لماذا كانت المجازفة

لماذا كانت المجازفة؟

المغرب اليوم -

لماذا كانت المجازفة

بقلم : خيرالله خيرالله

هل وضع لبنان أفضل بوجود رئيس للجمهورية، أي رئيس، أم أن البلد يستطيع الانتظار؟ هناك وجهة نظر لا يمكن إلّا أخذها في الاعتبار.

تقول وجهة النظر هذه إن انتخاب رئيس للجمهورية يبقى أفضل من استمرار الفراغ، خصوصا إذا التزم الرئيس، بملء إرادته طبعا، ضوابط معيّنة. لم يعد من خيار آخر أمام لبنان من أجل ملء الفراغ الدستوري في هذه المرحلة الحرجة وذلك بعد استنفاد كلّ الخيارات الأخرى.

هذا ما حاول الرئيس سعد الحريري شرحه في خطابه يوم العشرين من الشهر الجاري، وهو كان بالفعل خطابا من القلب يصدر عن رجل شجاع وجريء يهمّه قبل كلّ شيء “أن يبقى البلد”.

تحدث سعد الحريري عن “مخاطرة”. إنّها مخاطرة بالفعل، بل أكثر من مخاطرة. يمكن الكلام حتّى عن مغامرة.

هل من سبيل آخر لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في ظل الوضع العربي القائم وفي ظل التجاهل الدولي لما يدور في لبنان؟ هناك تجاهل للمأساة التي تتعرّض لها حلب، تلك المدينة الكبيرة التي تعتبر من أقدم الحواضر في العالم.

لا مأساة في القرن الحادي والعشرين أكبر من هذه المأساة في ظلّ إدارة أميركية قررت التزام موقف المتفرّج حيال ما يدور في المنطقة.

لم يكن من خيار آخر أمام لبنان غير محاولة لملمة أوضاعه، أقلّه في انتظار إدارة أميركية جديدة قد لا يكون هدفها الوحيد وهمّها الأوّل عدم إغضاب إيران، خصوصا في سوريا، حماية للاتفاق في شأن ملفّها النووي؟

في ظلّ ما يدور في الشرق الأوسط، يأتي على رأس الضوابط التي تعتبر من البديهيات والتي يفترض في رئيس الجمهورية احترامها، التزام اتفاق الطائف، والعمل على إعادة الحياة إلى الاقتصاد ومشروع الإعمار وبناء مؤسسات الدولة، والنأي بالنفس عما يدور في سوريا.


إنها ضوابط من أجل حماية لبنان. إنها ضوابط كافية لتمرير المرحلة الراهنة في حال صدقت النيّات ومارس رئيس الجمهورية الدور المطلوب منه أن يمارسه، بعيدا عن أي كيدية، بصفة كونه رئيسا لكل لبنان.

مرّة أخرى، اتفاق الطائف ليس مقدّسا، لكنّه لا يجوز تعديله عبر “المؤتمر التأسيسي”، الذي سبق للأمين العام لـ”حزب الله” أن تحدّث عنه، في ظل السلاح غير الشرعي لميليشيا مذهبية هي لواء في “الحرس الثوري” الإيراني. لا هدف لهذه الميليشيا سوى إلحاق لبنان بإيران، أي إقامة وصاية إيرانية على البلد بدل الوصاية السورية.

ليس الأمر سرّا عسكريا. لم يعد يحصى عدد التصريحات الصادرة عن مسؤولين إيرانيين يؤكدون أن لبنان صار تحت الهيمنة الكاملة لـ“حزب الله”، أي تحت هيمنة إيران، وأنّ إيران صاحبة القرار الأوّل والأخير في لبنان، وأن بيروت مدينة إيرانية على البحر المتوسّط.

بكلام أوضح، على لبنان حماية نفسه كي لا تجرفه العاصفة التي تجتاح الشرق الأوسط والتي من نتائجها، إلى الآن، سقوط الجزء الأكبر من العراق تحت الهيمنة الإيرانية، وتفتيت سوريا في ظلّ تنسيق روسي – إسرائيلي في كل المجالات بمشاركة إيرانية على الأرض عبر ميليشيات مذهبية باتت تشكل الوجه الآخر لـ“داعش”.

يمثل “داعش” الإرهاب السني في هذه المرحلة، علما أن كلّ الدلائل تشير إلى أن في أساس نشوء هذا التنظيم سياسات اتبعها النظامان في سوريا وإيران من أجل تبرير اللجوء إلى الإرهاب في قمع العراقيين والسوريين، وتنفيذ عمليات تطهير ذات طابع مذهبي في كل من العراق وسوريا.

ما هو ملفت، في موازاة التحذير من خطر “داعش”، أن هناك عمليات تطهير واسعة تقوم بها الميليشيات المذهبية على طول الحدود بين سوريا ولبنان من أجل إقامة شريط عازل (داخل الأراضي السورية). ينفّذ هذا المشروع في إطار تطويق دمشق وتغيير طبيعة المدينة وتركيبة المناطق المحيطة بها من زاوية مذهبية ليس إلا.

كان التصريح الأخير الصادر عن اللواء محمد علي جعفري قائد “الحرس الثوري” في إيران أكثر من واضح. لم يعد أمام كل من يسعى إلى معرفة ماذا تريد إيران سوى قراءة ما ورد في التصريح. قال جعفري بالحرف الواحد “إن إيران هي من تقرّر مصير سوريا”. ذهب إلى أبعد من ذلك عندما قال أيضا “إنّ الدول الكبرى تتفاوض مع إيران لتحديد مصير دول المنطقة بما فيها سوريا”. من يقول إن إيران تحدد مصير سوريا، يعني في حقيقة الأمر أن إيران تحدد مصير لبنان أيضا.

"حزب الله " وافق أخيرا على سد الفراغ الرئاسي. ولكن هل كان "حزب الله"، ممثل إيران في لبنان، يريد أصلا رئيسا للجمهورية؟

لم تكـن في استطـاعة لبنان المـراهنة على الفراغ الرئاسي في ظـلّ الهجمـة التي تتعرّض لهـا دول المنطقـة، على رأسها العـراق وسوريا.

ما أهمّية لبنان عندما يتعلق الأمر بدول في حجم العراق وسوريا؟ كل ما يستطيعه لبنـان هـو تحمل وزر وجود ما يزيد على مليون ونصف مليون لاجئ سوري في أراضيه. سيشكل هؤلاء في المستقبل مشكلـة كبيرة على كلّ صعيد في بلد ذي موارد محدودة بات معزولا عن محيطه العربي.

لا يزال لبنان يقاوم وذلك على الرغم من تخلي كثيرين عنه. صحيح أن معظم مؤسساته مهلهلة. صحيح أن “حزب الله” جلب الويلات على البلد جراء تدخله في الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري. صحيح أن عبء اللاجئين السوريين كبير، لكنّ الصحيح أيضا أنّ لا مجال للرهان على المجهول.

وافق “حزب الله” أخيرا على سدّ الفراغ الرئاسي. سيكون مرشّح الحزب رئيسا للجمهورية. نجح في فرض مرشحه. ولكن هل كان “حزب الله”، ممثل إيران في لبنان، يريد أصلا رئيسا للجمهورية؟

ما ستكشفه الأسابيع المقبلة، بعد أن يصبح ميشال عون في قصر بعبدا، هل من مجال لإعادة الإقلاع بالبلد واقتصاده. سيتبيّن ما إذا كانت هناك رغبة في إعادة الحياة إلى بيروت والمدن والمناطق اللبنانية الأخرى.

لا شك أن القرار الذي اتخذه سعد الحريري وضع “حزب الله” أمام لحظة الحقيقة، فكان على الأمين العام للحزب السير في عملية سدّ الفراغ الرئاسي ولكن مع تمرير كلمة “تضحية”. اعتبر أن القبول بسعد الحريري رئيسا لمجلس الوزراء “تضحية”، علما أن الدستور يقول بالاستشارات “الملزمة” التي يجريها رئيس الجمهورية الذي عليه تكليف الشخصية التي تحصل على أكبر عدد من الأصوات بتشكيل الحكومة. صار احترام الدستور “تضحية”. صار التفاهم بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء “تضحية”.

على هامش ما يدور في المنطقة، يظل على اللبنانيين العمل يوميا من أجل مقاومة المشروع التوسعي الإيراني الذي يستهدف كلا منهم. يستهدف المشروع كلّ لبناني بغض النظر عن الطائفة أو المذهب أو المنطقة.

من يستوعب هذه المعادلة لن يجد صعوبة في فهم الأسباب التي دفعت إلى التفكير جدّيا في كيفية ملء الفراغ الرئاسي، والدخول في مجازفة كان لا بدّ منها، لعلّ وعسى يبقى البلد في منأى عن العاصفة التي تضرب المنطقة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا كانت المجازفة لماذا كانت المجازفة



GMT 11:33 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

طموح نتانياهو.. في ظلّ بلبلة ايرانيّة!

GMT 12:51 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

نتنياهو وتغيير وجه المنطقة... في ظل بلبلة إيرانيّة!

GMT 09:19 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

السنوار يكتب مستقبل غزّة ولبنان... ولكن!

GMT 21:09 2024 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان اليوم التالي.. تصوّر إيران لدور الحزب

GMT 21:41 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

العودة التي لا مفرّ منها إلى غزّة

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 18:56 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

أحمد السقا يعلّق على المنافسة بين أبطال "العتاولة 2"
المغرب اليوم - أحمد السقا يعلّق على المنافسة بين أبطال

GMT 06:44 2024 الأحد ,04 شباط / فبراير

توقعات الأبراج اليوم الأحد 04 فبراير / شباط 2024

GMT 12:48 2021 الأحد ,05 كانون الأول / ديسمبر

المنتخب المغربي يتلقي حصة تدريبية خفيفة بعد هزم الأردن

GMT 04:10 2021 الجمعة ,14 أيار / مايو

الروسي حبيب نورمحمدوف يوجه رسالة للمسلمين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib