الهدية الروسية الوحيدة لسورية

الهدية الروسية الوحيدة لسورية

المغرب اليوم -

الهدية الروسية الوحيدة لسورية

بقلم : خيرالله خيرالله

لم تعد هناك أسرار. ردّت روسيا على الغارات الإسرائيلية الخمس التي استهدفت مواقع في محيط مطار دمشق بالدعوة إلى “التهدئة” وبغارة على مستشفى في إدلب أوقع ضحايا مدنيين وعطّل المستشفى!

جاء التحدي الإسرائيلي لروسيا واضحا كلّ الوضوح، ذلك أن إسرائيل قصفت أهدافا في محيط مطار دمشق بعد ساعات من إعلان مسؤول عسكري روسي إقامة شبكة روسية تحمي كلّ الأراضي السورية. كان على المسؤول العسكري الروسي أن يوضح أنّ شبكة حماية الأجواء السورية لا علاقة لها بإسرائيل ولا تستهدفها لا من قريب ولا من بعيد.

الحقيقة أنّه لم يكن هناك في الأصل أيّ تحدّ من أيّ نوع. ليست روسيا في وارد الدخول في أيّ مواجهة مع إسرائيل بسبب سوريا. على العكس من ذلك، هناك تنسيق تام بين الجانبين في وقت صارت روسيا في حاجة أكبر إلى إسرائيل بعد التغيّر الذي طرأ على الموقف الأميركي في عهد دونالد ترامب.

دفعت الغارة الأميركية بصواريخ توماهوك على قاعدة الشعيرات، التابعة للنظام السوري، في الرابع من الشهر الجاري موسكو إلى مزيد من التقارب مع إسرائيل في غياب القدرة على لعب دور إيجابي في سوريا، على أيّ صعيد كان… أو غياب الرغبة في ذلك. بالنسبة إلى روسيا، تظلّ إسرائيل عنصر توازن تستعين به في لعبة شد الحبل وإرخائه بين موسكو وواشنطن في مرحلة ما بعد عهد باراك أوباما.

المفارقة أن الغارات الإسرائيلية الجديدة تأتي في سياق أجندة تقوم على رفض إسرائيل أي تهديد لها بواسطة صواريخ “حزب الله” الآتية من إيران عبر مطار دمشق. هناك هدف إسرائيلي محدّد. يتمثّل الهدف في رفض تحوّل الأراضي السورية، خصوصا مناطق الجنوب، قاعدة لـ”حزب الله” تستخدمها إيران في تهديد إسرائيل أو ابتزازها.

الأكيد أن روسيا لا تعترض على ذلك. كانت المرّة الوحيدة التي احتجت فيها موسكو على عمل إسرائيلي عندما قصف الإسرائيليون قواعد صواريخ تابعة للنظام في منطقة قريبة من تدمر. اكتفت موسكو، وقتذاك، باستدعاء السفير الإسرائيلي. ربّما كان ذلك من أجل الاستفسار عن الهدف الحقيقي لمثل هذه العملية وهل تندرج في سياق التنسيق العميق ذي الطابع الاستراتيجي القائم بين الجانبين.

تطرح الغارات الإسرائيلية الخمس على محيط مطار دمشق مسألة عمرها نصف قرن. هذه المسألة هي ما الذي تريده موسكو من الشرق الأوسط ولماذا الإصرار على دعم أنظمة لا تمتلك أيّ شرعية من أيّ نوع، أنظمة كانت دائما في خدمة إسرائيل؟

في مثل هذه الأيّام من العام 1967، كانت المنطقة العربيّة كلّها تغلي. كانت في الواقع تتهيّأ لحرب الأيّام الستّة التي اندلعت يوم الخامس من حزيران ـ يونيو من تلك السنة والتي انتهت باحتلال إسرائيل للجولان وسيناء وقطاع غزّة والضفّة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية.

معروف من سلّم الجولان إلى إسرائيل وظروف عملية التسليم. معروف جيّدا أن مصر لم تكن مستعدة للحرب وأن الهزيمة التي لحقت بها كانت مدوّية. كشفت تلك الهزيمة سذاجة جمال عبدالناصر الذي جرّه حزب البعث الحاكم في سوريا إلى خوض الحرب. تبيّن كم كان عبدالناصر جاهلا في السياسة الدولية وكم هو مسؤول عن حال الانهيار التي يعاني منها العرب عموما.

معروف أكثر من اللزوم أن الملك حسين تعرّض لمزايدات جعلته يصدّق، وإن غصبا عنه، أن مصر قادرة على إقامة توازن استراتيجي مع إسرائيل. خسر الأردن الضفة الغربية والقدس. لا تزال الضفّة محتلة إلى اليوم، كذلك القدس.

من يتابع المواقف السوفييتية ثمّ الروسية، منذ ما قبل العام 1967، يكتشف أن شيئا لم يتغيّر إن في أيّام الاتحاد السوفييتي، السعيد الذكر، أو في أيّام روسيا الاتحادية.

هناك سؤال واحد يمكن طرحه: ما المساهمة الايجابية التي قدمتها موسكو السوفييتية أو الروسية للمنطقة؟ هناك بالطبع من سيجيب أن الاتحاد السوفييتي بنى السدّ العالي لمصر. يمكن الدخول في جدل لا نهاية له في شأن السدّ العالي وفوائده وما إذا كان من الأفضل ترك الدول الغربية تبنيه في سياق خطة متكاملة بعيدا عن النظريات الاشتراكية التي لم تعد على مصر والمنطقة سوى بالخراب والتخلّف.

لم يستعد العرب من الأراضي التي خسروها في 1967 سوى سيناء. كان ذلك بفضل أنور السادات الذي ابتعد إلى أبعد حدود عن الاتحاد السوفييتي واتكل على الولايات المتحدة. أمّا قطاع غزّة، الذي كانت تديره مصر في العام 1967، فقد عاد إلى الفلسطينيين بفضل اتفاق أوسلو أوّلا ولأنّ إسرائيل لا تريد البقاء فيه ثانيا وأخيرا.

لم تبع موسكو السوفييتية والروسية العرب سوى الأوهام. باعتهم السلاح الذي قمع به الحكّام شعوبهم. لم تدعم غير أسوأ الأنظمة العربية، على رأسها النظام السوري الذي سلّم الجولان قبل نصف قرن والذي يعمل حاليا على الانتهاء من سوريا. ماذا فعل السلاح السوفييتي والروسي غير تمكين الأنظمة الديكتاتورية من قهر الشعوب وتدمير نسيج المجتمعات في هذه الدولة العربية أو تلك.

لعلّ ليبيا أفضل مثال على ذلك. لم يصدر عن موسكو في أيّ يوم ما يدين ممارسات معمّر القذافي الذي رفض الرحيل قبل تأكّده من أنّه لن تقوم لليبيا أيّ قيامة في يوم من الأيّام.

ما نشهده حاليا هو موقف روسي بائس من سوريا وثورة شعبها أسوأ بكثير من الموقف الذي اتخذته موسكو من “جماهيرية” القذّافي. هناك إصرار على الذهاب إلى النهاية في دعم بشّار الأسد ومراعاة إسرائيل إلى أبعد حدود في الوقت ذاته. يحصل ذلك في ظلّ استحسان إيراني لمواقف موسكو.

ليست شبكة الدفاع الجوّي الخدمة التي يمكن لروسيا في السنة 2017 تقديمها إلى سوريا. هناك خدمة وحيدة تصلح للمرحلة. تتمثّل هذه الخدمة بتخليص سوريا من نظام انتهت صلاحيته لم يعد لديه ما يفعله سوى شنّ حرب على شعبه.

نعم، إنّ مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة نيكي هايلي على حقّ عندما تدعو روسيا إلى الضغط على الأسد الابن من أجل التوقف عن استخدام السلاح الكيميائي في حربه على شعبه والرحيل عن السلطة. هل كثير الطلب من روسيا مثل هذه الخدمة في الذكرى الـ50 لهزيمة العام 1967؟

طوال ما يزيد على نصف قرن، لم تبع موسكو العرب سوى الأوهام ولا شيء غير الأوهام. لم تجد ما تقوله لهم عشية الخامس من حزيران ـ يونيو 1967 عن أنّهم يخوضون حربا خاسرة سلفا لأنّ موازين القوى في غير مصلحتهم. كيف كان لدولة عظمى في حجم الاتحاد السوفييتي أن تتجاهل قدرة إسرائيل على تدمير الجيوش العربية في أقلّ من ستّة أيّام؟

حسنا، يمكن تفسير الموقف السوفييتي في تلك المرحلة بالرغبة في جعل العرب أسرى الكرملين أكثر من أيّ وقت. ما التفسير الحالي للموقف الروسي الداعم لبشّار الأسد، علما أن أصغر مسؤول في موسكو يعرف أن النظام السوري انتهى؟

لا جواب عن هذا السؤال سوى الرغبة في الانتهاء من سوريا. ما بدأ في 1967 يستكمل في 2017 لا أكثر ولا أقلّ. يظل الردّ الروسي على الغارات الإسرائيلية الخمس أفضل دليل من أجل التأكّد من ذلك.

المصدر : صحيفة العرب

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الهدية الروسية الوحيدة لسورية الهدية الروسية الوحيدة لسورية



GMT 11:33 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

طموح نتانياهو.. في ظلّ بلبلة ايرانيّة!

GMT 12:51 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

نتنياهو وتغيير وجه المنطقة... في ظل بلبلة إيرانيّة!

GMT 09:19 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

السنوار يكتب مستقبل غزّة ولبنان... ولكن!

GMT 21:09 2024 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان اليوم التالي.. تصوّر إيران لدور الحزب

GMT 21:41 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

العودة التي لا مفرّ منها إلى غزّة

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

عمان - المغرب اليوم

GMT 15:56 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية المفضلة للشباب خلال عام 2024
المغرب اليوم - الوجهات السياحية المفضلة للشباب خلال عام 2024

GMT 17:41 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 08:33 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحوت الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 16:23 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 18:27 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ميداليتان للجزائر في الدورة المفتوحة للجيدو في دكار

GMT 17:40 2019 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

نجم ليفربول يشعل مواقع التواصل بمبادرة "غريزية" غير مسبوقة

GMT 14:14 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

متزوجة تعتدي على فتاة في مراكش بسبب سائح خليجي

GMT 10:41 2018 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

عروض فرقة الفلامنكو الأندلسية على مسرح دونيم الفرنسي

GMT 16:22 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

جدول أعمال مجلس الحكومة المغربية في 25 كانون الثاني

GMT 16:46 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

سقوط بالون طائر يحمل عددًا من السائحين في الأقصر

GMT 00:22 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

نيرمين الفقي تكشف سبب مشاركتها في مسلسل "أبوالعروسة"

GMT 02:12 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

سعر الدرهم المغربي مقابل الدولار الأميركي الثلاثاء

GMT 21:04 2017 الجمعة ,08 كانون الأول / ديسمبر

أولمبيك خريبكة يستعيد نغمة الانتصارات ويؤزم وضعية تطوان

GMT 13:54 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

بيتزا بيتي محشية الأطراف

GMT 19:50 2015 الأربعاء ,04 آذار/ مارس

10 أشياء غريبة يحبها الرجل في المرأة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib