إيران من خلالها إلى وضع اليد نهائيا على لبنان استكمالا للصفقة الكبرى مع “الشيطان الأكبر” التي كان في أساسها الملف النووي الإيراني.

هل بدأ اللبنانيون يفهمون الآن لماذا كلّ هذا التأخير في انتخاب رئيس للجمهورية، ولماذا كلّ هذه العراقيل التي وضعها “حزب الله” من أجل بقاء الوطن الصغير من دون رئيس؟ سيكون من الصعب على اللبنانيين التفكير بشكل صحيح ولو لمرّة واحدة مستفيدين من تجارب الماضي القريب ومن المستجدات السورية، بما في ذلك أنّه لم يبق من جارتهم “الجمهورية العربية السورية” شيء يذكر. ماذا بقي من الجمهورية التي حوّلها الأسد الأب والابن إلى إقطاع للطائفة ثمّ للعائلة؟ ماذا بقي من كلمة العربية وماذا بقي من الأرض السورية نفسها التي تتنازعها أربع وصايات يجمع بينها غياب الصفة العربية عن كلّ واحدة منها؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سورية في ظل أربع وصايات… سورية في ظل أربع وصايات…



GMT 11:33 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

طموح نتانياهو.. في ظلّ بلبلة ايرانيّة!

GMT 12:51 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

نتنياهو وتغيير وجه المنطقة... في ظل بلبلة إيرانيّة!

GMT 09:19 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

السنوار يكتب مستقبل غزّة ولبنان... ولكن!

GMT 21:09 2024 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان اليوم التالي.. تصوّر إيران لدور الحزب

GMT 21:41 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

العودة التي لا مفرّ منها إلى غزّة

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 11:19 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
المغرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:20 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
المغرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 10:12 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أسعار الذهب تتراجع بأكثر من 30 دولاراً وسط ارتفاع الدولار

GMT 12:40 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 18:38 2018 الثلاثاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

وفاة معتقل داخل محكمة الاستئناف في طنجة

GMT 12:37 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

محاولات لإقناع الواعد باسي بتمثيل المغرب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib