غطاء روسي وأميركي للمشروع الإيراني

غطاء روسي وأميركي للمشروع الإيراني

المغرب اليوم -

غطاء روسي وأميركي للمشروع الإيراني

بقلم : خيرالله خيرالله

هناك مشاركة أميركية فعلية، عبر قوات على الأرض وسلاح الجوّ في معركة إخراج “داعش” من الموصل. وهناك مشاركة روسية، عبر القصف الجوي في عملية تهجير سكان حلب من مدينتهم. هناك في الحالين وجود إيراني كثيف إن في محيط حلب وإن في محيط الموصل. هذا هو الواقع على الأرض في ما يخص المدينتين المطلوب تهجير سكانهما. تهجير أهل الموصل بحجة “داعش” وتهجير أهل حلب بحجة “النصرة”.

ما يجمع بين معركة الموصل وما تتعرّض له حلب وجود سياق معيّن مرتبط أوّلا وأخيرا بالمشروع التوسّعي الإيراني الذي لم يكن بعيدا لا عن خلق “داعش” ولا عن إطالة الحرب الدائرة في سوريا كي تصبح التنظيمات السنّية المتطرّفة في الواجهة، وتشويه صورة الثورة التي قام بها الشعب السوري ابتداء من آذار ـ مارس 2011.

لن يمضي وقت طويل قبل أن نشهد تحرير الموصل من إرهاب “داعش”. ما هو ملفت أن “داعش” بدأ يختفي منكفئا في اتجاه الأراضي السورية. ينكفئ فجأة، تماما كما ظهر فجأة واستطاع السيطرة على هذه المدينة العراقية المهمّة بما لا يزيد على ثلاثة آلاف مقاتل!

كيف استطاع ذلك، أو على الأصحّ، لماذا لم تستطع القـوات العـراقية التي كـانت تدافع عن المدينة بالآلاف من الرجال والتي كانت تمتلك عتادا عسكريا متطورا الصمود في وجه هذا التنظيم الإرهابي؟ ذلك هو سرّ الأسرار الـذي لا يعرفه سـوى قليلين في العراق من بينهم رئيس الـوزراء السابق نوري المالكي الذي سقطت الموصل في يد “داعش” في أيّامه. لم تجر أيّ محاسبة للمالكي الذي عاد قبل أيّام نائبا لرئيس الجمهورية بعد عزله عن هذا المنصب في إطار المنافسة بينه وبين رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي.

لا يمكن عزل ما يشهده العراق وسوريا عن الزلزال العراقي المستمرّ الذي بدأ في العام 2003. لا تزال لهذا الزلزال تردداته، ولا تزال له أهدافه المتمثّلة في القضاء على المدن المهمّة في المنطقة وتحويلها إما إلى مدن طاردة لأهلها، وإما إلى مدن تحت السيطرة الإيرانية كما حال دمشق وبغداد والبصرة حاليا.

ليس ظهور “داعش” ثم انكفاء هذا التنظيم سوى تتمة طبيعية للزلزال العراقي الذي في أساسه حرب أميركية من أجل التخلّص من نظام صدّام حسين. كانت إيران شريكة في تلك الحرب. خرجت منها منتصرة. حققت انتقاما تاريخيا على نظام، كان يجب أن يرحل، ولكن ليس من أجل أن يصبح العراق مجرّد مستعمرة إيرانية.

ماذا بعد معركة الموصل عندما ستتضح الأهداف الحقيقية لتسهيل سيطرة “داعش” على هذه المدينة قبل نحو عامين؟ الخوف كلّ الخوف من أن يسيطر “الحشد الشعبي”، وهو مجموعة ميليشيات مذهبية عراقية تأخذ أوامرها من طهران مباشرة، على الموصل. سيعني ذلك تهجير ما يزيد على مليون شخص منها بحجة “الانتقام من أحفاد يزيد” على حد تعبير قائد إحدى الميليشيات المذهبية العراقية.

يُخشى تهجير هذا العدد الكبير من سكان المدينة بعد معركة تتوزع فيها الأدوار بين حكومة حيدر العبادي وأميركا وإيران التي يقود عسكريوها التابعون لـ”الحرس الثوري” العمليات على الأرض. هؤلاء يسميهم رئيس الوزراء العراقي “خبراء” و”مستشارين”. يحصل ذلك في الوقت الذي تحصل فيه عملية تهجير منظّمة لأهل حلب، ولكن بتنسيق بين إيران الموجودة على الأرض مع شبيحة النظام السوري… وسلاح الجو الروسي!

جاء دور الموصل وحلب بعد بغداد والبصرة وحمص وحماة ودمشق ومدن وبلدات عراقية وسورية أخرى تعرّضت لعمليات تطهير ذات طابع مذهبي. من يزور البصرة هذه الأيّام، يقول إنّها صارت مدينة إيرانية. من يزور بغداد يؤكّد أن الطبيعة الديموغرافية لعاصمة الرشيد تغيّرت جذريا. كانت بغداد مدينة تمتاز بتنوّعها وبالتوازنات القائمة داخلها بين الشيعة والسنّة، بين العرب والأكراد والتركمان. كان هناك دائما مكان لأقلّيات فاعلة من مسيحيين عراقيين وآخرين من الأرمن.

أمّا الموصل، التي خرج منها عدد كبير من رجال العراق المستنيرين من ذوي الكفاءات، فهي في انتظار مصيرها المحتوم، تماما مثل حلب. الفارق بين الموصل وحلب هو سلاح الجو الذي يلعب دوره في تدمير ما بقي من المدينتين وتهجير أهلهما.

سلاح الجو الذي يضرب في حلب روسي، وسلاح الجو الذي يوفّر الغطاء للعمليات العسكرية على الأرض في الموصل أميركي. في الحالين، هناك من يعمل لمصلحة إيران. الأميركيون يعملون لمصلحة إيران في العراق، والروس يعملون لمصلحتها في سوريا. الأخطر من ذلك كلّه، أن تركيا المعنية بالموصل وحلب، صارت في موقع المتفرّج بعد التلويح لها بالورقة الكردية!

هل يستطيع الأكراد الذين يشاركون في معركة الموصل إيجاد فارق على الأرض يؤدي إلى منع عملية التهجير الكبيرة التي تستهدف سكان المدينة الذين عانوا الكثير منذ العام 2014؟

يصعب التكهن بما إذا كانت “البيشمركة” ستتمكن من لعب دور إيجابي، خصوصا أنّ “الحشد الشعبي” يمتلك مخططا خاصا به يصبّ في الانتقام من كلّ مدينة ذات طابع سنّي في العراق وحتّى من مدينة فيها وجود سنّي مثل البصرة.

إنّه انتقام من فكرة المدينة قبل أيّ شيء آخر. هذا ما نشهده منذ حصول الزلزال العراقي في 2003، أي منذ ما يزيد على ثلاثة عشر عاما دمُّرت خلالها أو خرّبت… أو توقف الإعمار في كلّ المدن الممتدة بين بغداد وبيروت. بعد بغداد، جاء دور الموصل الآن. بعد حمص وحماة، جاء دور حلب. أما دمشق، فصارت مطوقة من كلّ الجهات في ظلّ محاولات تستهدف تغيير طبيعة المدينة بشكل جذري.

لا داعي للحديث عن بيروت التي تتعرّض منذ سنوات عدة، منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري تحديدا، لمحاولات تصبّ في ترييفها، وصولا إلى منعها من أن تكون محطة للعرب والأجانب ومدينة مرحّبة بهم.

تتعرّض بيروت منذ 2005 لحملة مدروسة جعلت من إقامة رصيف فيها أو تحرير أحد أرصفتها من العوائق التي يضعها أصحاب المحلات، إنجازا بحدّ ذاته. الهدف واضح كلّ الوضوح ويتمثل في جعل العاصمة اللبنانية تفقد مقومّات المدينة المزدهرة.

كلّ ما في الأمر أن أصداء الزلزال العراقي ما زالت تتردّد. المشروع التوسّعي الإيراني يتابع اندفاعه. المدن العربية كلّها هدف لهذا المشروع الذي يحظى بغطاء جوّي روسي وأميركي وتنسيق أميركي – روسي – إسرائيلي، فيما تركيا محيّدة.

أمّا مصر، التي كان يمكن أن تلعب دورا ما على صعيد إقامة التوازن الإقليمي المفقود منذ 2003، فهي في وضع لا تحسد عليه. هذا أقلّ ما يمكن قوله عن مصر التي ستبقى أسيرة مشاكلها الداخلية لفترة طويلة. ستبقى مصر بين المتفرّجين على تقدّم المشروع الانهيار وعلى انهيار المدن في المشرق العربي… لا حول لها ولا قوّة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غطاء روسي وأميركي للمشروع الإيراني غطاء روسي وأميركي للمشروع الإيراني



GMT 11:33 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

طموح نتانياهو.. في ظلّ بلبلة ايرانيّة!

GMT 12:51 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

نتنياهو وتغيير وجه المنطقة... في ظل بلبلة إيرانيّة!

GMT 09:19 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

السنوار يكتب مستقبل غزّة ولبنان... ولكن!

GMT 21:09 2024 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان اليوم التالي.. تصوّر إيران لدور الحزب

GMT 21:41 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

العودة التي لا مفرّ منها إلى غزّة

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 11:19 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
المغرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:20 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
المغرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 10:12 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أسعار الذهب تتراجع بأكثر من 30 دولاراً وسط ارتفاع الدولار

GMT 12:40 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 18:38 2018 الثلاثاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

وفاة معتقل داخل محكمة الاستئناف في طنجة

GMT 12:37 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

محاولات لإقناع الواعد باسي بتمثيل المغرب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib